ما أخفته خطبة المرجعية الدينية العليا بنقد خاطفي الصيادين القطريين .. بين تأييد الموالين وتهكم الجهلة والغافلين!!!
جسام محمد السعيدي
جسام محمد السعيدي
قلنا وكررنا عدة مرات، في مناسبات شتى، بين تحليلات لخُطبها، ومحاضرات ألقيناها على مئات الطلبة والناشطين والموظفين وعامة المواطنين.
إن المرجعية الدينية العليا لا تألوا جهدا في بلوغ العراق مكانته التي يستحقها، كأول البلدان وجوداً وحضارة، رائداً للتدين والإيمان الحقيقي المخلص، وبالتالي من المعيب في نظر العقلاء – وعلى رأسهم هذه المرجعية- بقائه في قائمة الدول المهمّشة، وهو يمتلك كل ما يؤهله ليكون في مقدمة دول العالم المتقدم، ويزيد عليها بالإيمان وإيجاد أطروحة ثالثة (الدولة المدنية التي لا تخالف أحكام الشريعة في الحكم والعدل والرفاه) ، في قبال (الدولتين الدينية والعلمانية).
فنراها لا تترك مناسبة تخل بهذا الهدف، إلا وعلّقت عليها، مبدية التحذير، ومُعطية الحل.
تاركةً ما لا يجدي النفع في قوله وإن كان حقاً!!...فلماذا؟!
لأنه يحط من مكانتها، ويُضعف كلمتها، وهو رأس مال قوتها، مُعرِضةً عن سفاسف الأمور، وعنتريات التصريحات، للّائقين بها من المهرجين والغافلين عمّا يُحاك لنا في الخفاء!!.
جاءتني الكثير من الاتصالات من ناشطين وإعلاميين، لكتابة تحليل بشأن إدانة المرجعية لاختطاف مجموعة الصيادين القطريين الذين يضم عدداً من شيوخ العائلة الحاكمة في قطر، بسبب تضاربات الرأي بشان ذلك، بين مستغربٍ، ومتهكمٍ، ورافضٍ، ومعترض، وقلة قليلة امتحن الله قلبها للإيمان، مُسلِمةٌ لكلام المرجعية رغم أنه مخالف لهواهم.
طبعاً لا يخفى على كل متتبعٍ منصف، الدور الخبيث للصرصار المسمى حكومة قطر، في دعم الإرهاب، بل وكونها الذراع التنفيذي الأساسي للكيان الصهيوني المسمى (اسرائيل)، في تدمير الاسلام ودول العالم العربي، ومحاولين رفع شأن دولتهم الهامشية حتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، والتي نحتاج منظاراً لنرى حدودها في خارطة العالم!!!.
حيث لعبت دوراً كبيراً من خلال إعلام (مجموعة قنوات الجزيرة)، وتحركات أركان حكومتها المريبة، في دعم كل ما من شأنه تدمير سيدهم، وفاقئ عيون مجدهم المزيف، بلدنا العراق.
يعاونهم في ذلك – مع الأسف- الساسة العملاء المنتمين لحكومة بلدنا، والعاملين ضد مصالح دولتنا العزيزة، جمهورية العراق.
ولكن هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال، أن نُعاقب شعب قطر (البلد) بجريرة سلوك حكومته في (دولة قطر)!!!.
{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]
ولا يمكن أن نضحي بمصالح دولتنا، وسمعة بلدنا، ومصالحه الاقتصادية مع دول العالم الآخر - بما لا يخل بمبادئنا-، لا يمكن أن نضحي بكل ذلك، من أجل عواطف لا تسمن ولا تغني، ولا عنتريات فارغة، لا تليق إلا برجال العصابات والشقاوات.
وعندما تنتقد المرجعية اختطاف الصيادين، فهي تنظر إلى ابعاده المختلفة التي تمنع تحقيق ما ذكرناه من أهداف، وتؤدي لمضارٍ بعيدة المدى حتى على مصالح الدين، ومصالح العراق الاقتصادية، فهو يخالف القواعد الشرعية والقانونية والأخلاقية.
إن كنا أدخلنا هؤلاء الصيادين بنية اختطافهم فعلى من أدخلهم أن يُعاقب، لأنه تسبب في كل ما سنذكره من أخطار – وفقاً لكلام المرجعية-، وربما إلى ذلك أشار الخبير القانوني طارق حرب حين قال:
"يجب على المسؤولين معرفة وتقدير الاثار المستقبلية بالنسبة لمكانة العراق في المجتمع الدولي والمجتمع العربي والاقليمي عند اعطاء هذه الموافقة، ودخول المذكورين ومن ثم خطفهم، ويظهر من هذه القضية ان من روّج لمنح سمة الدخول (الفيزا)، والوسطاء، ومنح الموافقة للصيادين القطريين لدخول العراق باسلحتهم وسياراتهم، وجميع من اسهم في هذا الاجراء، لا بد من معاقبته طبقا لأحكام قانون العقوبات رقم (111) سنة 1969 ، باعتبارهم قد ارتكبوا جريمة ماسة بأمن الدولة، وهو تأزيم العلاقات بين العراق ودولة اخرى، وبصرف النظر عن هذا المسؤول سواء اكان قنصلا ام سفيراً ام مديراً ام وزيراً ام اية صفة اخرى، لا سيما وان الجهات الرسمية ذكرت بانها فتحت تحقيقات حول ذلك".
ثم لماذا نكون ساحة لتصفية صراعات الغير على أرضنا، ونضر بمصلحة بلدنا ليستفيد غيره؟!!
لماذا يُخطف الصيادين القطريين على أرضنا، وتتضرر سمعة بلدنا ومصالحه الاقتصادية والسياسية، ثم يتفاوضون على مصالح بلدانهم العليا بسببها، وهو ما حصل بين وزيري خارجية إيران وقطر؟!!!
كهذا الخبر:
http://www.ara.shafaaq.com/48006
أو هذا:
http://nrttv.com/AR/Detail.aspx?Jimare=14692
وقد يقول قائل ولكنهم يتفاوضون أيضاً بالإضافة لمصالحهم، على إرغام قطر على ترك دعم الإرهاب وداعش!!!
ونجيب:
وهل بهذه الطرق التي تسئ للاسلام وسمعة بلدنا نستحصل حقوقنا، وكأننا قُطّاع طرق، وشذاذ آفاق؟!!!!!!!!!!!!!!!
لنرى بعد هذه المقدمة، الأسباب التي دعت المرجعية الدينية العليا لنقد مسألة اختطاف الصيادين القطريين، في خطبة الجمعة بتأريخ 13 ربيع الاول 1437 هـ الموافق 25/12/2015 م، بهذه الشدة والتركيز، معطية له الأهمية على بعض الأحداث، وعلينا تحليل المقطع الخاص بذلك، بعد أن نسمع قولها فيهم:
"نجد أن عصابات اجرامية وجماعات غير منضبطة تقوم بأعمال خطف وسلب وقتل تستهدف المواطنين والمقيمين، وتخل بالأمن والاستقرار في البلد، وتضاف اليها المصادمات العشائرية المؤسفة التي تشهدها بعض المحافظات بين الحين والآخر، مما تذهب ضحيتها أرواح الكثير من الأبرياء، وقد أضيف الى ذلك في الآونة الأخيرة بعض عمليات الاختطاف لأهداف سياسية، ومن ذلك ما وقع مؤخراً من اختطاف عدد من الصيادين الذين دخلوا البلد بصورة مشروعة.
إن هذه الممارسات لا تنسجم مع المعايير الدينية والقانونية، وتتنافى مع مكارم أخلاق العراقيين، وتسيء الى سمعة بلدهم، وهي ممارسات مدانة ومستنكرة بكل تأكيد، وإننا إذ نطالب بإطلاق سراح جميع المختطفين أياً كانوا نجدد دعوتنا للحكومة العراقية والقوى السياسية كافة بأن تساند القوى الأمنية في جهودها الحثيثة لحماية البلد، وتعمل ما بوسعها لوضع حد لجميع الممارسات الخارجة عن القانون، ولا سيما ما يخل بالأمن ويهدد سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين".
والخطبة نص وفيديو وصوت على الرابط الرسمي التالي:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php...
يمكن أن نجمل تحليلنا فيما يخص هذا الأمر، بما يلي:
1. قول المرجعية " نجد أن عصابات اجرامية وجماعات غير منضبطة تقوم بأعمال خطف وسلب وقتل تستهدف المواطنين والمقيمين، وتخل بالأمن والاستقرار في البلد"، حيث وصفت المرجعية كل من يقوم بهذه الأعمال بوصفين يدل على أنهم مجموعتين، وكلا الوصفين قبيح لا يليق بمؤمن عاقل:
أ. " عصابات اجرامية ".
ب. "جماعات غير منضبطة"، وهو يعني من ضمن ما يعنيه، أنها ليست إجرامية، بدلالة (واو) العطف التي فصلتها عن سابقتها، لكن عدم انضباطها جعل فعلها مستهجناً أيضاً، وهو على حد سواءٍ في الخطأ مع الصنف الأول.
2. قولها " وقد أضيف الى ذلك في الآونة الأخيرة بعض عمليات الاختطاف لأهداف سياسية"، يعني بالقلم العريض:
أن عملية الاختطاف لا فقط مضرة وخاطئة وفقاً لما سنبينه ولما ستذكره المرجعية نفسها، بل هو أمرٌ ليس فيه مبدئية أصلاً، إذ هو "لأهداف سياسية"، وإن تصور القائمون عليه، والراضون به جهلاً، أنه مبدأي!!!.
3. قولها " إن هذه الممارسات لا تنسجم مع المعايير الدينية والقانونية "، وهو فعلا يخل بما يلي من موازين الدين الاسلامي وكل الأديان السماوية، بل وحتى الأرضية، وموازين القانون والتعامل بين الدول، مما يدعونا ديننا لاحترامها إن لم تخالف الشريعة، وهي في حالتنا غير مخالفة له، فهذا الفعل المشين يعتبر:
أ. خيانة للأمانة:
فدخول القطريين كان رسمياً.
ومنح تأشيرة الدخول وفقاً لقانون أي دولة، يستلزم محافظة سلطات هذا البلد على أمن الحاصل على هذه التأشيرة.
أي أن الداخل أمانة عند البلد المُضيّف، بغض النظر عن رأي هذا الضيف بالحكومة القادم من بلدها، تأييده أو رفضه لها.
فالمحافظة عليه وفاء بالأمانة، وخلافه نقض لها، حتى لو كانت حكومة قطر بالإجرام الذي وصفناه.
فإما أن لا ندخله لأراضي بلدنا، أو أن نسمح له بالدخول ونتحمل تبعات هذا السماح الدينية والقانونية، وإلا عُد السماح له بالدخول ثم اختطافه خيانة للأمانة.
فهل برأي المعترضين، إن من الممكن أن تضحي المرجعية بسمعة ديننا ومذهبنا الذي ننتمي إليه ونعتبره - وفقاً لما نمتلكه من أدلة – المنهج الإنساني الحق في سعادة البشرية...
هل من الممكن أن تضحي بذلك لسواد عيون المهرجين والغافلين والعاطفيين ؟!!!
ألم نُحمّل حكومة آل سعود مسؤولية مقتل واختطاف الحجاج في منى وغيرها لأنها أخلّت بالتزاماتها وأمانتها في حفظهم؟!!!.
ألا تحترم دول العالم كل داخل إليها وان اختلفوا مع حكومته، أو معه أحياناً؟!!!
ألم تحترم فرنسا المرجع الديني الكبير السيد الخميني (قدس سره) خلال سنوات مكوثه فيها؟!! رغم أنه كان عدوا لها، ولمخططات الغرب عموماً، وهي أحد أقطابه، وكان يُخطط من أراضيها ما يقيم دولته القادمة، التي أضرت مصالح فرنسا فيها فيما بعد!.
ألسنا ننتمي للمدرسة التي يقول أحد عظمائها، إمامنا السجاد عليه السلام في حفظ الأمانة ما يقول؟!
انظروا لعظيم انسانيته ومهنيته، وفصله للعاطفة عن العقل ومصلحة الدين وسمعته:
عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام ) يقول لشيعته : عليكم بأداء الأمانة، فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي (عليه السلام) ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه(وسائل الشيعة: ج19-ص76).
ب. إخلالاً بالعقود.
فدخول أجنبي لأراضي بلد غير بلده يحتاج لعقد بينهما.
طرفه الأول البلد القادم إليه، الذي يقوم بمنح التأشيرة بناءً على طلب القادم، ويعتبر قبول الطرف الأول بتواجد هذا الأجنبي على أراضي هذا البلد، التزام عليه الايفاء به، ومن لوازم هذا الإيفاء (المحافظة على سلامته وحريته)، شريطة احترام قوانين هذا البلد.
ويعتبر ذلك الطلب من الأجنبي للتأشيرة وهو (الطرف الثاني) بمثابة قبول بهذه القوانين، وإلا ما طلب التأشيرة، وكان استخدم التهريب وأساليب غير قانونية.
أي أن طلب التأشيرة وقبولها عقد بين طرفين، فلا يحق لأحدهما الإخلال به شرعاً وقانوناً، ما لم يكن أحد الطرفين قد ارتكب مخالفة توجب فسخ العقد.
فلو عمِل الصيادون القطريين على الاخلال بأمن بلدنا ومصالحه، يجب أن تتم محاسبتهم وفقاً للقانون، بعد اعتقالهم من قبل السلطات، لا خطفهم، وكأننا في مغارات تورا بورا، أو غابات مجاهل أفريقيا!!!
فأين الخاطفون من قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]
هل يريد المهرجون والرافضون لكلام المرجعية في الخطبة، أن تسكت على تهديم سمعة ديننا، باسم محاربة دولة وحكومة ضد الدين!!!
هل الغاية تبرر الوسيلة؟!!
يا إخوتي: لا يُطاع الله من حيث يُعصى.
4. قولها "وتتنافى مع مكارم أخلاق العراقيين، وتسيء الى سمعة بلدهم" ، وهو كلام يكشف عن عميق ألم المرجعية لما جرى، لأنه يؤدي إلى ما يلي من المخاطر الحالية والمستقبلية على العراق:
أ. إنهاءٌ لسمعة العراق في قدرته على احتضان الشركات الأجنبية المستثمرة أو المنفذة للمشاريع مستقبلاً.
إذ أن الخطف سيوصل رسالة لكل شركات العالم، التي تنوي الاستثمار في العراق، حالياً، او بعد استقرار الوضع فيه،، أو استقدام شركات بناء المشاريع فيه، توصل رسالة لهم، بأن العراق بلد غير آمن لعمل الأجانب، بدليل اختطاف أفراد شركة تركية، ثم صيادين قطريين، ثم وثم...
ب. انهاءُ لسمعة العراق في المجال السياحي.
وهو واضح، ويوصل نفس الرسالة السابقة، لكنها هذه المرة حتى لسياح الآثار والمواقع التراثية من الأجانب والعرب، وبالتالي قتل لمورد أساسي في العراق، ممكن أن يكون مستقبلاً بديلا هاماً لمورد النفط، بعد استقرار البلد، وبناء البنى التحتية لـ 15 ألف موقع أثري و900 مزار و 7 عتبات، وعشرات المواقع السياحية القائمة، فضلاً عن التي من الممكن بنائها.
ت. اضرار بسمعة العراق البلد المضياف، وطن الكرم والمرؤة والأخلاق الحميدة، الذي يخدم ضيوفه بجنون في موسم الأربعينية، بشكل أذهل شعوب العالم، دون أن ينظر لانتماءاتهم واثنياتهم وأديانهم وطوائفهم، ليأتي بعد ذلك قاصري النظر ليمحوا هذه السمعة الطيبة بفعل طفولي، غير محسوب العواقب!!!
والأدهى من ذلك يلومون المرجعية على نقده، لتكون الطامة طامتين،
فعل الخطف وفعل السكوت عليه!!!
5. قولها " وهي ممارسات مدانة ومستنكرة بكل تأكيد" هو توكيد لفظي ومعنوي لاستنكارها في النقاط السابقة.
6. قولها " وإننا إذ نطالب بإطلاق سراح جميع المختطفين أياً كانوا" فيه توكيدٌ على أهمية سمعة العراق كبلدٍ لا يرضى أبنائه – وهي منهم وعلى رأسهم-الإضرار بسمعته، وكيان دولته، وسمعتها بين الدول، وهو تأكيد من المرجعية على سيادة روح القانون وضرورة خضوع الجميع له، مهما ناقض أهوائهم، لأن سيادة القانون أولى لبنات الدول والمجتمعات المتحضرة.
7. قولها "نجدد دعوتنا للحكومة العراقية والقوى السياسية كافة بأن تساند القوى الأمنية في جهودها الحثيثة لحماية البلد، وتعمل ما بوسعها لوضع حد لجميع الممارسات الخارجة عن القانون، ولا سيما ما يخل بالأمن ويهدد سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين" فيه الإشارات التالية:
أ. تقوية لكيان الدولة في مقابل الجماعات المسلحة غير القانونية التي تتصرف خلاف القانون.
ب. تركيزها على "حماية المواطنين والمقيمين والزائرين" يكشف عن اهتمامها بحياة الناس مهما كانت انتماءاتهم، وتساوي الجميع في حق الانسانية، في العيش بسلام، سواء كان الموجود مواطناً أو غريباً، طالما احترم الأخير قوانين البلد وعقد وجوده فيه، مما بيّنا مداليله القانونية في أعلاه.
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat