طوفان الأقصى وجرائم الاحتلال الإسرائيلي في خطاب المرجعية الدينية العليا.. قراءة تحليلية
شبكة الكفيل
2023/11/11
يقول الدكتور إحسان التميمي "تظهر في الخطابات التاريخية على نحوٍ مباشر أو غير مباشر حكمةُ مرسل الخطاب، وحنكته، في استقراء المشهد السياسي والاجتماعي، وأكثر الخطابات التي تحمل صبغة تاريخية مؤثرة وفاعلة، هي الخطابات التي تنحو منحى الدقة على الصعيدين: (المستوى الاختياري "الاستبدالي" أو العمودي للألفاظ)، فضلاً عن المستوى التوزيعي (التركيبي) أو الأفقي؛ ولا سيما في الخطابات المصيرية المهمّة التي تحدّد وجود الأمة، أو موتها، وعند تتبّع الخط العام لخطابات المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف)، نلحظ أن هذا المنحى يبدو واضحاً، وهذا يشير إلى الوعي الكامل بأنّ المشهد العالمي والمحلي، هو عبارة عن مساحات ملغومة بالفتن، والحرب هي حرب اللغة، لأنّ اللغة تحمل دلالات قد يجري تحريفها وتوجيهها في جهة مضادّة لما يصبو إليه الخطاب".
وعن طوفان الأقصى الذي جاء رداً على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المغتصب، واستفزازاته المستمرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ يبين التميمي أن "هناك حكايات ومواقف بين متخاذل، ومحايد متفرّج (صامت)، وفي خضم هذه المواقف المتناقضة والمتشظية، والوجلة، في الخطاب السياسي والإعلامي العربي، مع تعاضد الإعلام الغربي مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي وتبرير هجماتها، يأتي بيان المرجع الأعلى السيد السيستاني ليكسر جمود الخطابات التي ارتأت أن تلتزم الصمت، أو الحياد".
ويضيف "إُصدر البيان يوم الأربعاء 11/ 10/ 2023م، ويتصدر ديباجته النّص: (يتعرّض قطاع غزّة في هذه الأيام لقصف متواصل وهجمات مكثّفة قلّ نظيرها، وقد أسفر حتى هذا الوقت عن سقوط أكثر من ستة آلاف من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، وتسبّب في تهجير أعداد كبيرة منهم عن منازلهم، وتدمير مناطق سكنية واسعة، ويستهدف القصف مختلف المناطق حتّى لم يعد هناك مكان آمن يأوي إليه الناس)، والملاحظ على النصّ المقتطع من البيان ابتداؤه بفعل المضارع (يتعرّض) لأنه يعلم الخصيصة التي يتضمّنها الفعل: فهو حدث مقترن بزمن، وهذا الحدث يذكّرنا بالاستعمال القرآني الدقيق في قوله تعالى على لسان حال هابيل في سورة المائدة: (لئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، فقد جعل لقابيل خصيصة الفعل الإجرامي (بسطت) وهو فعل مقترن بزمن، أمّا (باسط) فهي سمة هابيل الذي ينأى عن القتل ولهذا استعمل صيغة اسم الفاعل، ونعلم أن الاسم من علاماته الصفة الثبوتية، ولهذا الثبات على عدم القتل هو تحقيق للسلام. ولهذا اختير الفعل المضارع (يتعرّض)، للسمة التي تشير إلى الحدث المقترن بالفعل الإجرامي، فضلاً عن أنه اختير، بدلاً من الماضي، لأن الفعل المضارع أكثر دلالة على الماضي والحاضر ناهيك عن المستقبل"، مبيناً أن "هذا يشير إلى أن البيان مواكب للحدث وقارئ جيد للمشهد، فالتعرّض للقصف والهجمات المكثفة مستمر وفي تصاعد، وأسفر عن سقوط ستة آلاف من المدنيين الضحايا، ولهذا يشير الفعل المضارع ( يتعرض) إلى استمرار هذا الحدث المروّع، ونلحظ في النصّ المقتطع توالي الأفعال وضمور الأسماء أو الصياغات الاسمية فيه (تسبّب، يستهدف، لم يعد، يأوي)، إن هذا الاحتدام في الأفعال يشير إلى سردية الخطاب التي تستند إلى الواقع الإجرامي الفعلي".
ويتابع التميمي أن "البيان يخبرنا أيضاً عن آلياتٍ إجرامية أُخَر، ليؤكّد تاريخيته التوثيقية بوصفه مدوّنة تحمل ضمير الأمة الإسلامي والإنساني (وفي الوقت نفسه يفرض جيش الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع، شمل في الآونة الأخيرة حتى الماء والغذاء والدواء، وغيرها من ضروريات الحياة، ملحِقاً بذلك أكبر الأذى بالأهالي الذين لا حول لهم ولا قوّة، وكأنّه يريد بذلك الانتقام منهم وتعويض خسارته المدوّية وفشله الكبير في المواجهات الأخيرة)، كذلك في النصّ المقتطع الثاني يتصدّر الفقرة الفعل المضارع (يفرض)، وهو تأكيد على آنية الحدث مع محمولاته الزمنية الماضية، وما يعد به من كوارث في المستقبل، ففي المستوى الاختياري لم يختر لفظة (فرض)، لأن هذا الفعل بمدلولاته الماضية يشير إلى انتهاء الحدث، ومن ثم يكون محبطاً لهمم الاستنصار والاستنقاذ للشعب الفلسطيني في غزّة، فالحصار يفرض عليهم من أجل قتلهم والتنكيل بهم، وفي نهاية النصّ المقتطع، يستند الخطاب إلى الصيغة التعليلية للفعل الإجرامي، إذ جاء انتقاماً لفشل الاحتلال الإسرائيلي، وتعويضاً لخسارته المدوّية في المواجهات الأخيرة".
لقراءة الخبر كاملاً في المصدر الأساسي : إضغط هنا