صفحة الكاتب : حسين جويد الكندي

سياسة العدل
حسين جويد الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  كثيرا ماأقرا لكتاب عرب , وربما كان للكتاب المصريين السهم الاوفر من قراآتي , وفي ظل ازمات الربيع التي يشهدها عالمنا العربي في السنوات الاخيرة , كان لمحمد مستجاب راي في تناول موضوع ( السياسة ) بالمطلق , وكأن السياسة كائن خارج منظومة الحوار فتناهت لي بعض الأفكار اعرضها لقراء العربي إتماما للفائدة :  السياسة من المفاهيم التي عرف تطبيقاتها الإنسان منذ بواكير وجوده على هذه الأرض , وليس قبل ذلك ـ كما يرى مستجاب ـ فتعريف السياسة عند أهل الفن بأنها : فن الممكن , ومقام الممكن عالم الإمكان وليس عالم التكوين , والسياسة بعد ذلك مفهوم واسع تناولته الفلسفات والأفكار عبر التاريخ , فتعددت بذلك مفاهيمها تبعا لتعدد النظريات التي تبنتها تلك الفلسفات , وللحديث بالمطلق عن السياسة لابد وان يتزامن مع تعداد المناهج السياسية القديمة والحديثة , لبيان تطور علم السياسة عبر التاريخ أولا , وللوقوف على أنواعها ثانيا , ولاستيفاء كل نوع منها حصته من البحث ثالثا , وذلك مايغفل عنه غالبا بعض المثقفين العرب بفعل تأثرهم بفلسفة السياسية الميكافيلية , التي لها مصاديقها المعاصرة في البراغماتية والنفعية التي تتصف بها اغلب النظريات السياسية الحديثة , وفي مثل هذه السياسات يصدق وصف مستجاب لحب السياسة ان يكون ( النفاق والقفز والرقص والسطوة ) ولأعلى مراتبها نموذج السياسي عند ميكافيلي ( الحاوي ) أو المهرج , ولألعابها ( الدهاء والمكر والاقتناص ) ولضلالها ( استخدام الحيل والتحايل للإيقاع بالطرف الآخر ) , نعم يصدق ذلك في السياسة البراغماتية منزوعة القيم الأخلاقية , ومشوهة الآداب الفطرية .
    أما القول بان الأديان السماوية ( لاتحب السياسة لأنها عقيدة...ولأن الأديان جاءت بالتعفف والتطهر عن إشباع الرغبات ولان ارتباط الدين بالسياسة يتحول إلى صراعات وحروب ) فان هناك من أبناء العروبة من يتصور إن السياسة لاعلاقة لها بالدين أو الأخلاق إطلاقا فالدين أمر روحاني كما يتصورون يشتمل على الفضائل والمعنويات أما السياسة فهي عادة غارقة بالماديات والمكر والخديعة , فهو من سفه العقول وقصر الأحلام بمكان , فلو كان الأمر يتعلق براعي غنم في صحراء الجزيرة فلابد وان له سياسة يدبر فيها شؤون مزرعته ونعاجه بمقتضى قواعد العقل الفطري , فما بالك والأمر يتعلق بأمة شُيدت أركانها على أساس الدين وكان سائسها وقائدها حضرة النبي الخاتم لما سبق من الأنبياء ـ ص ـ  والفاتح لما أُستقبل من مجد ورفعة العرب والمسلمين , ألا يكون لتلك الأمة حظا في السياسة , إلا أن يُقال بان النبي ـ ص ـ ليست له دراية بأساليب قيادة الأمة , وهنا تكون الحاجة إلى قراءة سيرته من جديد من قبل من يدعي ذلك , والسياسة في قاموس الإسلام لاتعني إلا الأسلوب الأكمل الذي تُدار به مؤسسات البلاد ومعاش العباد فالسياسة الإسلامية تنظم أفضل برنامج للحكومة في تعاملها مع شعبها ومع سائر الدول المجاورة كما تضمن السياسة الإسلامية للأقليات الدينية كامل حريتها المشروعة , وسياسة الإسلام تبتني على السلم واللاعنف واحترام الرأي الآخر وفتح المجال للمعارضة في مختلف الميادين الحياتية الفردية والاجتماعية .
   بحث السياسة في الإسلام بحث واسع مترامي الأطراف وبحر عميق لايبلغ غوره وسواحله إلا القليل فالسياسة : تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وجه والذي هو مضمون قوله تعالى : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " الأعراف : 157 , فالسياسة بهذا التفسير من صميم الإسلام , ومن أسس الدين التي يجب على كل فرد من المسلمين السعي لتطبيقها , وفي الشريعة الإسلامية نصوص كثيرة تدل على إن السياسة جزء لايتجزا من الإسلام بل الأصح القول : إن الإسلام والسياسة لفظان لمفهوم واحد , جاء في الحديث الشريف : " الإمام عالم لايجهل مضطلع بالإمامة عارف بالسياسة " , وفي كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ ع ـ لعامله على مصر مالك بن الحارث النخعي : " فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة " وفي موضع آخر : " فول من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأجمعهم علما وسياسة " , إلا إن الاختلاف بين السياسة الإسلامية وغيرها من السياسات المادية : إن القيمة المركزية للسياسة الإسلامية هي العدل , قال أمير المؤمنين علي ـ ع ـ : " خير السياسات العدل " , بينما كانت وستبقى هذه القيمة في العقلية الأوربية هي النفعية , ومصلحة الدم الأزرق كما يقول ميكافيلي  , والذي انعكس على مجمل النشاط الاجتماعي في الغرب ابتدأ من حرية الفرد وليس انتهاء بالنظريات الاقتصادية , التي جعلت من المبادرة الفردية هي الأساس في النشاط الاقتصادي , واتخذت شعار " دعه يعمل دعه يمر " دليلا إلى إشباع الحاجات الاجتماعية , فسيطر رأس المال على الأخلاق في الأنشطة الاجتماعية ,  والحرية غير المنضبطة في المجال الفردي , فسرى التفسخ في أوصال المجتمع , وانهار صرح الرأسمالية العالمية تحت وقع الأزمات الدورية , ذلك هو ضلال السياسة التي يمارسها سماسرة رأس المال العفن في غرب العالم , والذي فشل في اقتحام حالة الوعي التي يعيشها الشعب العربي اليوم بالرغم من المحاولات الحثيثة لاستنساخ هذا النموذج في هذا البلد العربي أو ذاك .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين جويد الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/14



كتابة تعليق لموضوع : سياسة العدل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net