صفحة الكاتب : الشيخ حيدر ال حيدر

عناصر القوة في المجتمع المؤمن
الشيخ حيدر ال حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم 

(( من آمن بالله واليوم الآخر فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)) 
(( إن الذين يبايعونك إنم ا يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما )) 
(( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم )) 
هذه بعض النماذج من النصوص الكثيرة التي تبين أن البعثة النبوية الشريفة جاءت بداية لعصر القوة والتقدم وسبق الحضارات التي لم تقم على أسس التوحيد والعبودية بل ركنت الى قواها الذاتية متناسية الخالق العظيم وقوته المطلقة فوفرت بعثة النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وآله ) عناصر القوة لأمة كانت "على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله) " 
الظاهر من النصوص الشريفة الكثيرة أن مكمن عناصر القوة هو المجتمع المؤمن القائم على أسس الإيمان والتقوى ولذلك ورد في الشريعة الكثير من النصوص التي تحث على إنشاء هذا المجتمع وكلما كبر عدد أفراده واتسعت رقعته كان أفضل كما سيظهر من النصوص الشريفة الآتية, 
وعلى أن لا يترك هذا المجتمع أحد من المؤمنين , فعن الصادق عليه السلام : (من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة الإيمان من عنقه) , وعن الكاظم عليه السلام : (ثلاث موبقات : نكث الصفقة وترك السنة وفراق الجماعة) , والمراد من الجماعة في هذه الأحاديث إنما هي جماعة المؤمنين الصالحة فـ(عن الباقر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. قيل : يا رسول الله وما جماعة المسلمين ؟ قال: جماعة أهل الحق وإن قلوا ) و (عن الإمام علي عليه السلام : فإياكم والتلون في دين الله , فجماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبون من الباطل , وإن الله لم يعط أحداً بفرقة خيراً , ممن مضى ولا ممن بقي) . وفي كلام آخر للإمام علي عليه السلام يصلح مفسراً لهذا الحديث : (أما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا , وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا ) وفي هذا الكلام دلالة واضحة على الحث على تكتل المؤمنين في جماعة صالحة .
 
صفات الجماعة المؤمنة ومكامن قوتها:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم , وفي ذلك قوة كبيرة لهم حيث يراقب بعضهم بعضاً فيكون مرآة له يبدي له سيئاته قبل أن تطيح به فينبذه المجتمع الصالح أويكون مفسداً فيه مضافاً الى ما سيأول إليه ذلك الشخص الخاطئ في الآخرة , وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيأمن كل فرد من هذا المجتمع أن يقع في مصائد الشيطان وأن يضعف أمام المغريات , (عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله : إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له . فقيل وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال الذي لا ينهى عن المنكر ) وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً : (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلّطنّ الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم ) إذن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عوامل القوة في المجتمع المؤمن والحصانة من الظلم على المستوى الجماعي كظلم السلطان الجائر وعلى مستوى الأفراد . وفي الحديث الأخير بيان أمر مهم وهو أنه لو بلغ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدّ الظاهرة العامة في المجتمع كان ذلك سبباً لأمرين خطيرين 
أحدهما: منح الفرصة لارتقاء الفاسدين الى المناصب القيادية حيث لا منبوذية لهم ولا استصغار حتى يكونوا عناصر طبيعيين في المجتمع لايمتازون عن الصلحاء فتتوفر لهم بذلك الفرصة للتنافس مع الصالحين لقيادة المجتمع فيكونوا أئمة ضلال وسلاطين جور فيضطر المجتمع الذي منحهم هذه الفرصة بتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الى تحمل نتائج ضعفه وسوء تصرفه وأول عقاب يناله الشعب هو بعد الظلم الذي سيرزح تحته الى ما شاء الله , أنه سيُحجب عن الله ويحرم شفاعة الأخيار فيدعون الله ليرفع الظلم عن هذا الشعب فلا يستجاب لهم ومما يشهد على هذه السنة التاريخية تسلط بني أمية على رقاب المسلمين ومقدراتهم لما تهاونوا وضعفوا عن نهي معاوية وأسلافه عن المنكر, فبات الأخيار يدعون الله على سلاطين الجور دهراً طويلاً فلا يستجاب لهم . 
والأمر الآخر الذي تسببه ظاهرة ترك ألأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أن المجتمع بعمومه سيكون بعيداً عن الله فلا يستجيب سبحانه وتعالى لدعاء الأخيار لذلك المجتمع الدعوات العامة . عن الإمام الباقر عليه السلام : (أوحى الله الى شعيب النبي عليه السلام : إني معذبٌ من قومك مئة ألف أربعين ألفاً من شرارهم وستين الفاً من خيارهم . فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال ُ الأخيار ! فأوحى الله عز وجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي )
وربما يصلح شاهداً على هذا القانون التاريخي من التاريخ المعاصر الحادثة التالية :
كان عبد السلام عارف رأيس الجمهورية العراقية مبغضاً للشيعة كثيرَ المضايقة لهم , فاجتمع فقهاء النجف الأشرف في مسجد الكوفة ودعوا عليه مجتمعين فما كان إلا أن احترق بطائرته بعد ثلاثة أيام من دعائهم عليه حتى اشتهر في الشارع العراقي المثل المعروف :(صعد لحم نزل فحم) , أما الظلم الذي عانى منه الشعب العراقي أيام السفاح صدام فكان أشد بكثير مما كان أيام ذلك الناصبي عبد السلام وقد دعا اللهَ عليه الفقهاء وجميع الصلحاء والأيتام والأرامل وسائر المظلومين مدة طويلة ولم يروا الإجابة . ولعل الفرق بين زمني الحادثتين هو أن المجتمع في زمان الأول كان أكثر تماسكاً ينكرون المنكر ويحثون على المعروف (نسبياً) , أما في زمن السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فقد 
انحدر المجتمع حتى باتوا لا ينكرون انتشار الأفكار الضالة والعادات المنحرفة , حتى صار الجار لا يأمن جاره وانتشر التشبه بالكفار شكلاً وفكراً . 
 
2- في الجماعة المؤمنة يهتم كل من أفرادها بالآخرين , فيفرحون لفرح أيً منهم ويحزنون لحزنه , أي يكون بينهم مودة وأُلفة ومحبة , قال تعالى :(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) , وعن الصادق عليه السلام : (لكل شيءِ شيءٌ يستريح إليه , وإن المؤمن يستريح الى أخيه المؤمن كما يستريح الطير الى شكله) 
والمحبة تجعل أفراد المجتمع عائلة واحدة يحمي بعضهم بعضاً ولا يرضى احدهم الضرر المعنوي أو المادي لأحد من الآخرين .
3- يتكافل أفراد المجتمع المؤمن فيما بينهم بل يؤثر كل منهم إخوانه على نفسه في ماله , والتكافل من أنجح الطرق لمكافحة آثار الفقر إذ لا يبقى في هذا المجتمع مَن يذله الفقر ويلجئه الى غير إخوانه المؤمنين فيقع في حبائل شياطين الجن والإنس . عن الإمام الباقر عليه السلام : (أيجيء أحدكم الى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت : ما أعرف ذلك فينا . فقال أبو جعفر عليه السلام : فلا شيء إذن . قلت : فالهلاك؟ فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ) , وعنه عليه السلام أيضاً : (أحبب أخاك المسلم وأحبب له ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك , وإذا سألك فأعطه ولا تدخر عنه خيراً, فإنه لا يدّخره عنك , كن له ظهراً فإنه لك ظهر , وإن غاب فاحفظه في غيبته , وإن شهد فزره وأجلّه وأكرمه , فإنه منك وأنت منه وإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسل سخيمته وما في نفسه , وإذا أصابه خير فاحمد الله عليه , وإن ابتلي فاعضده وتحمل له) 
4- من صفات هذا المجتمع أيضاً أن يكون مهوى ومحل جذب للمؤمنين المتفرقين فهو يزداد من الخارج كما أنه ينمو من الداخل . إنه مجتمع ينزع الى الازدياد والتكاثر ويستقطب الأخيار من البلاد البعيدة , قال تعالى : (الذين تبوأوا الدار الآخرة والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حرجاً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ) .
5- من صفات هذا المجتمع أنه يستقطب الضعفاء حتى من الملل الأخرى فيصهرهم في بوتقته ويعيد صياغة أفكارهم واعتقاداتهم ويقويهم فيكون نقطة جذب لكل ذوي السرائر الطيبة النقية من المستضعفين من أهل الملل الأخرى وهذا مما يمكن استفادته من الآية الكريمة : (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً . إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا . فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسروراً) فلو استن المؤمنون بسنة أهل البيت عليهم السلام التي تحكيها هذه الآيات المباركات من سورة الدهر لما خاف الضعيف في بلد يغلب عليه المؤمنون حتى لو كان من غير ملتهم كالأسير الذي هو ليس من المسلمين . وعن الإمام علي عليه السلام : (أشعِر قلبك الرحمة لجميع الناس والإحسان إليهم) وعنه عليه السلام أيضاً قاله لولده محمد :(يا بنيّ أحسن الى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك وارض لهم ما ترضاه لنفسك واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك وحسّن خلقك مع الناس) , وعنه أيضاً في عهده لمالك الأشتر(رض) : (......فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق) . 
وهذه الصفة مهمة جداً في العالم الحديث , حيث سيكون موطن جماعة المؤمنين هدفاً للكفاءات والمبدعين الّذين لم يجدوا ألأمان والحياة الكريمة في بلدانهم , فسيفضلون استثمار طاقاتهم النافعة فيتقوون و ينتفع المجتمع المؤمن بتلك الطاقات والخبرات وهذا ما وجدناه في زمن ازدهار البلاد الإسلامية عندما كان أهل الأديان الأخرى يسيرون فيها آمنين .
ولو اتسع الظرف لأتممنا الكلام ؛ والحمد لله رب العالمين .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حيدر ال حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/25



كتابة تعليق لموضوع : عناصر القوة في المجتمع المؤمن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net