صفحة الكاتب : نزار حيدر

تَكْريماً لِجُهْدِهِ المَعْرِفي: الزّميل نوري صبيح؛ وثّق بِصَمْتٍ وَرَحَلَ بِصَمْتٍ
نزار حيدر
 
    أوّلُ ما تعرّفتُ عليه قبل حوالي (٨) سنوات عبر المراسلة ثم التّواصل من خلال مُختلف وسائل التّواصل الاجتماعي، حتى قيَّض الله تعالى لنا الفرصة لنلتقي في بغداد لأوّل مرّة بعد ذاك التواصل عن بُعدٍ بسنتَين تقريباً، لتتوثّق أواصر الإخوّة والصّداقة والزّمالة بيننا على مدى الأعوام التّالية، ربما بسبب القاسم الثّقافي المشترك والاهتمامات المعرفيّة المشتركة. 
    لقد عرفتهُ مثقَّفاً يُحبُّ الكتاب والبحث والتّحقيق، يسأل عن كلّ شاردةٍ وواردةٍ على هذا الصّعيد، فكان يقتني آخر ما يصدر عن دور النّشر، في كلّ ما يخصّ العراق تحديداً، يعشق التّجربة ويتمنّى ان ينقلها لكلّ مَن يلتقيه ولو بشكلٍ عابر. 
    وظّف كلّ ذلك في سبيل خدمةِ بلدهِ وتقديم أفضل التّجربة والخبرة للعراقيّين وهم يمرّون بتجربةٍ ديمقراطيّةٍ فريدةٍ من نوعِها. 
    كان كلّما تحدّثنا بالهاتف سألني؛ متى تأتي الى بغداد لآخُذك الى (المتنبّي)؟!. 
    وبالفعل فكلّما تواعدنا لنلتقي نحرصُ على ان يكون موعد لقاءنا في يوم الجمعة لزيارة شارع (المتنبّي) و (القشلة) ومقهى الشّاهبندر، نتقلَّبُ بين المكتبات التي تمتلئ بها الارصفة فضلاً عن المحال، ونختلط مع المثقّفين والأُدباء والشّعراء والفنّانين في رحلةٍ معرفيَّةٍ قلّ ما يجدها ويتمتّع بها المرء في مكان آخر. 
    كانت آخر رحلاتنا الى (المتنبّي) العام الماضي عندما قضينا حوالي (٤) ساعات هناك نتصفّح آخر الإصدارات من الكتب والدّوريّات، وقد أرشدني خلالها لشراء عددٍ من الكتب التي اقتنيتها من المكتبات، فيما أهداني كذلك كتابهُ (استعادة الزّعيم) وهو عبارة عن مجموعة حوارات وآراء عراقيّة من إِعدادهِ وتقديمهِ. 
    خلال الأعوام الثّلاثة المنصرمة اشتغل (ابو محمّد) في تدوين وتوثيق وتأليف كتابٍ عن تجربة الديمقراطية في العراق في العهد الملكي، فراح يتنقّل من مكتبة الى أُخرى ومن عاصمةٍ الى أُخرى بحثاً عن مصادر تهديه لأيّة معلومة عن نوّاب البرلمانات العراقيّة طوال تلك الفترة وكذلك عن نوّاب مجالس الأعيان، وكان يحرص جداً على ان يكتبَ لي عن آخر ما توصّل اليه من معلومات دقيقة بهذا الشّأن وعن المصدر الجديد الذي عثر عليه، أَينَ؟ وكيفَ؟ ولقد كنتُ استشعِرُ ابتهاجهُ وفرحهُ بكلّ جديدٍ بهذا الصّدد من نبراتِ صوتهِ عِبر الأثير. 
    كان باحثاً حقيقيّاً لا يدوّن معلومة في متابهِ قبل ان يتثبّت منها، كانَ يَقُولُ لي؛ أُريدُ ان اكتُبَ مرجِعاً لمن يأتي بعدي!. 
    حتى اذا اكتملت المادّة الأوليّة للكتاب إِتصَل بي طالباً ان اقرأ المسوّدة وأُبدي ملاحظاتي عليها، وكذلك طلبَ منّي ان اكتُبَ للكتابِ مقدِّمة، ففعلتُ.   
   فكتبتُ اقولُ فيها؛
    [لقد عرَف العراق الحديث الديمقراطيّة وتعامل مع أَدواتِها في وقتٍ مبكّرٍ جداً بالقياسِ الى أَغلب دول المنطقة. 
    كما انّهُ تعاملَ مع الرَّأي العام من خلال ما عُرف وقتها بالمضابِط وغيرها والذي كان له دورٌ وتاثيرٌ كبيرَين على عموم الحياة السياسيّة والشأن العام في وقتٍ مبكِّرٍ جداً كذلك. 
    وما ميَّز التجربة العراقيّة على هذا الصّعيد ثلاثة أُمور: 
    الأمر الاوّل: هو مشاركة مختلف قِطاعات وشرائح المجتمع العراقي في العمليّة الديمقراطيّة، إِنْ بشكلٍ مباشرٍ أَو بشَكلٍ غير مباشر، ولذلك مثلاً رأَينا انّ السّدارة والقبّعة والعمامة البيضاء والأُخرى السّوداء والعقال والافنديّة، كلُّهم حجزوا لهم مقاعد تحت قبة البرلمان او في مجلس الأعيان. 
    الأمر الثّاني: هو التطوّر الملحوظ في العمليّة الانتخابيّة، فهي لم تكن من النّوع الثّابت الذي يرفض التغيير والتطوير لصالح وانسجاماً مع تطوّر وتغيّر الظّروف السياسيّة والاجتماعيّة والحزبيّة التي ظلّت تشهدها البلاد الى حين انقلاب 1958 الذي قضى على الديمقراطيّة وأَدواتها أَكثر من نصف قرنٍ تقريباً، ليأتي على فُرصَها بالكامل نظام حزب البعث الدّموي الذي حوّل البلاد الى خرابٍ نتيجة حروبهِ العبثيّة سواء في داخل العراق او مع الجيران والمجتمع الدّولي لتنتهي الى احتلالهِ وغزوهِ، لتعود التّجربة الديمقراطيّة من جديدٍ بعد سقوط الصّنم في التّاسع من نيسان عام 2003 لتنهضَ من جديدٍ من تحتِ رُكام الديكتاتوريّة والنّظام الشّمولي والبوليسي. 
    الأمر الثّالث: اعتمادها على الحياة الحزبيّة التي شهدها العراق هي الاخرى في وقتٍ مبكِّرٍ جداً. 
    الكتاب الذي يرقدُ الّلحظة بين أَناملِك الكريمة عزيزي القارئ، لمؤلّفهِ الزّميل الباحث الاستاذ نوري صبيح، يُعدُّ برأيي أحد المصادر التي يُمكن الاعتماد عليها في توثيق والاستفادة من تجربة العراق الحديث على مستوى الديمقراطيّة بدرجةٍ كبيرةٍ، فلقد اطّلعتُ عليه فوجدتُ انَّ مؤلّفهُ بذلَ جهداً كبيراً لتقديمهِ للقارئ الكريم وللمهتمّين بتاريخ العراق الحديث بما ينفعهُم كمصدرٍ موثَّقٍ وشاملٍ. 
    انّ قراءة مثل هذه التّجربة تُغني الجيل الجديد والاجيال القادمة خبرةً على صعيد التَّجربة الديمقراطيّة خاصَّةً وانها تجربة ذاتيّة (وطنيّة) وليست مستورَدة، تحمل في طيّاتها كلّ خصوصيّات العراق السياسيّة والاجتماعيّة والجغرافيّة والقِوى الاساسيّة المؤثّرة في الحياة السياسيّة. 
    انا على يقينٍ تامٍّ من انّ هذا الكتاب سيملأ فراغاً في المكتبة العراقيّة، فقد يكون الكتاب الوحيد، ربما، الذي ركّز في أَبحاثهِ وتوثيقاتهِ على موضوعٍ واحدٍ هو في غاية الاهميّة، وأَقصد بهِ تجربة الحياة النيابيّة في الْعِراقِ الحديث. 
   أَسالُ الله تعالى للصّديق والزّميل الاستاذ نوري صبيح كلّ التّوفيق والسّداد، وان ينفع بكتابهِ القيم هذا القاري الكريم، خاصَّةً الجيل الجديد الذي ربما سمِع بالتّجربة الا انّهُ لم يقرأ عنها بمثلِ هذه التّفاصيل أو انّهُ لم يغُص فيها بالعُمقِ. 
    نــــــــــــــــــــزار حيدر 
    واشنطن: في 17 تشرين الثاني 2014]. 
   ومنذ ذلك التّاريخ و (أَبو محمّد) يبحث عن دارٍ تتبنّى طباعة ونشر كتابهِ الثّمين.
   قبل حوالي إسبوعَين إتّصلَ بي من بغداد فسألتهُ مباشرةً؛ بشّر! ما هي أَخبار الكتاب؟ هل تمّ طبعهُ؟ هل تمّ نشرهُ؟ لا تنسى نسختي مِنْهُ وإهداءكَ الخاصّ عليها؟!.
   أجابني؛
   نهاية هذا الأسبوع سأذهب الى بيروت لمتابعة الامر مع دارِ النشر، وسأتواصل معك من بيروت لُخبرك بآخِر المستجدّات.
   بعد أسبوعٍ إتّصل بي من بيروت وشرحَ لي آخر ما توصّل اليهِ من معلوماتٍ عن الكتاب من دار النّشر.
   تحدّثنا عدَّة مرّات، وكان يزوّدني بصورهِ التي يلتقطها في بيروت مع أصدقائهِ وفي الأماكن السياحيّة وجولاتهِ في المكتبات.
   إِستيقظتُ اوّل من أمس من النّومِ مُبكِّراً، ولا أَدري ما الذي دفعني دفعاً الى جهاز الهاتف لاتصفّح الفيس بوك حتّى قبلَ ان أُصلي فريضة الفجر، على غيرِ عادتي.
   لقد هالني الخبر! وصدمتني المفاجأة (وفاة الكاتب والصّحفي نوري صبيح في بيروت إِثر أزمةٍ قلبيَّةٍ مُفاجِئة)!.
   تصفّحتُ صفحتهُ الخاصّة، لأجدَ النّعي منشوراً في صدرها وكأنّهُ آخر ما كتبهُ الفقيد عن نَفْسهِ!. 
   غريبٌ أَمر هذه الحياة الدّنيا، ففي كلِّ يومٍ هي على موعدٍ مع أَحدِنا لتفاجئهُ وتصطدمهُ وتتركهُ حيراناً بما لم يخطر على بالهِ ابداً، فلم يخطر ببالي قيدَ شعرةٍ أَبداً انّني سأَقتني كتابهُ يوماً ما من دونِ ان يدوّن عليهِ إهدائهُ الخاصّ بخطّ يدهِ!.
   امّا الموت الذي يقول عَنْهُ الامام أَمير المؤمنين عليه السلام {إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَيَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلاَ يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ} فهو الآخر على موعدٍ مع واحدٍ منّا بلا إنذارٍ او استئذان.
   رحمكَ الله ايّها الأخ والصّديق والزّميل (أبو محمّد) فهدوؤك وأخلاقك الرّفيعة وحرصك على استغلال الوقت لخدمة بلدِك وتفانيكَ في طلبِ العلم والمعرفة وجه كَ في التّدوين والتّوثيق والكتابة والنّشر، لم تفارقُك أَبداً.
   لقد عشتَ بهدوءٍ وبحثتَ ودوّنتَ ووثّقتَ بهدوءٍ، وأَخيراً مُتَّ بهدوءٍ.
   رحِمكَ الله يا أبا مُحَمَّدٍ واسكنكَ فسيح جنانهِ في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر، وأَلهمَ أَهلكَ وذويكَ واصدقاءك ومحبّيك وزملاءك الصّبر والسّلوان.
   {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
   ١٧ نيسان ٢٠١٦ 
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/18



كتابة تعليق لموضوع : تَكْريماً لِجُهْدِهِ المَعْرِفي: الزّميل نوري صبيح؛ وثّق بِصَمْتٍ وَرَحَلَ بِصَمْتٍ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net