• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف يختار السومري زوجته؟ .
                          • الكاتب : محمد السمناوي .

كيف يختار السومري زوجته؟

في تاريخ11/1 /2019م نشرت مقال بعنون( كيفية اختيار الزوجة عند الهندوسية واليهودية والمسيحية والدين الإسلامي؟)، كانت عبارة عن دراسة مقارنة في الشرائع الثلاث مقارنة بالدين الإسلامي، وقد تم فيها التسلسل المنطقي في كيفية اختيار الزوجة بحسب كل ديانة وآدابها وشرائطها، وكانت نقطة البداية تسليط الضوء على التشريع الهندوسي في كيفية اختيار الزوجة وكان المستند في ذلك كتاب( منو سمرتي) وهو كتاب تشريعي مقدس عن الهندوس المتدينون.

كان من المفروض ان تكون نقطة البداية والانطلاق هي من العصر السومري، وتتبع تلك النصوص المتعلقة في كيفية اختيار الزوجة، وماهي مواصفاتها، وكيف تتم المراسيم؟ وغيرها من الأمور المرتبطة بهذا القسم.

في هذه المقالة المختصرة سوف يتم الاستدراك لكي تكون الرؤية شاملة وكاملة لمن احب التوسع والتتبع والبحث والتحقيق في هذا الإتجاه.

نهل الأكاديون والآشوريون والبابليون من الافكار والتعاليم والآداب لأسلافهم السومريين، كما نقل الحيثيون الحوريون والكنعانيون بعضها إلى آدابهم، وقاموا بتقليدها بشكل كبير، والتي منها التشريعات الحقوقية والجزائية والآداب والاخلاق والقانون وغيرها، والتي منها كيفية اختيار الزوجة(1).

يوجد العدد من الآداب والحكم والأمثال التي كان يتداولها الشعب السومري فيما يتعلق في اختيار الزوجة المناسبة، وبناء أسرة بحسب رغبات القلب التي يطمحون إليها، بل يوجد نصوص دلت أن الفتى له الحرية الكاملة في اختيار الزوجة، وان المراة في الفكر السومري هي مستقبل الرجل لجهة هذه الأهمية في حياة الرجل ودورها الكبير والفعال، ومن هذه الحكم والقواعد(2):ـ

1ـ تزوج امراتك طبقاً لإختيارك، وانجب طفلاً حسب رغبات قلبك.

2ـ إن المراة من غير زوج كالحقل من غير زرع.

3ـ المنزل بدون صاحبه، كالمرأة من غير زوج.

4ــ من لم يعل زوجة أو ولد لا تحتمل أنفه القيد.

أو من لم يعل زوجة أو طفلاً فقد سلم أنفه من حمل المقود، هذا بحسب ماجاء في ترجمة هذا المثل في كتاب العلامة كريمر.

5ــ ان الشخص الذي لا يعول زوجة، لا يعول ابناً، إنه شخص لا يؤتمن، ذاك الذي لا يعول نفسه.

وقد علق الدكتور أحمد أمين على هذه المثل بقوله: وبذلك فقد وصفت النسخة الأكادية الشخص الذي لا يرغب في تكوين أسرة بأنه إنسان لا يمكن الثقة به والاعتماد عليه، لأنه شخص غير جدير، وغير كفأ لتحمل المسؤولية(3).

كما وردت في مجموعة الأمثال الآشورية التي تصف المرأة العزباء كالمنزل الذي لا صاحب له.

6ــ عيناي عينا أسد، وجسمي جسم الملاك الحارس، وشفتاي تنطقان بالفتنة والسحر، فمن سيكون زوجي شديد الفحولة.

7ـ إن قلبي حكيم، ومشاعري سلوك، وكبدي ذو جلال ووقار، لا تتحدث شفتاي إلا بالأشياء الجميلة، فمن ذا الذي سيكون زوجي المختار؟ .

دلت هذه الجملة إلى حرية اختيار الشريك في الحياة الزوجية سواء كان ذكراً او انثى.

8ـ من المقتر؟ من الموسر؟ الذي أصون له فرجي.

إشارة إلى رغبة الفتاة في اختيار زوجها وتفضيلها بين الرجل البخيل الشحيح المقتر، والغني الميسور، ولاجل شريكها الذي تختاره سوف تحافظ وتصون فرجها، فهو من يستحقه.

9ـ الزوجة غير المناسبة تعيش في المنزل أسوأ من جميع الشياطين.

10ـ المراة المبذرة في بيتها تبتلى بجميع أمراض الشياطين.

11ـ لا تعامل الخادمة في منزلك بحفاوة، فانها لن تستطيع السيطرة على فراشك مثل الزوجة ... لا تسلم نفسك للخادمات .... فانك لن تستطيع النزول اليها، دع هذا يقول لك بين أهلك : إن البيت الذي تحكمه خادمة، ستؤدي إلى تمزيقه.

دلت هذه الحكمة السومرية على التحذير من الاقتران بالخادمة واختيارها كزوجة؛ لانها لن تستطيع المحافظة على فراش الزوجية، وبالتالي سوف تمزق البيت وتجعله منهاراً من جميع الجهات، خصوصا اذا اصبحت صاحبة القرار في النهي والترك، ومسيطرة من جهة القرار لشؤون الاسرة.

وفي التراث الإسلامي نجد رواية يستفاد منها هذا المعنى، وهي متعلقة في ظلم الخادم والزوجة والسفلة، ووضعهم في مرتبة تناسب طبيعتهم ومستواهم الإجتماعي، ولكن تحتاج إلى توجيه وشرح وبيان.

الراوية ذكرها المحدث البرقي في محاسنه عن موسى بن القاسم، عن المحاربي، عن أبي عبد الله ( A ) قال: قال: رسول الله (+) : (ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك ، السفلة وزوجتك وخادمك(4).

لعل من تقع بيده هذه الرواية يفهم منها أن النبي ( +) أجاز بظلمهم واهانتهم وشتمهم وضربهم!!.

والجواب: ان رسول الله (+) منزه عن ذلك لمقامه الرفيع ولعدم قبوله بظلم الآخرين وقد اوصى في مناسبات متعددة بحق الزوجة والعبد بكثير من الوصايا، ولكن المقصود بهذه الرواية هو أنه إن لم تضعهم في غير موضعهم ومحلهم وضعوك في غير موضعك ومحلك وهتكوا حرمتك وتركوا رعايتك، والمراد أن مراعاتهم بقدر حالهم يوجب جرأتهم عليك وجسارتهم، فيتركون مراعاتك بقدر حالك، فوجب تنزيلهم دون منزلتهم لتسلم بذلك منزلتك ومرتبتك، أو إن لم تتجاوز الحد في تأديبهم وتعليمهم ومنعهم عن الفساد ظلموك ويتجاوزوا الحد في الفساد، وتركوا طاعتك بل طاعة الله، على قياس ما قالوا في قوله (عليه السلام): ( لا ترفع عصاك عن أهلك ) أي: لا تدع تأديبهم وجمعهم على طاعة الله، ولم يرد الضرب بالعصا ولكنه جعله مثلاً(5).

12ـ الخبز الذي لا يحتاج إلى وقت للنضج مثل العروس الصغيرة التي لا تعانق زوجها لا يستمر ذلك فترة طويلة.

ومن خلال بعض الحكم السومرية يجد الباحث أن هناك حواراً وقع بين شاب وأمه في كيفية اختيار الزوجة، ووقع هذا الحوار في مدينة نينات التي كانت توصف بمدينة المدن في العصر السومري، وهي من المدن التي لم توضح الحفريات إلى الأن في إي موقع في بلاد سومر.

هذه القصة عبارة عن شاب يدعى مارتو يطلب من أمه أن تختار له زوجة:

قال مارتو لأمه: وهو يدخل الدار في مدينتي جعل اصدقائي لأنفسهم أزواجاً وجيراني جعلوا لأنفسهم أزواجاً، وفي مدينتي أنا وحدي من بينهم لا زوجة لي، ليس لي زوجة، ليس لي أولاد، وتنتنهي القصة على شكل قصيدة بالبيتين التاليين:

يا أماه خذي لي زوجة، وسأقدم لك هديتي.

ولكن أمه نصحته: ابحث لنفسك عن زوجة طبقاً لرغبتك(6).

وقيل أن في أحد الأيام اقيم احتفال ضخم في مدينة نيناب حضره الملوك والزعماء والقادة واصحاب المناصب الرفيعة، وفي اثناء الاحتفال قام مارتو باعمال بطولية جلبت السرور للملك الذي كان يسمى لنمشدا، وقد قدم لمارتو هدية على ذلك من الفضة واللازورد، لكن مارتو رفض هذه المكافئة، وطلب بدلها الزواج من ابنته، فوافق نمشدا وكذلك ابنته على هذه الطلب بسرور، على الرغم من محاربة أحد أقربائها الحط من شأن مارتو وإظهاره بمظهر انسان متوحش، يسكن الخيام، ويأكل لحماً غير مطبوخ، ولا يجد له مثوى حين يموت(7).

يستفاد من هذه القصة حرية الفتى في اختيار زوجه، وموافقة الفتاة على الزواج ورضا وأذن أبيها، وهذا نفسه ما جاء في الفكر الإسلامي في شرائط الزواج من إذن الولي، ورضا البنت، ولعل هذه المسألة قد نشرها الانبياء والمرسلين الذين عاشوا وولدوا في بابل، وتأثر بها الشعبي السومري والآكادي والبابلي.

وفي هذا السياق نجد أن هناك حواراً ثاني جرى بين أخ واخته حول صفات الزوج الذي ترغب الأخت بالارتباط به، كما أن مهمة الأخ هو أن يجد الشاب المناسب والملائم لكي يرتبط بأخته، وينتمي الأخ واخته إلى الطبقة الفقيرة طبقة الصيادين، ويلاحظ من هذه القصة أن الفتاة تشترط فيمن يكون زوجها المستقبلي أن يوافق على جملة من الشرائط:

1ـ أن يعيش كما تعيش هي.

2ـ يعمل كما تعمل هي.

مما يشير إلى جهة مسألة الإختيار والارادة الحرة المكفولة للفتاة السومرية في عملية اختيار الزوج الذي تختاره، ومما جاء في هذه المسألة :

الاخ: لأخته: ألا يستطيع أخوك أن يختار لك !

الأخت: ما الذي يمكن ان تختاره ؟

الأخ: إنسان مثلي تماماً، مثل أخوك.

الاخت: دعه (ذلك الرجل) يعيش كما أعيش، يعمل كما أعمل ... الأعشاب في الأهواء... دعه يأكل الزيت في الندى.

جرت العادة في عهد الحاكم البابلي حمورابي(1728 ــ1686ق.م) أن يختار والد الشاب خطيبة إبنته، وعندما يتم الاتفاق بين القائمين على الزيجة يشرع في إعداد الخطبة، ويمكن أن تكون هذه العادة إشارة إلى اعطاء وكالة وتوكيل الأبن لأبيه لكي يقوم بتزويجه وكذا البنت، كما هو المتعارف اليوم في أخذ مسالة الوكالة في الزواج.

ومنحت القوانين السومرية بعض النساء حرية الاختيار وتنفيذ الالتزام أو رفضه، وابرام عقد الزواج ومثل ذلك حال الكاهنات او المراة التي تتزوج ثانية ... ولذلك يرجح ان سبب تمثيل الاب ابنته في عقد الزواج هو لجهة صغر سنها(8).

من مظاهر الاحتفال في العصر السومري والبابلي أن يرسل إلى بيت والد العروس بعض قطع الأثاث، كما يقدم الشاب، أو والده مبلغاً من المال إلى والد العروس، وهو عبارة عن مهر يقدمه العريس لفتاته التي يتقدم لها، وهذه ليست إلزامية وواجبة بل تقع على نحو الاختيار، فيمكن ان يقع الزواج عندهم بالخطبة والاتفاق، وفي بعض الاحيان إذا تراجع والد الفتاة من تزويج ابنته فانه يرده كاملاً(9).

كما يوجد في بعض الحكم السومرية تحذير من الزواج من بعض النساء، والتي منها العاهرات التي تمارس الزنا والبغاء، ولا تتزوج من العاهرة التي يقدر أزواجها بالآلاف... والمرأة المحظية التي يعجب بها كثيرون؛ لأنها في مصابك لن تسندك، وفي نزاعك تسخر منك، ليس الاحترام او الخضوع من خصائصها، فحتى إذا كانت تسيطر على منزلك فطردها منه حيث إنها توجه اهتمامها إلى مكان آخر.

وفيما يرتبط بتعيين العمر المحدد للزواج، ذكرت الحكم والأمثال والنصوص السومرية أن الزواج كان يتم في سن مبكرة، ولذلك هناك بعض الحكم التي تنقد المغالات في تزويج الأطفال وهو في سن صغيرة، كما أن هناك حكماً أخرى تنصح الأزواج الذين تزوجوا من فتيات صغيرات بالصبر عليهن والتريث معهن حتى ينضجن جنسياً، ومن الحكم التي تنقد الزواج المبكر، والتي جاء فيها (لن اتزوج من زوجة يبلغ عمرها ثلاث سنوات فقط كما تفعل الحمير)(10).

أما ما جاء في مسألة تعدد الزوجات في بعض النصوص التي يستفاد منها ان التعدد كان موجوداً في تلك الحقبة الزمنية الغابرة، ومن الامثلة على ذلك : ( يستطيع الانسان الزواج من عدة نساء).

وفي الختام كما أن النصوص السابقة التي دلت على ان مراسيم الزواج وطرق الاختيار للزوجة عند الشعب السومري كانت مصدراً لنشر الفرح والسرور والسعادة في الحياة الزوجية، يوجد هناك بالجهة المقابلة في بعض الحالات يكون الزواج سبباً للتعاسة والحزن والبؤس والطلاق، وإلى هذا المعنى اشارت احدى الحكم (لسعادته تزوج، ولتفكيره في ذلك طلق)، وفي وسع الزوج أن يطلق زوجته ويقول لها لست زوجتي فتنفصل عنه خلافاً اذا قالت هي لست زوجي فان ذلك يؤدي بترتب بعض العقوبات، وذكرت جملة من الامور التي تجيز الطلاق منها(11):

1ـ عقم الزوجة.

2ـ ارتكابها الزنا.

3ــ عدم اتفاقها مع زوجها.

4ــ سوء تدبيرها للمنزل، وغيرها من الامور التي يمكن ان تطلق المراة.

الهوامش والمصادر

...................

(1)ــــ ينظر: الأسرة في العراق القديم (دراسة من خلال أدب الحكم والنصائح)، احمد أمين سليم، دار النهضة العربية، بيروت، 1985، ص11.

(2)ـــ ينظر: من ألواح سومر، صومائيل نوح كريمر، ص221.

(3)ــ الأسرة في العراق القديم، مصدر سابق، ص22.

(4)ــ المحاسن، أبي جعفر احمد بن محمد بن خالد البرقي (المتوفى 274 أو 280 هـ ق ) ، تحقيق: مهدي الرجائي، المجمع العالمي لاهل البيت (عليهم السلام)، ط3، 1432هـ، رقم الحديث16.

(5)ـ ينظر: جامع الشتات، محمد بن اسماعيل بن الحسين المازندراني الخواجوئي، (ت1173هــ)، تحقيق: محمد مهدي الرجائي، ط1، 1418هـ، ص125.

(6)ــ ينظر: الأساطير السومرية، صومائيل نوح كريمر، ص150،151.

(7)ـ kramer, s.n.op.cit.,p.164

(8)ــ حضارة العراق، رضا جواد الهاشمي، دار الجيل، بيروت، الفصل الثالث، ج2،ص89.

(9)ــ بلاد مابين النهرين الحضارتان البابلية والآشورية، ديلابورت، ترجمة: محرم كمال، مراجعة عبد المنعم ابو بكر، القاهرة، ص89.

(10)ــ الأسرة في العراق القديم، مصدر سابق، ص37.

(11)ــ قصة الحضارة الشرق الأدنى، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، القاهرة، 1950م، ص42.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133203
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28