في حديثٍ إذاعيٍّ مُطوّل*
السّؤال الثّالث؛ من المعروف ان انتفاضةً حصلت في العراق عقب نهاية حرب الخليج الثّانية (حرب تحرير دولة الكويت).
لماذا حدثت؟ ولماذا لم تنجح في إسقاط النظام آنذاك؟!.
الجواب؛ هذا صحيح، وهي ا
لانتفاضة التي يسمّيها العراقيّون بالانتفاضة الشعبانيّة (انتفاضة آذار).

انّها أولى ارهاصات الربيع العربي الذي قدح شرارته العراقيّون والذي كاد ان يقلب ظهر المجن على كلّ النظام السّياسي العربي الفاسد بدءً بالعراق، لولا انّهم جوبِهوا بردّة فعل طائفية وعنصرية عنيفة جداً وقاسية من قبل النّظام الشّمولي آنذاك الذي دعمه النظام السّياسي العربي (السني) الذي اعتبر الانتفاضة ثورة شيعيّة ضد سلطة السنّة في العراق والعالم العربي بشكلٍ عام.
امّا أسباب الانتفاضة فهي كثيرة لعلّ من ابرزها؛
أولاً؛ حالة الاحتقان والغليان التي ظل يعيشها العراقيّون ضد الاستبداد والديكتاتوريّة والتي كانت تنفجر كثوراتٍ وانتفاضاتٍ ضد السّلطة الغاشمة كلّما أُتيحت لهم الفرصة، كان آخرها الثّورة التي تفجّرت قُبَيل سقوطهِ بسبب اغتيالهِ للشهيد الصّدر الثّاني وولدَيه الشهيدَين.
ولقد كانت الهزيمة النّكراء التي مُني بها النظام في الكويت في حرب الخليج الثّانية وقرار التّحالف الدولي الذي منع بموجبه بغداد من استخدام كلّ انواع السّلاح الثقيل وكذلك الطيران الحربي بما فيه الطائرات السّمتيّة المقاتلة، ان ذلك كان بالنسبة للعراقيين فرصة تاريخية وذهبية للانقضاض على النظام البوليسي وتحرير الإرادة من ربقة الديكتاتورية، بعد ان انتُزِعت استانهُ بهذا القرار الدّولي، بسبب تجربتهم المريرة معه بعد كلّ انتفاضة شعبية عندما كان يعمد النّظام الى استخدام كل انواع السّلاح الفتّاك للقضاء عليها واخماد نارها، فجاءت الانتفاضة لتعبّر عن هذا الكبت المستمر الذي يعيشه العراقيّون مستفيدين من الظرف الدولي لتحقيق أمنيتهم في إسقاط الديكتاتورية وبإرادتهم الوطنية الصرفة.
ثانياً؛ لقد فضحت حرب الخليج الثانية نظام بغداد وعرّت عنترياته وكشفت عن زيف شعاراته القوميّة والوطنية، عندما انهزم عسكرياً امام العالم خلال سويعات اعتقبتها هزيمته السّياسية المدوّية في خيمة صفوان عندما وقّع على كلّ شروط وقف إطلاق النار من دون نقاش او اعتراض او حتى سؤال، فتنازل عن سيادة العراق وعن ارضه وعن كلّ شيء، ولكثرة ما وقّع الطّاغية على القرارات الدّولية سمّاه العراقيّون وقتها تندّراً (بصّام حسين).
هذه الهزائم النّكراء اثارت في نفوس العراقيين الغيرة الوطنية والحميّة العراقية على مستقبل بلدهم وسيادته، فكان تعبيرهم عن ذلك بالانتفاضة التي سعَوا فيها الى إسقاط النظام وأخذ المبادرة بايديهم لحماية العراق من المخاطر التي يتعرّض لها جرّاء نزوات الطّاغية وعنتريّاته التي ما قتلت ذبابة، فعرّضت سيادة البلد وخيراته ومستقبل أجياله لمخاطر جمّة، لازلنا نشاهدها ونلمسها، ولا يعلم الا الله تعالى متى سيتخلّص من آثارها العراقيّون.
لقد كانت الانتفاضة لحماية العراق ومستقبله مما تعرّض له بعد (١٢) عاماً من الغزو والاحتلال والدّمار.
امّا لماذا لم يحقّق العراقيّون هدفهم من هذه الانتفاضة؟ فذلك يعود الى الاسباب التّالية؛
أولاً؛ الموقف السّلبي والعدواني للنظام العربي السنّي الطّائفي وتحديداً نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، من الانتفاضة، والتي اعتبرها نذير شؤم على كلّ الأنظمة العربية، فاذا انتصر العراقيّون في انتفاضتهم فسيحرّضون بقيّة الشّعوب العربية على تكرار الفعل الشعبي الثوري لاسقاط انظمتها الواحد تلو الاخر، خاصةً وان كل الشّعوب العربية وبلا استثناء تحمل في ذاتها وفي داخلِها مقوّمات وعوامل ودوافع الانتفاضة الشعبية ضد حكّامها بسبب القهر والكبت والارهاب الذي تعيشه في ظلّ أنظمة شموليةٍ تقمع الشعب وتصادر حرياته الاساسيّة وتسحق كرامته وتعتدي على حقوقهِ.
ولقد عمد النظام العربي، وتحديداً نظام القبيلة، الى ما يلي؛
١/ الضّغط على الحلفاء وعلى وجه الخصوص على واشنطن لرفع حضر استخدام نظام الطّاغية للطائرات السمتيّة الحربيّة وكذلك صواريخ (ارض - ارض) بعيدة المدى، وذلك من اجل القضاء على الانتفاضة بشكلٍ نهائي.
ولولا ذلك لما تمكّن النظام من ان يقضي على الانتفاضة ويسحقها بعد ان تحرّرت (١٤) محافظة عراقية من أصل (١٨) هو عدد المحافظات مع العاصمة بغداد.
ان نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية يتحمّل مسؤولية كلّ قطرة دمٍ أُريقت وكلّ روح أُزهقت وكلّ حجرٍ دمّره النظام في ذلك الوقت، كما انّهُ يتحمّل مسؤولية الدّماء والارواح التي اريقت وأزهقت منذ سقوط الصّنم في التّاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ولحد الان، اذ لازال هذا النظام القبلي الفاسد يتعامل مع العراق بنفَسٍ طائفي وعنصري حاقد.
٢/ الطعن بهويّة الانتفاضة من خلال إثارة النّعرات الطّائفية، وكذلك الطعن بانتمائها الوطني عندما اشاع في إعلامه الطّائفي الحاقد ان ايران وراء الانتفاضة وأنها هي التي حرّضت عليها العراقيين، وغير ذلك من الخزعبلات والخرافات والاكاذيب التي كان لها دورٌ في تحريض الرّاي العام العربي والدولي على انتفاضة العراقيين ما تسبّب بضخِّ قوة معنويات للنظام الشّمولي الذي استغلّ كلّ هذه الأجواء السّياسية والإعلامية للمزيد من التّنكيل بالانتفاضة.
ثانياً؛ هذه الأجواء الطّائفية هي التي دفعت بالمحافظات السنيّة الثّلاثة، والتي اطلق عليها النظام تسمية المحافظات البيضاء لانّها لم تحرّك ساكناً ضدّهُ في هذه الانتفاضة الشعبيّة، الى عدم التحرّك.
للاسف الشديد فإن المكوّن السنّي في العراق كان يتصوّر بأن نظام الطّاغية يمثّل السنّة في العراق، ولذلك لم يحرّكوا ساكناً ضدّهُ في الانتفاضة، خاصَّةً وان الأجواء الطّائفية التي صنعها نظام القبيلة الفاسد حول الانتفاضة زادت من قناعات هذا المكوّن، ما دفعهم للوقوف الى جانبهِ في تلك الانتفاضة الشعبية الباسلة، فساهموا في إضاعة فرصة تاريخية لتحقيق التغيير الشعبي بعيداً عن التدخّلات الأجنبيّة، وبذلك يكون سنّة العراق قد تحمّلوا وِزر كلّ ما تعرّض له العراق منذ ذلك اليوم وحتى احتلال العراق وغزوه من قبل قوات التّحالف بقيادة الولايات المتحدة وبمباركة النظام السّياسي العربي السنّي الطّائفي.
ثالثاً؛ كما كان لنجاح النظام في حماية العاصمة بغداد واسراعهِ في تطويقها ونشر قواتهِ فيها للحيلولة بينها وبين الالتحاق ببقية المحافظات المنتفضة دورٌ كبيرٌ في فشل الانتفاضة في تحقيق هدفها الاسمى المتمثل باسقاط الطّاغية.
لقد اثبتت الانتفاضة حقيقة العلاقة بين النّظام والشعب من جانب، وفضحت إِجرام النظام وقسوتهِ الوحشيّة في التّعامل مع العراقيين عندما اكتشف العالم المقابر الجماعية وهولها، كما برّأت ذمّة العراقيّين الذين يلومهم الاخرون بسبب عدم الثورة والانتفاضة ضدّ النّظام لتغييرهِ واستبدالهِ.
كما انّها فضحت النظام السّياسي العربي السنّي الطّائفي وفضحت مخاوفهُ من ايّ تغييرٍ شعبيٍّ قد يحصل في المنطقة، وهو التّبرير الواضح لكلّ جرائم هذا النّظام الفاسد، وتحديداً نظام القبيلة، في العراق منذ التّغيير ولحدّ الآن.
*مع (الرّاديو العَربي في حَيفا) التّابع لعربِ (١٩٤٨)
٩ آذار ٢٠١٦
للتواصل؛
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat