شنَّ الوالي العثمانيّ محمّد نجيب باشا هجوماً عسكريّاً على مدينة كربلاء المقدّسة؛ بحجّة القضاء على المتمرّدين (عصابات اليرماز)، فحاصروها أكثر من 20 يوماً، وبدأوا بإطلاق المدافع على البلدة وسورها، حتّى أحدثت ثغرة واسعة جهة باب النجف، ودخلوا المدينة بتاريخ (الجمعة 11 ذي الحجة)، واستباحوها، فبدأوا بالقتل والفتك بالمؤمنين، ولجأ الأهالي إلى الحرمين المقدَّسين، فأمر القائد بملاحقتهم وقتلهم، فاقتحموا البوّابات وفتكوا بكلّ مَن لاذ بالحرمين الشّريفين، وقد وُجدَ في سرداب الصحن العباسيّ ما يزيد على 300 قتيل، وانتهك الوالي حرمة المرقد العباسيّ فدخله وهو يمتطي فرسه.
وهكذا أُبيحت المدينة بكاملها للجنود العثمانيّين، فقتلوا الكبار والصغار، الرّجال والنساء، وسرقوا ونهبوا الأرزاق والأثاث والمجوهرات والمخطوطات، ولم يخلِّفوا وراءهم سوى جثامين القتلى البالغ عددهم 24 ألف قتيل، وأصيب الحرمين المقدّسين بوابل نيراهم، وتطايرت أعلى منارة العبد ـ احدى المنارات الثلاث للحرم الحسيني ـ، بل تعرّضت المساجد إلى الخراب والتدمير، فظلّت آثار القنابل والشظايا واضحة للعيان في قبابها وجدران البلدة، ولم يسلم النخيل في البساتين من آثار القصف.
وقد أرَّخ بعضُهم هذه الفاجعة بكلمتي « غدير دم » ويقابل ذلك بحساب الجمل (1258هـ/1843م).
وقد قال ابن الآلوسيّ - وهو قاضي عسكر العثمانيين - بعد وقوع الحادثة:
احسين دنس طيب مرقدك الألى * رفضوا الهدى وعلى الضّلال تردّدوا
حتى جرى قلم القضاء بطهرها * يوماً فطهّرها النجيبُ محمّد
فردّ عليه الشيخ عزيز بن شريف النجفيّ:
اخسأ عدوّ الله إنّ نجيبَكم * رفض الهدى وعلى العمى يتردّد
ولئن به وبك البسيطة دُنسَت * فابشر يطهّرها المليكُ محمّد
والحاج ملا محمّد التبريزيّ قائلاً:
اخسأ عدوّ الله إنَّ نجيبَكم * كيزيدكم شربَ الدّماء تعودوا
هذا ابن هند والمدينة والدم * المهراق فيها والنبيّ محمّد
وقال أيضاً:
تباً لأشقى الأشقياء نجيبكم * نصب الحسين وفي لضى يتخلّد
لا تعجبوا ممّا أتى إذ قد أتى * بصحيفة ملعونة يتقلّد
وللشاعر عبد الغفّار الأخرس خذله الله قصيدة في ديوانه، يمجّد فيها الأفعال الشنيعة التي ارتكبها نجيب باشا، مليئة بأبشع ألوان التشفي، وفي آخرها مؤرّخاً:
ولا زال في عيد جديد مؤرّخاً * « فقد جاء يوم العيد بالفتح والنصر » 1258هـ.
الصورتان:
1ـ صورة منارة العبد وقد أصيب أعلاها ويظهر عليها آثار التداعي.
2ـ صورة للوالي العثماني محمد نجيب باشا الذي ارتكب المجزرة المروّعة.

مرتضى المشهدي
|