فِـي ذِكـْـرَاه الـعَـائِـدَهْ ... الأديـب الـتـُّـونِـسـي " مـحـمـود الـمِـسْـعـدِي " ... مُـبْـدِعٌ جَـدِيـرٌ بـإحْـتِـرَام الـحَـيَـاة ْ... !
محيي الدين الـشارني
محيي الدين الـشارني
إذا أمْـعَـنـَّـا الـنـَّـظـرَ وأجَـدنـَا تـَـسَـلـُّـلَ الـتـَّـوقـُّـع في سَـنـَا يَـاسَـمِـيـن ما رَسَـمَـه الأدِيـب الـتـُّـونِـسـي " مـحـمـود الـمـسـعـدي " مِـنْ نـَجَـمَـاتٍ مِـنْ فـَـرْطِ حُـلـْـمِـهَـا تـَـكـَادُ تـُـضِـيءُ ، لإنـْـتـَـبَـهْـنـَا أنّ هَــذا المُـبْـدع كان فـيـلـسـوفـا راقِـيًّـا في أحوال الـحـيـاةِ وشـاعـرًا ، مَـزَاهِـرُ الشـّـذى فـيـه نـَـضَّـاخـَـة الأكـْـمَـام والأبْـعَـاد ، مُـبـدع أرادَ تـَـخـْـلِـيـصَ الـفِـكـْـر مِـنْ أوثــَان فـُجَـاجـهِ ... أرادَ بـدَهْــشـَـةِ كِـتـَابَـاتـهِ أن يَـتـَـمَـادى فـِيـه الإنـْـغِـمَـارُ تـَـلـَـطـُّــفـًا والإحْـسَـاسُ بـجَـوَانِـح الأ ُقـْـحُـوَان وأطـْـيَـاف إنـْـعِـتـَاق كـَـفـَاتِـحَـةِ تـَاج وأسَـاسْ ... أرادَ أنْ يَـكـُونَ مَـلـْـمَـحًا إسْـتِـثـْـنـَاءا ... فـَأسَّــسَ مَـنـْـشـَـأ مُــتـَـفـَـرِّدا ... وإنـْـتـَـشـَى في يَـنـَابـيع رُبـوعـهِ كـَوْنٌ حَـدَاثِـيٌّ رَخِـيـمٌ ، حَـاوَرَ مِـنْ خِـلالِـهِ طـُـلـُولَ عَــقـْـلِـهِ ووَازَنَ بَـنـَـفـْــسَـجـات شَـدْوهِ وأخـَـذ بـرَمْـز جُـلــُّـنـَار بَـحْـرهِ وبَـاطِـن سَـوْسَـن خـَـثـَارَات لـَـذاذات فِـكـْـرهِ إلى عَـالـَـم جَـمِـيـل رَحْــبٍ يَـطـْـمَـحُ أنْ تـُـزْهِـرَ الأمْـطـَارُ مِـن بُــدُورهِ كـَـفـَـيْــرُوز الـتــَّـوَامُـض والـفِـرَاسَـةِ والزَّعْــفـَـرَان .. عَـالـَـمٌ لـنْ يَــفـْـهَــمَ تِــلالَ بَـوْحِـهِ إلاّ مَـنْ أعْــلـَى الـبَـصِـيـرة الـنـَّـافِــذة الـتـوّاقـة إلى أمَـل الـخـَـلاص مِـنْ بَـرَاثِـن الـقـَـدِيـم الـجَـالِـس قـُـدَّامَ بَـوتـَـقـَـة الـمَـوْتِ الـقـَادِم مِـنْ شـَـجَــر الـتـَّــفـَـجُّـع والإضْـمِـحْـلال .. عَـالـَـمٌ لـنْ تـُـفـَـتـَّـحَ مَـرَامـيـهِ إلا لِـمَـنْ صَـادقَ الـتـَّـمَـعُّـنَ الـجَــيِّــدَ والـخـَـيَـالَ الـثــَّاقِــبَ ورَمَـزَ لِـصَـوَابِ الـمَـكـَان لِـلإلـْـتِـحَـافِ بِكـَـيْــنـُونـةِ الـوُجُـودِ والـشـَّـاهِــدة والـحَـيـاة ...
وبرغـم أنـَّـه أ ُتـّـهـمَ بـإشـْـتِـعَـالاتٍ وُجُـوديـّـةٍ عَـبَـثـيـّـة يَـتـَـقـدّمُ بـهَـا الـفـَـيَـضَـانُ فـي أحَـافِـيـر الـتـَّـرَاشُـق بـذبُـول التـّراتِـيـل جَـرَّاءَ خـَـلـْـط نـَـدَهَـاتِ الصّـَحْــو بـخـَـيْـلاء الغـُـمُـوض رقـَّـط وحَـرَّرَ ما بـه من صِـنـْـو زئـبـق ودُمُـوع تـُـرَابْ ، فـَـقـَـدْ كـان هـذا الإتـِّـهَـامُ رَهْــبَـة إخـْـفـَاق في الإحَـاطـَـة بـتـَـوَاشـيح أدَبـهِ بـمَـا تـُـقـَـرُّ بـه عَـيْـنُ الـعَــقـْـل الـقـريـب مِـن تـَـبَـاهُـج الإدْرَاكِ وفـَـوَانِـيـس الإلـْـتِـمَـاع ..
وكـُـلُّ مَـنْ لـَمْ يُـحَـاكِ مـا بـه مِـنْ أنـْـسـنـة وأ ُبْـنـُوس صُـعُـود وإنـْــفِــتـَاح فِـضَّـة وإسْـطِـرلاب مـاء ، وكـُـلُّ مَـن لـم يُـدَرِّبْ أقـانِـيـمَ زَهْـوهِ وجُـمَانـة تـُـكـَاشِـفُ الهَـوَائِـج عـلى المُـخـَاطـَـرة ، وكـلُّ مَـن لـم يَـصْـبـر عـلى " الـمـسـعـدي " وعـلى دُخـُول مَـمَـرَّاتِ طـَالِـع الخـيـال في نـُـسَـيْـمَات حَـريـرهِ تـَـسَـرَّعَ لـَحْـظ الـوَقـْـتِ في كـَعْـبِ إخـْـتِـلاجـه وتـَـسَـربَـلـَـتْ شِـفـَاهُ الـوَقـْـع / أغـْـصَـانُ الـطـَّـشِـيـش فِـيـهِ جَـيَّـاشـة ، مُـكـْـتـَـظـَّـة بـتـَـمَـاوُج الـمَـتـَاهَـة وحَـيْـرة الـغـُـمُـوض وطـَـلاسـم الـفِـكـْـرةِ والـبَـيَـان ...
أقـُولُ بـرغـم مَـنْ يَـتـَـمَـشـَّى في مَـحَـاجـر الـيُـبْـس فـهُـنـاكَ مُـدِلٌّ يُـورقُ بَـيْـدرهُ بَـهْـجَـة وعِـنـَاقـًا ، وبـرغـم هَـيْـدَبٍ تـَـتـَـنـَـصَّـتُ الـنـَّـوَاعِـيـرُ فِـيـهِ عـلى جَـدَائِـل الإنـْـتِـمَـاء ، وبـرغـم أنَّ ضَـجَّـة إتـِّـهَـام " الـمـسـعـدي " بـالـوُجُـوديَّــةِ الـعَـبَـثِــيَّـة الـتي طـَـرَأتْ عـلى مُـغـَالـَـبَـةِ وعَــقِــيـق الـتـَّـمَـاثــُـل الـنـَّـظِـيـر ... وكـَـثـَّــفـُـوهُ بـعَـتِـيـق إسْـتـَـيْـأسَ وقـَـطـَـرَتْ نـَـوَاطِـيـرهُ وتـَـفـَـرَّع مَـرشُـوقُ الـكـَـلام وقـَالـُـوا تـَأثـَّــرَ بـما أدْرَكَ مِـنْ " ألـْـبَـار كـَامُـو " أو " سَـارتـر " أو هَـوْسٌ جَـهْـمٌ أفـْــقـَــدَ زَمَـانَ الحُـروفِ تـَـلـَـمُّـسَ دفـْــقــة أو وقـْــدة مَـا تـَـحَــرَّرَ عَـلـَـنـًا أو رشاقـة ، فإنَّ " الـمـسـعـدي " كـان مُـبْـدِعا خـلاّقـا مُـغـَامِـرًا لا تـَـذوي خـَـلـجَـات الـخـُـطـَاف فِـيـه ولـَـيْـسَـتْ تـَـتـَـغـَـرَّبُ دَوالي الـلآلىء فـيـه أو تــُـطـْـمَـرُ ، طـَـرَّ زَ لـَنـَا كِـتـابـة مُـضَـمَّـخـة الـدِّيـبَـاج والـتــَّـوزُّع ، قـَـلِـيـلـُـونَ مَـنْ يَـجْـرُؤُونَ عـلى سَـرْمَـدِ مَـيَـامِـيـنِـهَـا أو حـتــَّى طـَـلّ الـمَـسَاس بـأطـْـرَافِ إحْـتِـمَـالاتِـهَـا ...
إذنْ هَـا هُـوَ ذا " الـمـسـعـدي " يُـنـَاسِـبُ كـلَّ إبْـداع بـطـرفٍ ... يُـنـَـضـِّــدُ الـفـلـسـفـة عـلى إعْـتِـبَـار أنـَّـهَـا نـَـقِـيـضٌ لـلـشـِّـعْــر أو عـلى الأقـلّ مُـقـَاربـة تـَـتـَـقـَاطـَـرُ إخـْـتِـلافـا ومُـغـَايَـرة لِـفـَهْـم هــذا الـعـالـَم ، وبـرغـم أنّ الـفـَـنَّ الـقـَـصَـصِـيّ يَـكـَاد يُـجَـانِـب فـُـجَّــة الإثـنـيـن مَـعًـا فـَـقـَـدْ أجَـادَ " الـمـسـعـدي " الـمَـسْــكَ بـخـُـيُـوط الـتــَّـمَــيُّــز والـتــَّـمَـايُـز وأحْـسَـنَ حَـبْــكَ الإشْـتِـغـَال عـلى تـَـفـَاريـح الإنـسـان والـكـَـيْـنـُونـة وسَـبْــر أغـْـوَار أبْـكـَار مَـا بـالأحْـلام مِـنْ الـوُجُـود بـمَـسَـالِـك طـَـوَّع الـتـَّــفـَـيّــؤ في زُمـرها بـعَــبْــقـريّــة.
سَـوْسَـنَ الـفـلـسـفـة عـلى أنـّـها إعْــتِـمَـارُ أ ُسْـلـُـوب وفـُـسْـتـُـقُ تـَـحْــلِـيـل وشـَامـة إسْـتِــقـْـرَاء تـَـنـْـهَــلُ مـن بَـاب الـفـَـرَضِـيَّـات ومَـشْــرَب الـبَـرَاهِـيـن ونـَـيْـسَـم الأسـبـاب ومَـبْــسَـم الـنـّـتـائج في تـَـقـرِّي تـَـفـْــسِـيـرهَـا لِـبَــوَارج الـظـَّـواهــر أو في تـَـهَـجِّـي طـَـرْحِـها لِـبَـارح الأسـئـلـة ... وعَـزَفَ الشـِّـعْــرَ مُـعْــتـَـمِــدًا أسَـاسًـا عـلى كـَـمَـان الإسْـتِـعَـارة ومَـنـَارة الـمَـجَـاز وسِـحْــر أسْـرَاب غـزلان الـصُّــوَر الـتي تـُـبَـاغِـتُ الـبَـيَـاض في شـَـتـَاتِـهِ فـتـَكـْـسـر حَـاشِـيَّــة قـَـوَانِـيـن الـعَــقـْــل وتَـَـتـَجَـاوزُ عَـتـبَـات قـواعـد الـلـُّـغـة الـقـريـبـة مِـنَ الإنـْـضِــبَـاط ...
ومَـشـَّـط وَهَـجَ الـفـَـنّ الـقـَـصَـصِـيّ عـلى أنـّـه مَـسْـكٌ بـالـلـَّحْـظـَـةِ الـمُـوَاتِـيَّــة وخـُـرُوجٌ عـن الإعْــتِــيَـادِ الـمُـعَـادِ والـمُـكـَـرَّر ، وتـَألـُّـقٌ لإسْـتِـكـْـشـَافِ الـبَـوَاطِـن الـحِـسِّــيَّـة لِـشـَـخـْـصِـيَّـات الأحْــدَاث ، ( عَـنـاصِـرٌ ثـلاثـة ، يَـكـُونُ لِـقـاؤهـم في خـَـيَـال واحـدٍ وإبْـداعُـهُـمْ في تــَخـْـيــيـل مُـتـَـعَــدِّدٍ ) مُـعْـتـَـمِـدًا في كـلِّ هـذا عـلى سُـلـُوكِـيّـات ظـواهـر تـَخـْـفـَى عـلى الـعَـقـْـل الـمُـجَـرَّد إذا لـَمْ نـَـذهَـبْ بـه بـعــيـدا إلى شـُـمُـولِـيّـة الـتـَّـوقـّـع والتـِّـبْـيَـان وبـذلـك إسْـتـَـطـَاع أن يُـرَتـّـِبَ حَـيْـرَتـهُ الـفـلـسـفـيّـة / الـشـّـعـريّـة والـقـصـصـيّـة إبْـدَاعًا مُـتـَـمَـاسِـكَ الـفـَـوْضَـى والـجَـمَـال ...
إذنْ بَـنـَى " الـمـسـعـدي " كـَونـَـهُ بـالإعْـتِـمَـادِ عـلى وَمْـض الشـِّـعْــر ورَغـْـوَةِ الـفـلـسـفــة الـتي تـَـنـْـقـَـسِـمُ في عَـالـَـمِـهِ إلى فـلـسـفـة مع حَـكـْي مَـسْـمُـوع يَـكـَادُ يَـكـُون مَـرئـيًّـا لِـشـَـفِـيـفِ نـَـضَـارَتِـهِ ، فـهــو بَـحْـثٌ وتـَـحْــصِـيـلٌ لِـلـْـحِـكـْـمَـةِ مِـنْ خِـلال الـفـلـسـفـة وسُـمُـوٌّ ورفـْـعَـة وإبْـدَاع مِـنْ خِـلال الشـِّـعْـر ، وهـو إمْـتـَاع ومُـؤَانـَـسَـة مـن خـلال قـَـصٍّ وحَـكـْيٍّ يَـبْـحَــثُ لـه دائِـمًـا عـن نِـهايـةٍ ولـكِـنـَّـه أبَـدًا لا يَـنـْـتـَهـِـي ... لِـيَـجْـعَـلَ كـلّ هـذه الـعـنـاصـر الـثـّـلاثـة تـَـلـْـتـَـقِـي في آنْ أو في رَاويَّـهْ ... أو تـَـلـْـتـَـقِـي في لـُجَّـة واحـدة لِـتـُـؤَسِّـسَ كـَـونـًا لـَمْ نـَعْـتـَـدْ تـَـشـَاخـُـصَ بُـرهَـتـه فـكـَانَ في بـدايَـاتِـهِ غـَـريـبًـا عـصـيًّـا حـتــَّى عـلى أفـْــذاذ الأدَبِ والـلـُّـغــة ، وهـا نـحـن في كـلّ حِـيـن في مُـقـَاربـة تـُـبَـاركُ أصْــدَاء الإهْـتِـمَـام وكـَامِـن الإنـْـتِـمَـاء ... وهَـلْ لـنـا أنْ نـَـتـَـخـَـيَّـرَ مـا في حَـضْـرَةِ كِـتـَابَـاتِـهِ مِـنْ ذوق يَـأتـَـنِـسُ الـبَـذرة قـَـبْـلَ الـثــَّـمْـرَة ْ ... !!!
هـكـذا كـان إبـداع " الـمـسـعـدي " مـع تـَـوَفــُّـر وتـَـوَافـُـر أدَوَاتِـهِ الإبْـداعـيّـة وهـو لـَـعَــمْــري تـَـفـَـرُّد يُـذكـَرُ فـَـيَـنـْـدلِـقُ خـَاتـَـمًـا حَـافِـلا بـألـَـق الـطــُّـيُـوبِ وشـَـمِـيـم الأعْـمَـاق فـَـيُـلـْـزمُـكَ أنْ تـَـنـْـتـَـبـهَ لـه ولا تـَمُـرّ دُونَ أنْ تـَـسْـألَ عَـن أحْـوَال الـقـَـلـْـب ونـَـعِـيـم الـعَــقـْـل وبَـقـَايَـا الـحَـيَـاةِ فِـيـكَ ... فـكـانَ الـتـَّـمَـرُّد عـلى وَاجـم الـمُـعْـتـَادِ والـنـَّــفـَاذِ إلى بَـاطِـن الـوجْـدَان وإفـْـشـَال كـلّ عَـقـْـل إقـْـتـَـنـَـعَ بـمَـسِـيـر مَـحْـو يَـكـُـونُ آخِـره لـَـيْـلٌ مُـدقـعٌ بـعِـبْءِ الـجُـمُـودِ وكـَاسِـر الـغـَـثـَـيَـان ...
وكـأنـِّـي بـه يَـقــُولُ لـنـا ...
أنـا أ ُنـْـبـئـُـكـُمْ عـن تـَـقـَاعُـدِ الـتـُّـفـاح مِـنْ صَـيْـرُورَةِ ذاتـهَـا ... أنـا أ ُنـْـبـئـُـكـُمْ عـن مَـاءٍ طـَاعِـن في الـحُـبِّ ... أنـا أ ُنـْـبـئـُـكـُمْ عَـن تـَعَـاطـُـفِ حََـيْـوَنـة الـتـُّـرَابِ مع كـُـرُومِـهَـا ...
أنـا أ ُنـْـبـئـُـكـُمْ عـن صَـحْـرَاء الـوُجُـودِ قـَـبْــلَ أنْ تـُعْـربَ عـن أسَـفِـهَـا ... وتـُوقِــظ فِـيـكـُمْ الـجُـمُـوحَ أو جَـمْـرَكـُمْ الـمُـبَـقــَّـع أو الـمُـقـَـمَّــط بـأمْـر رُشْــدِهَـا ...
كـَأنـِّي بـالـمـسـعـدي الآنَ يَـقــُولُ لـنـا ...
" هَـذا صُـبَّـارٌ لِـلـْـمَـاء ولـنْ تـُـفـْـلِـحَ إنْ أرَدْتَ الـمَـسْــكَ بـأنـْــدَائِـهِ ...
وهَـذهِ قـَانِـيَّـة مُـبْـصِـرَة مِـنْ أحْـلام طـُـفـُولـَـتِـهَـا تـَـمْـرَحُ وتـُـسَـرِّحُ شـَـعْــرَ جَـدَاولـهَـا عـلى مَـقـْـعَــدٍ مِـنْ حَـريـر فـَـيَّـاض في قـَـلـْـبِ سُـلالـَـتِـهَـا ...
وهَـذهِ شـَـمْــسِـي تـَـجـيءُ مُـتـَـأخـِّـرة عَـن قـَـلـْـبـهَـا ... !!! مَـنْ عَـلـَّـمَـهَـا أنْ تـُـضِـيء خـَارجـي ... ومَـنْ سَـانـَـدَهَـا عـلى إتـِّـقـَاء مُـهْـجَـتِـي ... ؟؟؟
أنـَا سَـأ ُودِّعُـنِـي الـلـَّـحْـظـة عَـلــَّـنِـي أجـدُنِـي دَاخِـلَ مَـلـْـهَـاة هَـوَاجـسِـي أو عَـلــَّـنِـي أمُـوتُ قـَـبْــلِـي وأنـَا وَحِـيـدٌ فـي رمَـال الـفـُـؤادِ ...
سَـأ ُمْـسِـكُ بـي الآنَ كـَيّ لا تـَـضِـيـعَ مِـنـِّي نـَـفـْـسِـي فـَأنـَا حِـيـنَ خـَـرَجْــتُ مِـنْ مَـبَـادِىء الـرُّوح تـَـنـَـعَّـمَ وفـَـرحَ وتـَـنـَـغـَّـمَ فِـِيَّ قـَـبَـس الـمَـكـَان ... "
لا أقــُولُ هـذا رَسْـمٌ عـلى الـمَـاءِ ...
بَـلْ أقــُولُ هـو حَـفـْـرُ ضَـفـَائِـر الـمَـاء ... وهـذا هـو " الـمـسـعـدي " إنْ أرَدْتَ أنْ تـَـعْـرفـَـهُ ...
إنـَّـهُ مُـبْـدِع إنـْـتـَـبَـهَ لِـخـَـلـَـل فـي مَـزَايَـا نـَـوَافِــذِ الـكـَـلِـمَـات ، فـَأخـَـذ بـأيَـادِي مَـغـَانِـيـهَـا لِـتـَـتـَـسَـنـَّـى لـنـا رُؤيَـتـهَـا مِـنْ بَـعِـيـد ...
مُـبْـدِع يُـشـَاكِـسُـنـَا فـي عُـقـْـر قـُـلـُـوبـنـَا ومَـصَـابـيـح عُـقــُولـنـَا ولا يَـتـْـعَــبُ بَـلْ يُـوَاصِـلُ فـَـيَـبْـنِـي لـنـَا أحْـجَـارًا تـَـفـْـهَـمُ عِـزَّ الـذهَـابِ إلى تـَـوَتـُّـر الأشْـيَـاء فـَـتـُـغـْـدِقُ عَـلـَـيْـنـَا شُـمُـوسًـا تـَـصِـلُ إلى كـَـيْـفِــيَّــةِ نـَـفـْـسـهَـا قـَـبْـلـَـهَـا ... وتـُـضِـيءُ حُـسْـنـهَـا بـلـَـمْـسِـهَـا ...
مُـبْـدِع رَائِـدٌ وفـَـيْــلـسُـوفٌ نـَـوَّرَ خـَارطـة هَـدِيـل عَـقـْـلِـه وحَـرَّكَ حَـافِـلَ شـُـمُـولِـيَّـتِـهِ ووَحَّــدَ تـَـبَـاعُـدَ الـمَـرْجَـان بـأفـْـلاذِ تـَــقـَـشـُّــر الـوَصَـايَـا والـنـَّـجَـمَـاتْ ... غـَامَـرَ فـَأجَـادَ لازَوَردَ الـمُـغـَامَـرة وكـَـتـَـبَ فـَإنـْـسَـاقـَـتْ لـهُ تـَحَـايَـا الـكـَـلِـمَـات وجَـاءَتـْـهُ تـَـوقــُّـعَـات الـسُّـهُـول والـصُّــوَر طـَائِـعَـة فـَأحْـدَثَ كـَونـَـهُ الـجَـمِـيـل وقـَالَ أ ُدْخـُـلـُـوا لـو إسْـتـَـطـَـعْــتـُـمْ ... ومَـا أجْـمَـلَ أنْ تـُـحَـاولَ مَـسْـكَ حُـلـْـم يَـعْـتـَـلِـيـكَ ويَـعْـتـَريـكَ رَذاذهُ عَـسَـلا مُـزَوّقـًا بـالـحُـرِّ والـقـَـسْـطـَـلْ ... !!!
لـَـقـَـدْ ظـُـلِـمَ " الـمـسـعـدي " حِـيـن أ ُتــُّـهـِـمَ بـالإقـَامَـةِ فـي مَـجَـاهِـل الـوُجُـودِيَّـةِ الـعَـبَـثِــيَّـةِ وهـو الـذِي أتـَـمَّ حِـفـْـظ الـقــُـرآن قـَـبْـلَ بَـدْء تـَـعْـلِـيـمـهِ الإبْـتِـدائيّ .. فـَـكـَـيْـفَ يُـتـَّـهَـمُ مَـنْ حَـفِــظ الـقــُـرآن وجَـالَ فـي تـَـمَـام نـَـفـَائِـسِـهِ بـغـَـيَـاهِــبِ الـوُجُـودِيّـة الـعَـبَـثِـيّـة ؟
وهَـلْ مِـن الـسَّـهْــل أنْ يَـكـُـونَ الـمُـفـَـكـِّـرُ الـعَـربـيّ الـمُـسْـلِـم عـلى نـَحْـو مِـنَ الـشـُّـرُودِ والـتـَّـمَـرئِـي خـَارجَ بُـنـُودِ الـذاتِ وتـَـدَلـّـُـل الإنـْـسِـيَـاق إلى مَـرَاتِـيـج الإنـْـغِـلاق الـحَـبـيـس بـنـَاطِـرَاتِ الـخـَـلـْـط والـتـِّـيـه ؟
ولِـمَـنْ عَـابَ عـلى " الـمـسـعـدي " أ ُسْـلـُوبَـهُ أو مَـنـْـهَــجَـهُ أو بَـيَـانـهُ ، أقـُولُ أنَّ الـسَّــدِيـدَ وشـَامِـخَ الـوُجُـودِ أنْ يَـكـُونَ الـوَاحِـد فِــيـنـَا مُـوَرَّدَ الـتــَّــفـَـكـُّــر والـكِـتـابَـة ولـو كـان مَـبْـحُــوحَ الـطـّـوَى والـتــَّــصَــيُّــف ، أمَّـا تـَـرَدّم الأشْـيَـاء وتــَرهُّــل تـَـلـَمُّـظـهَـا فـهـو حَـقـيـقــة الـضَّـيَـاعات الـتي تـُـعْــلِـنُ عَـنْ شـَـفِــيــفِ حَـلِـيـبـهَـا ...
وفي هــذا أقـُـولْ ...
رَجُـلٌ يَـتـْـعَــبُ ... ويَـكـْـتـُـبُ ...
ورَجُـلٌ يَـتـْـعَــبُ ... ولا يَـكـْـتـُـبُ ...
ورَجُـلٌ لا يَـتـْـعَــبُ ... ولا يَـكـْـتـُبُ ...
فـَـيَـا حَـبَّـذا لـَو نـَـتـْـعَــبُ ... ونـَـكـْـتـُـبُ ...
أقـُـولُ رَحِـمَ الله " الـمـسـعـدي " الـذي حَـثــَّـنـَا عـلى الـتــَّـفـْـكِـيـر والـتــَّـفـَـكـُّـر والـتــَّـدبُّــر وأخـْـلـَصَ لـنـا نـَـبَـاريـس أعْـمَـالِـهِ فـَـجَـعَـلـَـنـَا في كـلِّ مَـرّة نـَـلِـجُ عَـالـَـمَـهُ ونـَـتـَـنـَاولُ حَـبَّـات نـشاطـاتـهِ إلاَّ وكـانـت الأسْـئـلـة سَـيِّـدة الـمَـكـَان وقـُـمْـصَـان الـذاكِـرة وخـَلاص قِـيـعَـان الـمَـاء والـسَّـادِرة الـتي لا تـَـكـُون أبَـدًا عَـاطِـلـَـة ... عَـن الـحَـيَـاة ْ... !!!
... / ...
* هوامش :
محمود المسعـدي ( 23 جانفي 1911 ــ 16 ديسمبر 2004 ) .
* حياته في سطور :
كاتب ومفكـِّر تونسي ولد بولاية نابل ـ ( تونس ) .
درس وأتمّ حفظ القرآن قبل أن يلتحق بمرحلة التـّعـليم الإبتـدائي . في العام 1933 أتـمّ دراستـه الثــّانويّـة بالمعهد الصّادقي بتونس مُـلتحقا في العام ذاته بكليّـة الآداب بجامعة السّـربون ليـتـخـرّج منها سنة 1936 . بدأ حياته العمليّـة بالتـّـدريس الجامعي في كلّ من تونس وفرنسا .
إلى جانب التـّـدريس الجامعي إنخرط المسعـدي في الحياة السّـياسيّـة حيث كان مناضلا ضدّ الإستعمار الفرنسي ولعـب دورا كبيرا في شؤون التـّعـليم بالبلاد التـّونسيّـة حينذاك .
أمّـا بعـد الإستـقلال وفي سنة 1956 تولـّى وزارة التـّربية القوميّـة التـّونسيّة حيث أ ُقِـرّت في عهده مجانيّـة التـّعـليم لكلّ التـّونسيـين وأ ُسِّـست الجامعة التـّونسيّـة .
وفي سنة 1976 تولـّى وزارة الشـّؤون الثـّـقافـيّـة التـّونسيّة ليُـنهي مشواره السِّـياسي كرئيس لمجلس النـّـواب .
إضافة إلى كلّ هذه المسؤوليّـات فـَلـَمْ ينس المسعـدي نشاطه الثــّـقافي ، حيث أشرف عام 1944 على مجلـّـة " المباحث " كما أشرف في العام 1975 على مجلـّـة " الحياة الثــّـقافيّـة التـّـونسيّـة " إلى جانب ما كان له من حراك وافر في منظـّـمتيّ اليونسكـو والأليكـسـو ومجمع اللـّـغة العربيّـة في الأردن .
* مؤلـّـفاته :
ـ " حَدَّثَ أبو هريرة قال " : ( سنة 1939 ـ ليُعاد طبعه كاملا سنة 1973 . تـُرجم إلى الألمانيّـة سنة 2009 ) .
ـ " السدّ " : ( سنة 1940 ـ ليُعاد طبعه كاملا سنة 1955 . تـُرجم إلى الألمانيّـة سنة 2007 ) .
ـ " مولد النسيان " : ( نـُشر سنة 1945 وتـُرجم إلى الفرنسيّـة سنة 1993 والهولنديّـة سنة 1995 والألمانيّـة سنة 2008 ) .
ـ " من أيّام عـمران " .
ـ " تأصيلا لكيان " : جُـمعـتْ فيه كلّ متـفرقات كتاباته الأدبيّـة والفكريّـة طوال حياته .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat