• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : البسملة في تفسير أمير المؤمنين «عليه السلام» .
                          • الكاتب : السيد يوسف البيومي .

البسملة في تفسير أمير المؤمنين «عليه السلام»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، والصلاة على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

أما بعد..

فإنني سأحاول على عدة أقسام أن أظهر للقارئ الكريم ما تتضمنه «البسملة»، وذلك من خلال مرويات أهل البيت «عليهم السلام»، راجياً من الله القبول..

لقد صرحت الروايات أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان قد بادر لشرح وتفسير «البسملة» حرصاً منه على تثبيتها في ذهن الأمة، وجهاداً منه في وجه من أراد أن يضل الناس من الشياطين الأنسية، وتأكيداً منه على فضل قرأتها، وما تحتويه هذه الآية من معاني عظيمة، وأكد أيضاً على أهمية الجهر بها كما أسلفنا سابقاً. ومما جاء في ذلك مجموعة من الروايات، ومنها:

 

1 - عن أمير المؤمنين «عليه السلام»: «لو شئت لأوقرت بعيراً من تفسير: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾»(1).

 

2 - وعنه في حديث آخر: «لو شئت لأوقرت أربعين بعيراً من شرح: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾»(2).

 

3 - وفي رواية أخرى، قال «عليه السلام»: «لو شئت لأوقرت ثمانين بعيراً من معنى الباء»(3).

4 - ونقل عن ابن عباس في قوله: « أخذ بيدي الإمام علي «عليه السلام» ليلة، فخرج بي إلى البقيع، وقال: إقرأ يا بن عباس فقرأت ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فتكلم في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر.

وقال: يشرح لنا علي «عليه السلام» نقطة الباء من ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ليلة، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ»(4).

إن أمير المؤمنين «عليه السلام» بتفسيره لآية «البسملة» أو لجزء منها كـ «بسم الله» أو لحرف منها كـ «الباء»، يمكن أن نستدل منه على عدة أمور، منها:

أولاً: يدلل على عظم ما تركه هؤلاء الناس من أجر وثواب وعلم في آية «البسملة»، حيث أن أمير المؤمنين «عليه السلام» لو أراد لأوقر أربعين بعيراً أو ثمانين فقط لكي يشرح جزء من تلك الآية. وكذلك حين وصفها الإمام الصادق «عليه السلام» في قوله: «أعظم آية في كتاب الله».

 

ثانياً: يدل على أن العلوم المرتبطة بآيات كتاب الله لا يعلمها من بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا الإمام المعصوم المعين من قبل الله، وهو المقرون بكتاب الله عز وجل حسب «حديث الثقلين»، إذ أن ابن عباس يقر على نفسه وحسب تعبيره أنه: «انفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ» من تفسير حرف الباء من «البسملة». وهذا ما يؤكد على قول النبي «صلى الله عليه وآله» فيه «عليه السلام» حيث قال عنه: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث دار»، أو «علي مع القرآن، والقرآن مع علي»، ونحو ذلك(5).

ثالثاً: إن الإمام علي «عليه السلام» قام بعمل قولي وفعلي، فكلما أصر مخالفيه على محي آثاره، ومخالفة ما علمه إياه النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، كلما زاده ذلك إصراراً وتأكيداً على إحياء ما تركه الناس، وتجديد ما عطلوه، فقد فسر الآية عدة مرات ونستدل على تعددية الفعل من خلال اختلاف ما نُقل عنه أنه سيوقر بعيراً، أو أربعين، أو ثمانين، فهذا أكبر دليل على أنه كان يكرر تلك التفاسير في عدة أمكنة وأزمنة.

أعظم آية في كتاب الله:

لقد صار جلياً أن البسملة هي أعظم آية في القرآن الكريم كما جاء في لسان حال الروايات المنقولة عن أهل بيت النبوة «عليهم السلام»، ومن خلال ما تم نقله عن أمير المؤمنين «عليه السلام» في تفسيرها، وما هي الإمكانات التي يمكن أن يقدمها لهذه الأمة بواسطة شرحه «عليه السلام» الذي اتسع وازداد حتى أمكن كتابة مجلدات تعجز عن حملها العشرات من وسائل النقل التي كانت متوفرة في ذلك الوقت.

وللبسملة خصوصيات «قد جعلتنا نعترف بأن الله الذي له صفة الألوهية متصف بجميع صفات الجمال والجلال والكمال. فإذا أردنا أن نطلب من الله سبحانه أن يفيض علينا من خلال هذه الصفات: الرزق، والمغفرة، والشفاء، والخلق، والقوة، والصحة، الخ.. فمفتاح ذلك كله هو الرحمة الإلهية، فلا بد من الدخول من بابها فإنه تعالى ممتلئ رحمة، وكثيرة هي رحماته بمقتضى «رَحْمَنِ».

ثم لأجل استمرار الإستفادة من فيوضات الرحمة التي هي من مقتضيات صفات الألوهية لا بد من ثبات هذه الرحمة ودوامها مفيضة ومنيلة، كما ألمحت إليه كلمة «الرَّحِيمِ».

وبعد تقديم ذلك الإعتراف بأنه سبحانه قد أفاض علينا من كل ما تقتضيه تلك الصفات بجميع فروعها من جلالية وجمالية، أو فقل: من صفات فعل أو صفات ذات، يأتي الحمد والثناء بمثابة اعتراف بهذه الفيوضات، لأنها هي التي دفعتنا لهذا الثناء..

وإنما اعتبرنا أن المستحق لحقيقة الحمد، أو لكل مرتبة من مراتب الحمد وكل فرد من أفراده هو الله سبحانه، لأن كل ما يصل إلينا من خلال الإفاضة المباشرة مثل خلقنا. أو بالواسطة، كإحسان الوالدين لنا. ومثل ما نستفيده من الطبيعة كالأرض، والشجر، والشمس والنجوم. إن كل ذلك إنما ينتهي إلى الله سبحانه بالمباشرة أو بالواسطة»(6).

انتهى القسم الأول، وإن شاء الله تعالى، أوافيكم بالجزء التالي..

أخوكم الفقير إلى الله..

_________________________

المصادر:

(1): مستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج1 ص269 وكتاب الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص351 وتفسير المحيط الأعظم للآملي ج1 هامش ص362 وتفسير الصراط المستقيم للبروجردي ج1 هامش ص257 وتفسير سورة الفاتحة للسيد جعفر مرتضى العاملي ص21 وكشف الغمة في معرفة الأئمة للإربلي ج1 ص128 وشرح إحقاق الحق للمرعشي ج7 ص595 وخلفيات مأساة الزهراء «عليها السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج1 ص127.

(2): بحار الأنوار للمجلسي ج40 ص186 ومستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج1 ص269 ودرر الأخبار من بحار الأنوار للسيد مهدي حجازي ص276 ومسند الإمام علي «عليه السلام» للقبانجي ج1 ص288 وتفسير سورة الفاتحة للسيد جعفر مرتضى العاملي ص21 ونور الأفهام في علم الكلام للحسيني اللواساني ج1 هامش ص507 وخلفيات كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج1 ص127.

(3): مستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج1 ص231 وإحقاق الحق للمرعشي ج7 ص595 عن الشعراني في لطائف المنن ج1 ص171، وراجع: جامع الأخبار والآثار للأبطحي ج2 ص48 وتفسير سورة الفاتحة للسيد جعفر مرتضى العاملي ص21.

(4): مستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج1 ص231 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج3 ص211 وبناء المقالة الفاطمية لابن طاووس هامش ص102 وشرح إحقاق الحق للمرعشي ج7 ص641 وتفسير سورة الفاتحة للسيد جعفر مرتضى العاملي ص21.

(5): راجع: الأمالي للطوسي ص460 و479 والأربعون حديثاً لابن بابويه ص73 والطرائف في معرفة الطوائف لابن طاووس ص103 والصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي ج3 ص163 وبحار الأنوار للمجلسي ج22 ص223 و476 وج32 ص206 وج38 ص35 و36 و118 وج89 ص80 وج110 ص256 وكتاب الأربعين للماحوزي ص91 و110 والمراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ص74 و257 والنص والاجتهاد للسيد شرف الدين العاملي ص10 و74 و257 والغدير للعلامة الأميني ج3 ص180 وج7 ص177 وج8 ص189 وج10 ص48 و286 ودلائل الصدق لنهج الحق للشيخ المظفر ج2 ص303 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص72 عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار للسيد اللكهنوي ج2 ص324 ودراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب للسندي ص233 وكشف الغمّة في معرفة الأئمة لابن أبي الفتح الإربلي ج2 ص35 وج1 ص141- 146 والجمل لابن شدقم ص11 والجمل للمفيد ص36 و 231 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص321 والمستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص119 و 124 وربيع الأبرار للزمخشري ج1 ص828 و 829 ومجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص234 ونزل الأبرار لصديق خان ص56 وفي هامشه عنه وعن: كنوز الحقائق ص65 وعن كنز العمال ج6 ص157 وملحقات إحقاق الحق ج5 ص77 و 28 و 43 و 623 و 638 وج 16 ص384 و 397 وج4 ص27 عن مصادر كثيرة جداً.

(6): راجع: تفسير سورة الفاتحة للسيد جعفر مرتضى العاملي، سلسلة محاضرات، ص13.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=128890
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28