في حضارة مصر القديمة كان الملك يُقسم أمام القضاة على عدّة بنود ليثبت خلوّ ساحته من أي تهمة فساد ، وكان أول تلك البنود هو أنه لمّ يلوّث نهر النيل* ، ونهر النيل كان يُمثل القوة الاقتصادية للدولة المصرية وهو سرّ عظمة مصر حينها وسبب حضارتها .
وينقل في هذا الصدد ايضاً أن انديرا غاندي** قد سألت أباها جواهر لال نهرو حول ما تخلّفه الحروب في البلدان ، فأجابها : دمار الإقتصاد ، ثم سألته عن دمار الاقتصاد ماذا يخلف ، فأجاب : دمار الأخلاق . فسألته وماذا يفعل دمار الأخلاق ..؟ فأجابها : وهل تتخيلين أنك ستعيشين في دولة قد دمّرت أخلاقها .. !!
عندما نريد للصناعة العراقية أن تزدهر انّما نريد لموارد هذا البلد ان تُستثمر ، أرضه ومائه وهوائه ، نفطه ومعادنه ، اياديه العاملة وعقوله ، فمتى ما أصبحنا نأكل مما نزرع ، ونلبس مما نصنع .. متى ما أصبحنا عندها دولة لها سيادتها الكاملة وغير المنقوصة . فأول انتهاك للسيادة هو عندما نكون عيالاً على غيرنا في الاقتصاد ، لأنه سيتحكم بنا في باقي المجالات وعلى رأسها السياسية .
ازدهار الصناعة والزراعة العراقية يتوقف ايضاً على مستوى الاستهلاك المحلي للمنتوج العراقي ، فأنت في الوقت الذي تلبس به ملبوساً عراقياً فأعلم أنك ستهدي ملبوساً اخراً لعراقي قد تدخل في صناعة وبيع هذا الملبوس ، وعندما تضع في فمك لقمة عراقية فأعلم أنك قد وضعت لقمة اخرى في فم عامل أو كادح عراقي ..
صناعتنا وزراعتنا وتجارتنا التي تتعاطى مع منتوجاتنا إنما هي عزّنا وكرامتنا وفخرنا ..
____________
* راجع كتاب المسكوت عنه في التأريخ لعالم المصريات المصري د. وسيم السيسي .
** أنديرا غاندي، سياسية هندية، المرأة الوحيدة التي تولت منصب رئيس وزراء الهند ولحد الآن وقد شغلته ثلاث فترات متتالية والفترة الرابعة، انتهت باغتيالها بيد أحد المعارضين السيخ المتطرفين. وقد كانت رئيسة حزب المؤتمر الوطني الهندي والشخصية المحورية فيه، وهي ابنة جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند .
|