صفحة الكاتب : نجاح بيعي

ممارسة الشعائر الحسينية حقّ دستوريّ !؟.
نجاح بيعي
 إنّ تعظيم الشعائر الحسينيّة بكل صورها المتعددة , هي من مصاديق تعظيم شعائر الله تعالى . وإذا ما عرفنا المعنى اللغوي( للشعائر) , والتي تعني الدلالات أو العلامات , المنسوبة للإمام الحسين ( ع ) , باعتباره ( ع ) من أعظم الشعائر الدّالة على الله تعالى , كما ورد عن أمير المؤمنين ( ع ) في إحدى خطبه إذ قال : \" نحن الشعائر والأصحاب ، والخزنة والأبواب ..\" / ينابيع المودة ــ ج3 ص471 . فيكون التعظيم للإمام الحسين ( ع ) يتم من خلال تعظيم مجمل الشعائر الحسينيّة !. 
انبثقت الشعائر الحسينيّة , بأعدادها وتعدد صورها , بعد استشهاد الإمام الحسين ( ع ) مباشرة , في اليوم العاشر من المحرّم عام 60 هـ . فما مِن شعيرة حسينيّة من التي نراها اليوم صَغُرت أم كبُرت , قرُبت من الحسين (ع) أم ابتعدت , نفرنا منها أم لم ننفُر , إلا ّ ولها جذرٌ قرآني أو نبويّ ( من السُنة النبويّة الشريفة ) , أو جذر تاريخي أو مذهبيّ ينطلق منها , بمعنى أن الشعائر لم تأتي من فراغ قط , وبيئة نشوئها بيئة شيعيّة عراقيّة بحتة . وهذا بحث متروك لأهل الإختصاص يأتي في محله . 
لذلك لا أظن أن هناك تدرج تاريخي , لإنبثاق بعض الشعائر , ولا أظن أن تدرج وعي المجتمع الإسلامي ( الشيعي ) وإدراكه حجم المأساة والجريمة , التي ارتكبت بحق ابن النبيّ الوحيد على وجه الأرض آنذاك , كان سببا ً في نشوء بعض الشعائر , لتأخذ طريقها وتصل الينا . وكذلك لا اظن أنّ العامل السياسي , وتوالي الحكّام على مقاليد الحكم , كالفرس والأتراك وغيرهم , وادخال ثقافات وعادات غير اسلاميّة بها , أيضا كان سببا ً بنشوء بعض الشعائر . 
ــ نعم العامل التاريخي كان سببا ً بانحسار الشعائر الحسينيّة , أو انفتاحها على وسعها , حسب تقييد الحريّة ومنحها , من قبل الطواغيت من الحكام والأنظمة الديكتاتوريّة , التي تعاقبت على الحكم . ففي الوقت الذي كانت الشعائر تقتصر على البكاء سرّا أبان الحكم الأموي مثلا ً , ألا أنها نراها قد مورست بصورها المتعدد أبان الحكم البويهي . وهكذا شقّت الشعائر الحسينيّة طريقها بالتاريخ بين مدّ وجزر , ولم تعدمها أو حتى تمحقها أساليب المنع الدمويّة للطواغيت والحكام . فتعبّد طريق الشعائر الحسينيّة المقدسة مُذ انطلقت , بالدماء الزكيّة الطاهرة لمئات , ولمئات الآلاف من الأحرار الموالين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ( ع ) , وما عهد صدام المقبور والبعث الملعون ببعيد .
لذلك فقد أدرك المشرع الدستوري في العراق بعد التغيير عام 2003 م , خطورة وأهميّة الشعائر الحسينيّة بالذات لأسباب منها : أن العراق يحوي مكان فاجعة قتل و ضريح الإمام الحسين (ع) , فضلا ً عن وجود أضرحة ستة أئمّة معصومين آخرين . وأنّ العراق غالبيته من الشيعة . ولعل السبب الآخر المهم هو إصرار شيعة العراق , على إحياء وممارسة الشعائر الحسينية , حتى لو كلف ذلك انفسهم ومالهم وكل ما يملكون , وهذا ما أثبته التاريخ للقاصي والداني . 
فبعد أن أقرّ دستور العراق لعام 2005 م , على أن الدين الإسلامي هو هويّة غالبية الشعب العراقي , ضمِن الحفاظ على هذه الهويّة , كما في المادة رقم ( 2 ) ما نصّه : \" يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي .. \" , ولا يتمّ الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة إلاّ بتوفير أشكال الحماية ومنها الأمنية لمجمل الشعائر الدينية , التي تعكس تلك الهويّة التي عليها غالبية الشعب العراقي .
ولا يكون ذلك إلا ّ بضمان الحريّة في ممارسة ذلك الحقّ . وهذا ما ضمنته المادة رقم ( 43 ) أولا ً التي نصّت : \" اتباع كل دينٍ او مذهبٍ احرارٌ في : ــ أ : ممارسة الشعائر الدينية، بما فيها الشعائر الحسينية ! \".
ولضخامة حدث إحياء وممارسة الشعائر الحسينية , وأهميّتها وخطورتها , بحيث تشترك بها جميع محافظات العراق , وخصوصا محافظة كربلاء , والمحافظات القريبة منها , والأعداد المليونيّة التي تشترك بها , ألزم الدستور العراقي بعدم سنّ قانون يتعارض مع هذا الحقّ وهذه الحريّة الممنوحة دستوريا ً . حيث ورد في المادة (2): اولاً : ـ ج : \" لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور ! \" . وبهذا يكون الدستور قد أكد وبصراحة , على احترام , وعدم إصدار قرارات وقوانين تحدّ من تلك الحريات.
وأكد الدستور بصراحة , على احترام جميع الحقوق والحريات الواردة فيه , بعدم إصدار قرارات أو قوانين تحدّ من تلك الحريات ومنها ( حرية ممارسة الشعائر الحسينيّة ) . كما ورد في المادة (46) ما نصّه : \" لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون , أو بناءً عليه على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية \" . 
وإذا ما اعتبرنا أن الشعائر الحسينية , هو ضرب من النشاط الثقافي ( وهو كذلك ) , لاشتمالها على البعد التربوي والأخلاقي والديني والتاريخي والوطني , وكما تعكس هذه الشعائر , ذلك التوجه الثقافي الأصيل لحضارة العراق الإسلامية , فإنّ الدولة ملزمة دستوريا ً أن ترعى هذا النشاط من خلال وزاراتها وجميع مؤسساتها , وتوفّر لهل الحماية اللازمة . فقد ورد في المادة رقم ( 35 ) من الدستور ما نصّه : \" ترعى الدولة النشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي ، وتحرص على اعتماد توجهات ثقافية عراقية اصيلة \" . وبذلك فقد ألزمت هذه المادة جميع أجهزة الدولة ( الأمنية ) , بتوفير الحماية اللازمة لجميع الأماكن التي تمارس فيها تلك الشعائر وبدون استثناء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ المصادر :
ــ مقال \" تعظيم شعائر الله و الشعائر الحسينية \" للعلامة السيد هاشم الهاشمي .
ــ مقال \" حرية ممارسة الشعائر الحسينية في نظر المشرع العراقي \" للكاتب أحمد جويد / موقـع الإمـام الشـيرازي .
ــ دستور العراق لعام 2005 م .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/07



كتابة تعليق لموضوع : ممارسة الشعائر الحسينية حقّ دستوريّ !؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net