• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية دروس في الحب والسعادة للكاتب محمد حجو .
                          • الكاتب : ابراهيم بن مدان .

قراءة في رواية دروس في الحب والسعادة للكاتب محمد حجو

تقع رواية دروس في الحب والسعادة للكاتب المغربي محمد حجو في حدود 152 صفحة مقسمة لعشر ليال في كل ليلة من الليالي يتم التطرق لقضية من القضايا الحياتية والفلسفية، فالرواية في مجملها عبارة عن حوار بين أب وابنه يعضه ويقدم له مجموعة من النصائح والدروس في قواعد الحب والسعادة والحياة عموما، بأسلوب أدبي فريد وماتع، استطاع من خلاله الكاتب محمد حجو أن يشد انتباه القارئ، من بداية الرواية وحتى نهايتها، بلغة عربية فصيحة تجعلك تغوص داخل كنه الشخصيات في قالب سردي شائق.

يقول الأستاذ محمد حجو عن رواية دروس في الحب والسعادة في أحد حواراته المنشورة له على صحيفة بيان اليوم: "دروس في الحب والسعادة رواية لا تشبه المنتظر والمتوقع؛ فهي ليست قصة تروى أو تحكى، وإنما هي مشروع للقارئ المحتمل ليؤلف قصته الخاصة، وينبش في البديهيات المقررة جورا عبر تاريخ البشرية لاستعبادهم بقوة السلاح والمال وسلطة الخرافة وغطرسة التفوق بكل أشكاله" 1.

        فالعمل الروائي الحقيقي هو الذي يستطيع أن يعرفنا عن الإنسان ودواخله النفسية ويغوص بنا في كنهه، ويفتح لنا أفاقا متعددة للتفسير والتأويل، يشير الروائي ميلان كونديرا في كتابه "فن الرواية" إلى أن الفلسفة والعلوم إن كانا قد نسيا كينونة الإنسان، فإن الرواية جاءت لتصاحب الإنسان على الدوام وبإخلاص منذ بداية الأزمنة الحديثة. يقول: "ما يمكن للرواية وحدها دون سواها أن تكتشفه؛ هو ذا ما يؤلف مبرر وجود الرواية، إن الرواية التي لا تكتشف جزءا من الوجود ما يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة"2.

يقول السارد: "إن تسمية الأشياء غالبا ما تفقدنا الابتسامة. يا للجور! نبدأ أطفالا نحب الحياة، ونحلم أن نكبر... ونصير كبارا تفرقنا الحياة من كل شيء ورثناه عن صبانا. يا لجور الزمن، نحب الكذب لا يعري، ونكره الحقيقة لا تستر. الزمن أصبح حقيرا ! متى كان للزمن كرامة وعزة ونخوة وشهامة؟"3. عندما يكون الإنسان صغيرا تكون أمامه أحلام وطموحات وأهداف، يكون فؤاده نقيا طاهرا، لكن ما إن يكبر شيئا فشيئا حتى يكتشف أن تلك الأحلام من الصعب تحقيقها والوصول إليها في عالم يسود فيه المتملقون والانتهازيون ولاحسو الأحذية، ومقبلو الأيادي، يكتشف أن لا خيار أمامه إلا أن يكون واحدا منهم فيرضى بفتات موائد الأسياد؛ ذلك الفتات الذي يلهث العبيد خلفه. هنا يبقى الإنسان في معاناة لا قبل له بها، يعاني في صمت ويعتزل وتلك حال من في قلبهم بريق من نور يشع، وفي نفوسهم كرامة، وفي عقولهم حكمة.. هذا هو زماننا الذي يُقصي أصحاب النخوة ويعلي قيمة من لا نخوة لهم. في ظل هذا الواقع ما علينا إلا أن نكون سوداويين ونذهب مع دوستويفسكي الذي قال في إحدى رواياته: "لا تكبر إنه فخ". وإنه لفخ كبير أن تكبر في ظل هذا المجتمع الذي يعلي من صغار العقول ويجعل منهم أسيادا.

من خلال قراءتي للرواية وصلت للكثير من الأشياء المشتركة التي تجمع ما بين رواية "دروس في الحب والسعادة" للكاتب محمد حجو و"هكذا تكلم زرادشت" للفيلسوف نيتشه؛ هذه الأشياء هي الحكمة والاختصار وتكثيف المعاني والدلالات في أسلوب أدبي فلسفي فريد، سنأخذ اقتباسا مقتضبا. يقول السارد في ص 26 من الرواية: "قلت إن طريق الحب شائكة؟ أتحاربون الحب في عالم التراب؟ أليس هو أعظم شيء عندكم؟ ألا تقولون إن منبع كل خير تفعلونه؟. – إذا كنت تفكر في هذا وتفهمه، فأنا مرتاح، إن تاريخك سيكون تاريخ سنابل لا تاريخ نرجس. إن الحديث إليك وأنت بهذه الذاكرة المشتعلة يوقد قلبي ويوقظ فيه النار التي عمشها التراب4. ولنذهب مع نيتشه حين يقول:  بينما كنت أسير اليوم منفردا في طريقي عند الغروب، التقيت بشيخة ناجتني قائلة: لقد كلمنا زاردشت مرارا نحن النساء، ولكنه لم يتكلم عنا مرة واحدة. قلت لها: - يجب ألا يتكلم الرجل عن النساء إلا للرجل. فقالت: لك أن تتكلم أمامي عن النساء لأنني بلغت من العمر أرذله فلن تستقر أقوالك في ذهني. وقبلت رجاء المرأة العجوز فقلت لها: كل ما في المرأة لغز، وليس لهذا اللغز إلا مفتاح واحد وهو كلمة (الحبل)، ليس الرجل للمرأة إلا وسيلة أما غايتها فهي الولد(...) والآن أصغ إلي يا زاردشت فإنني سأعلن لك حقيقة صغيرة مكافأة على ما قلت وكبر سني يجيز لي أن أعلنها لك، فاسترعها واطبق شفتيك عليها لئلا يتعالى صراخها من فمك. فقلت: هاتها، هذه الحقيقة الصغيرة أيتها المرأة. وهذا ما قالت العجوز: - إذا ما ذهبت إلى النساء فلا تنس السوط.5

فقولة الفيلسوف نيتشه "أطمح أن أقول في عشر جمل ما يقوله أخرون في كتاب كامل" تلخص إلى حد كبير الغاية المرجوة من الأدب والفكر والفلسفة عموما وهي الاختصار وقول ما يجب قوله في جمل قصيرة بعيدا عن الإطناب والحشو، والذي يقرأ أفول الأوثان أو ما وراء الخير والشر أو هكذا تكلم زرادشت يعرف جيدا معنى قول نيتشه، لأن الرجل قال في القليل من الجمل ما لا يستطيع غيره أن يقوله في الكثير من المجلدات. فالأدب تدربنا قراءته وتحليل خطابه، كما تذهب إلى ذلك دة. زهور كرام على ثقافة الإحساس بالحياة، والأشياء، ويمنحنا إمكانيات متعددة لإدراك سلوكنا الاجتماعي، وطريقة تفكيرنا. لأن المعرفة كيفما كان نوعها (والأدب منها) تبدأ موضوعا للاشتغال، وبمجرد تفكيكها، والنظر إلى فلسفتها وأسئلتها، وجعلها امتداد للحياة والمجتمع، فإنها تتحول بدورها إلى أداة للتفكير في موضوعات أخرى6.

إن رواية دروس في الحب والسعادة هي رواية يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي بالفلسفي؛ فهي رواية نفسية لأنها تجعلنا نغوص داخل النفس البشرية من خلال الحوار الذي يدور بين الأب وابنه، واجتماعية لأنها من خلال الحوار تجعلنا نفهم طبيعة المجتمع الراهن، والمجتمع الذي نشأ فيه الأب وكذا المجتمع الذي نشأ فيه الإبن، وفلسفية لأنها تسبح في عوالم متعددة لا يحددها الزمان ولا المكان. إنها عمل أدبي فريد وقيم وجب على القارئ أن يكون على درجة كبيرة من الوعي واليقظة حتى يصل إلى جوهر المعاني والدلالات الغنية التي تزخر بها الرواية، فهي كما يقول تيري إيغلتون: إن الأعمال الأدبية قطع بلاغية وتقارير أيضا، وتتطلب نمطا من القراءة على درجة بالغة من اليقظة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=140522
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 01 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29