خطورة النفس الإمارة بالسوء
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي

ورد في دعاء مكارم الأخلاق : ( الهي خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها وابقي لنفسي من نفسي ما يصلحها ) .
الحديث في هذه الليلة عن النفس وخطورتها على حياة الإنسان ، وهل ياترى أنها أخطر من الشيطان أولا ؟
وكيف نواجه هذا العدو الخطير الذي يهدد الانسان ، تارة العدو يكون في الخارج ويمكن لنا ان نحدده ، ونقوم بتشخيصه ، وهذا من سهل جدا السيطرة عليه ومقاتلته ، واخرى العدو يعيش في اعماق الانسان ، ويمارس معك جميع مظاهر الانحراف ، والرذيلة والفسق والعصيان ، والبعد عن الله تعالى ، بل يجعله مقيدا ويعيش ذليلا اسيرا ، وعبدا لهذا العدو الكامن في باطنه واعماقه .
إن كلمة ( نفس ) هي كلمة في منتهى الخطورة ، وقد ذُكرت في القرآن الكريم في آيات كثيرة يقول الله تبارك وتعالى في سورة ( ق ) : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }
نحن نؤمن بالله عز وجل ، ونذكره ونصلي في المسجد ونقرأ القرآن ، ونتصدق ، ونحضر الخطب والمواعظ في الحسينيات والمساجد او الفضائيات ....إلخ...
ومع ذلك تصدر من البعض الذنوب ومعاصي في شهر رمضان مثل الغيبة والنميمة والبهتان والألفاظ البذيئة والقذف والتطاول على أعراض الآخرين ، بل وتصل الى القتل والذبح !
فلماذا ؟
وقد أشار النبي الخاتم بشكل واضح وصريح في اخر جمعة من شهر شعبان بأن الشياطين مغلولة الأيدي في شهر رمضان المبارك ولا قدرة لهم على إصابة المؤمن بسهام فمن اين هذه الذنوب والمعاصي ياترى ؟
المشكلة تكمن في تركنا العدو الحقيقي وهي النفس ، وذهبنا إلى عدو ضعيف ، يقول الله تعالى في مُحكم كتابُه العزيز { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }
إنما العدو الحقيقي هو ( النفس ) نعم ... فالنفس هي القنبلة الموقوتة ، واللغم الموجود ، بل هي اخطر من القنبلة العنقودية في داخل الإنسان .
في النفس البشرية هناك صفات وعادات سيئة لابد من اللجوء الى الله تعالى وطلب العون والتوفيق منه في التخلص منها ، وهذا مااشار اليه الامام السجاد عليه السلام في دعائه الموسوم بمكارم الأخلاق بشكل واضح وصريح
( اللّهُمَّ لاتَدَعْ خِصْلَةً تُعابُ مِنِّي إِلاّ أَصْلَحْتَها وَلا عائِبَةً أُؤَنَّبُ بِها إِلاّ أَحْسَنْتَها وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ ناقِصَةً إِلاّ أَتْمَمْتَها ) .
ومن اشد العيوب والخصال الذميمة والمهلكة للإنسان هي عبادة النفس ، والوقوع في أسرها وعبادتها ، وعلاج ذلك هو الخوف من الله تعالى في السر والعلن .
قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ }
فما هي هذه النفس؟؟؟
يقول العلماء :أن الآلِهة التي كانت تعبد من دون الله
(( اللات ، والعزى ، ومناة ، وسواع ، وود ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرى ))
كل هذه الأصنام هدمت ماعدا إلـه مزيف مازال يعبد من دون الله ، يقول الله تبارك وتعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ } ومعنى ذلك أن هوى النفس إذا تمكن من الإنسان فإنه لا يصغى لشرع ولا لوازع ديني ، لذلك تجده يفعل ما يريد يقول
يقول الشاعر :
ابليس والدنيا ونفسي والهوى
كيف الخلاص وكلهم اعدائي ففي جريمة ( قتل قابيل لأخيه هابيل ) يقول الله تبارك وتعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ }
عندما تسأل إنساناً وقع في معصية ما !!!
وبعد ذلك ندم وتاب ، ما الذي دعاك لفعل هذا سوف يقول لك : أغواني الشيطان ، وكلامه هذا يؤدي إلى أن كل فعل محرم ورائه شيطان .
إن السبب في المعاصي والذنوب إما من الشيطان ، وإما من النفس الأمارة بالسوء ، فالشيطان خطر ..
ولكن النفس أخطر بكثير
لذا فإن مدخل الشيطان على الإنسان هو الغفلة ، روي عن النبي الخاتم ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( ان الشيطان جاثم ( مسيطر ) على نفس الانسان فاذا غفل الانسان عن ذكر الله وسوس الشيطان ) ، الى اشارة الى قوله تعالى : ( من شر الوسواس الخناس )، وهذا يدل على أن الوسوسة في داخل الإنسان .
أن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
هناك هرمون في الجسم يفرز خلايا على القلب عندما نلهى عن ذكر الله ومن ثم تكون غشاء على القلب يسمى (( الران )) ويسبب اكتئاب حاد وحزن وضيق شديد قال تعالى ... (( كلا بل ران على قلوبهم )) .
وقد قال الأمير عليه السلام : ( الحمد لله الذي جعل الذكر جلاء للقلوب ) . نهج البلاغة .
الذي يطلع على أدعية أهل البيت عليهم السلام يجد أنهم عليهم السلام قاموا بتقديم النفس على الشيطان لخطورتها ، ولضعف الشيطان ، في الكثير والعديد من الموارد ، ولهذا قدمت النفس على الشيطان في لسان الدعاء لخطورتها مثل دعاء الصباح : ( وَإِنْ خَذَلَنِي نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَنِي خِذْلانُكَ إِلى حَيْثُ النَّصَبِ وَالحِرْمانِ ) فقدم النفس على الشيطان لخطورتها .
وكذلك في مناجاة الشاكين : ( إِلهِي إِلَيْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً وَإِلى الخَطِيئَةِ مُبادِرَةً وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بِي مَسالِكِ المَهالِكِ وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِكٍ كَثِيرَةَ العِلَلِ طَوِيلَةَ الاَملِ إنْ مَسَّها الشَرُّ تَجْزَعُ وَإنْ مَسَّها الخَيْرُ تَمْنَعُ مَيَّالَةً إِلى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ تُسْرِعُ بِي إِلى الحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ، إِلهِي أَشْكُو إِلَيْكَ عَدُوَّا يُضِلُّنِي وَشَيْطانا يُغْوِينِي قَدْ مَلأَ بالوِسْواسِ صَدْرِي .....الخ ) . وكذلك دعاء يوم الثلاثاء المروي عن الامام زين العابدين عليه السلام : ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ للهِ وَالحَمْدُ حَقُّهُ كَما يَسْتِحِقُّهُ حَمْداً كَثِيراً،وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ؛ إِنَّ النَّفْسَ لاَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ مارَحِمَ رَبِّي، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ الَّذِي يَزِيدُنِي ذَنْباً إِلى ذَنْبِي ) .
فإذا كانت النفس هكذا هي من ناحية الخطورة فالجدير بالمؤمن أن يتهيأ ، ويستعد لمواجهتها وقتالها، وان يقوم بردعها وقد قال ارسطا طاليس : ( ردع النفس للنفس هو العلاج للنفس ) .
في مرحلة الشباب تكون القوى الروحية والنفسية والصحية اقرى منها في حال الكبر ، إذا استمر الشاب في المحافظة عليها ، واستثمارها في طاعة الله تعالى فإنها تكون ملكة في حال كبره ومشيبه بشرط أن لا تكون عادة ، وإذا قد اعتاد على هذا الفعل ولم يستفد منها فانه سرعان ما يتغير، ويتنكس في حال الكبر .
يقول الشاعر واصفا هذه الحالة :
عصيت هوى نفسي صغيرا فعندما
أتتني الليالي بالمشيب وبالكبر
أطعت الهوى عكس القضية ليتني
خلقت كبيرا ثم عدت الى الصغر
شهر رمضان المبارك فرصة مهمة في إصلاح النفس ، والإقلاع عن العادات السيئة ، وربما يكمن سر تكرار هذا الشهر المبارك في كل سنة ثلاثين يوما من اجل الدخوع في هذا المعسكر التدريبي الإيماني ، ويجب الانطلاق في هذا الشهر نحو الكمال والأفضل ، ويجب أن يكون هذا الشهر افضل من الأشهر الماضية الرمضانية .
الامام الحسين عليه السلام خرج لإصلاح الأمة على جميع الأصعدة والمجالات الأخلاقية الاجتماعية ، السياسية على صعيد الأمن والاستقرار ، من اجل إرجاع الحق والحقوق المسلوبة ، من اجل حقوق الإنسان الي سلبها الكيان الأموي من اجل إصلاح النفس البشرية ، انظر الى الجهة الأخرى ، انظر الى أعدائه وأخلاقهم ونفوسهم ، ماذا صنعوا في ظهيرة يوم عاشوراء ، مع ذلك كان الامام ع يبكي عليهم ويقول أنهم سوف يدخلون النار بسببي .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat