حين تتطلخ أيدي الجميع بالدماء الطاهرة وجهة نظر صومالية في الشأن السوري
محمود محمد حسن عبدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أحب أن أبدأ دائمًا بأن وجهة نظرنا هذه، لا يعنيها بقليل أو كثير ما قد يعتبره (الفسطاطان) دافعًا خفيًا لها، فلا خير نرجوه من طرفيه، ولا شرّ نخشى أن يبلغنا منهما، إلّا أننا مقتنعون أن لدينا ما نخسره في المسألة السورية، ومن يتابع ما نكتبه يدرك أن عبارة "المسألة"، تعني أن ما نحن بصدد الحديث عنه، أصبح خارج المسلمات والمبادئ التي نؤمن بها، وتربينا عليها كأبناء لمجتمعات مسلمة شرقية و إنسانية، تميل إلى البحث عن الحكمة في الأمر، قبل الحديث عنه أو أخذ موقف تجاهه.
فلسنا أمة من الغوغاء كما يحب ان يصوّرنا البعض، ولسنا أتباع مغمضي العينين للكهان والسدنة، سواءًا كانوا غالوا يمينًا أو أبعدوا يسارًا، فحين نقول أن لدينا نقول أن لدينا ما نخسره، فإننا نرى بلدًا بناه شعبٌ متحضّر متدّين بطبعه، ونعني الشعب السوري الأخ والشقيق لنا، ونحن نرى ما لم نكن نتوقّعه، من قتل يومي وتدمير يومي يتعرّض له، دون خيار منه ودون أن يُستشار أو يُستأذن، وتلكم استباحة تعرّض لها شعبنا في الصومال، ولا نتمنى للحظة واحدة أن تصيب أحدًا، سواءًا كان قريبًا كالشعبين اليمني والسوري، أو حتى شعب الأونويت حيث تلتقي الأرض بالسماء.
لقد كنت شاهدًا حين أجرت إحدى القنوات الأمريكية، لقاءًا مع الرئيس السوري بشار الأسد، وقال بثقة أن الثورات التي تغلي بها بلدان مصر وتونس واليمن لن تبلغ سوريا، فالشعب السوري مختلف، وأضاف أن عملية الإصلاح ستحتاج لجيل آخر لإتمامها، ولا يمكن لأحد منكم تصوّر الشعور بالذعر الذي انتابني من كلماته تلك، فقد كانت تعبيرًا عن غيبوبة فعلية لدى النظام السوري، ولاشكّ أن هناك الآلاف ممن شاركوني شعوري بخطورة ذلك التصريح الذي أحمّله حقيقة، فتح الباب واسعًا في تحريك قوىً كانت ترغب في الحصول على مستند من النظام لتبدأ تحركها.
لقد غمرني شعور بالذعر حينها، لأسباب خطرت في بالي لحظتها، ثبتت وجاهتها اليوم بعد قريب السنتين من الحراك الذي غزا دروب بلاد الشام، ورد الفعل الأمني القاسي عليه، فقد عبّرت لكل من حولي حينها، أن الرئيس السوري أطلق شرارة الفوضى، لأنه استهزأ بالشعب الذي يعاني كلّه، سواءًا الناعمين بالمنافع الخاصة لخدمة النظام، أو من كان بعيدًا عن عين السلطة وقلبها، بأن اعتبر أنهم عاجزون أن يقدموا تضحية باتجاه تغيير وضع، صرّح في ذات السياق بأنه لن يتغيّر حتى يدفنوا آباءهم، وكلنا يدرك جاذبية الدعاية للثورة في وسط راكد، يبشّر حاكمه بأنه سيبقى راكدًا أمدًا آخر حدّ العطن.
لقد كانت شرارة الحالة التي تجتاح التراب السوري كنوبات الصّرع، نتيجة طبيعية في فشل الدولة، بعد أن أصبحت الرشوة أمرًا طبيعًا، بدءًا بشرطي المرور الذي أصبح تحصيل "الربع" في فترة ما إحدى أهم واجباته أمام مرؤوسيه، وصولًا لشبكات التهريب، التي حوّلت البلد إلى منخل بدءًا من المنافذ الحدودية شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، فحالة الألفة تلك مع الفساد، والتي اعتبرها النظام بالممارسة أمرًا "مستحبًا" جعلت الجميع منخرطين في الفساد شاءوا أم أبوا، فأيُّ قيمة بقيت والكل مساهم في الفساد بصورة أو بأخرى.
وهو ما يجعلنا نرى وقد الأمر أصبح خارج يد الجميع، بدخول المقاتلين الأجانب، أن حفلة ذبح الشعب السوري وتشويه مستقبله، أصبحت مكتملة المكونات والمقادير، فليست مدفعية النظام أو هاونات التمرّد المسلّح، في وارد أن تكون تدافع عن حقّ ما أو مصلحة للشعب ومستقبله، فلم يعد أحدٌ يدري لم يَموتُ أو يُجرح، أو يعتقل أو يؤسر، والمفجع حقيقة أن يظهر اليوم ما كان يتم التستر عليه، أن من الشعب السوري طائفة يجب أن يستمر إذلالها و سب ربّها ونبيها ودينها، حفاظًا على الدولة، أو أنه يجب أن تجاهد طائفة في سبيل إبادة طائفة أخرى - قرُبى إلى الله -، وكأنما أجمعت الأمة على ذلك، أو أن هناك ولي امرٍّ "مخوّلٍ" أن يصدر هذا الأمر، أو ينتدب الناس لتطبيق هذه الفتوى أو تلك.
لقد قيل لنا عبر وسائل الإعلام العابرة للدول، أن الحراك في سورية سلمي، وقال لنا الإعلام الحكومي أن العنف الذي تعرّضت له المظاهرات مبرر، ولم يخبرنا أحدٌ كيف يمكن إيقاف ما يجري من القتل اليومي، لأبناء شعبٍ نحبه بكل محتواه الطائفي والعرقي، ونتمنى له أن يقف وقفة واحدة، ليقول للجميع أنه الطرف الثالث والوحيد المتضرر مما يجري، وأنه لم يكن تركة لأحد، ولا غنيمة سبي لأحد، وأنه على كل طوائفه ومذاهبه لن يُسلموا وطنهم لأحد، ماداموا يؤمنون ـ كل بطريقته ـ بالله الواحد الأحد، فلك الله يا " شام شريف".
وإنني لا أتوقع أن أخذ موقف - كهذا الذي نعبّر عنه اليوم - - أمرًا سهلًا، ولكل مبدأ نظري تطبيق لازم، وعليه فإنني أبرأ من اتهامي لطرف واحد فيما يجري بسورية، بأن أبرأ من قصيدة لي حول الوضع السوري، لا لأن المعنى باطل، بل لأنه قاصر اليوم عن شمل جميع من ينطبق عليهم الوصف بنظرنا.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمود محمد حسن عبدي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat