محيميد في بلاد العجائب
شاكر محمود تركي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شاكر محمود تركي

هي ليس أقتباسا\" لقصة الاطفال المعروفة (اليس في بلاد العجائب)وانما هي هنا تتعلق بصديقنا العراقي الاصيل (محيميد) الذي كان في سبات طويل، ثم أستيقظ فجاءة من دون سابق أنذار ومن دون مقدمات، هكذا وجد(محيميد) نفسه في وجه المدفع.....في بلاد العجائب، حيث ميزانية هذه البلاد مئات المليارات من الدولارات لكن أغلب أفراد هذه البلاد يعيشون تحت خط الفقر،بل بعضهم يعيش تحت خط الصفر.
وفي بلاد العجائب هذه الدولة صرفت المبالغ الطائلة وعلى مدار تسع سنوات على مشاريع الكهرباء الوهمية والحقيقية، ولكن أخونا (محيميد) مازال يعيش في الظلام الدامس وحرارة الصيف اللاهبة وتحت رحمة أصحاب المولدات الاهلية الجشعين الظالمين. ولاننسى عندما تمرض (محيميد) وذهب الى أحد مستشفيات بلاد العجائب وجدها خالية من أبسط المستلزمات الصحية حيث لانظافة ولا دواء ولاأطباء في قلوبهم الرحمة على مرضاهم، بل هم أرشدوه الى العلاج في العيادات والمستشفيات الاهلية (الخمس نجوم) وذات التكاليف الباهظة.
وعندما عاود أبناء(محيميد) الدراسة في المدارس الحكومية، وجدوا التعليم بحاجة الى مئات السنين حتى يكون مثل خلق الله في البلدان المجاورة، وغيرها من بلدان أبعد، ووجد(محيميد) أن الاستاذ الذي كان يصول ويجول، والذي كان يهابه الجميع هو نفسه خائفا\" مذعورا\" من الطلبة، وايضا\" لاحظ (محيميد) أن أغلب المدارس في بلد العجائب أيلة للسقوط على رؤوس التلاميذ الصغار(بل بعض المدارس سقطت بالفعل على الطلبة) . ما عدا أساليب التربية وطرق التدريس المتخلفة في تلك المدارس، حقا\" نحن في بلد العجائب (لان حتى مناهجنا التعليمية أكل عليها الدهر وشرب، لايوجد أسس او ثبات فيها، بل هي متغيرة في كل عام دراسي،وهي لاتواكب الوسائل التعليمية الحديثة المتبعة في دول العالم المتقدمة والمتخلفة.
وعندما يسير (محيميد) في بلاد العجائب يرى الكم من السيطرات الثابتة والمتحركة، والتي لافائدة منها سوى تأخير المواطنون، وصرفهم لساعات طويلة في طوابيرلاأول لها ولا أخر في مداخل الشوارع والمدن، أما عندما يمر موكب أحد المسؤولين فحدث ولاحرج على مدى الضجة التي تحدثها القوات والجحافل التي ترافقه من صياح وسب وأغلاق شوارع وأطلاق عيارات نارية عشواء.
وفي بلاد العجائب تمرعلى (محيميد) أيام دامية كثيرة ( الاربعاء الدامي، الخميس الدامي والسبت الدامي وغيرها من الايام الداميات) كل هذا يحدث و(محيميد) لايعلم شيئا\" وهو يسير في القافلة مفلس فيها، لكنه غير أمن على حياته ورزقه وحياة أفراد عائلته. وحتى عندما أراد (محيميد) التقديم لوظيفة في دوائر الدولة ليعيش منها، وتعتاش معه أسرته، وجد العجب العجاب حيث المحسوبية والرشوة المبالغ فيها، حتى عاد بخفي حنين وهو يلعن الساعة التي أستيقظ منها من سباته. أما مشكلة المياة مع (محيميد) فحدث ولاحرج، فعلى الرغم من توفر نهران عظيمان في بلاد العجائب ، الا أن الحصول على الماء الصافي النقي والخالي من الجراثيم وغيرها من المخلوقات مشكلة عظيمة عجزت حكومة بلد العجائب عن حلها ، فمتى ما حل الصيف نبضت المياة الواصلة الى بيت (محيميد)، وأخذ يشتري مياة الشرب بمبالغ طائلة، تؤثر على ميزانيته الخاوية أصلا\".
(محيميد) في بلاد العجائب يعيش على الهامش، حيث لارأي سياسي ولا مشاركة في العملية السياسية، ويكون مطلوبا\" ومرغوبا\" فيه فقط عندما يحل موسم الانتخابات، عندها جميع الكيانات السياسية الديمقراطية والدكتاتورية تتجه صوب (محيميد) ليكون همها الوحيد أستمالته وأرضائه بعبارات خاوية جوفاء معسولة من الخارج بأطار جميل ومضمون فارغ خالي من المصداقية.
وحتى عندما تتبع (محيميد) الاخبار السياسية المحلية وشاهد التحالفات العجيبة المبنية على مصالح أفراد متسلطين ، ومجموعات سياسية لاهم لها سوى تحقيق أعلى درجات الفائدة والاستفادة لافراد تلك المجموعات،رأى تحالفات سياسية هشة متغيرة الولاء، بين كتلة واخرى تكاد تحسب بالايام، حقا\" أدرك صاحبنا أنه في بلاد العجائب، حيث لاتوجد حقائق ووقائع وبرامج يعتمد عليها، بل كل شي متروك للصدفة، بعيدا\"عن التخطيط الموضوعي والمبرمج.
لكن أكثر ما اثار تعجب أخونا (محيميد) في بلده هي قصة المناطق المتنازع عليها، فلآول مرة في حياته(ومنذ عام1921) يسمع عن مناطق متنازع عليها في بلد يفترض أنه وحدة أدارية واحدة، لايوجد فيه تنازع عن حدود أو مياة أو أراضي أو ثروة وطنية مدفونة في أراضيه. بل يزداد تعجب (محيميد) وحيرته عندما علم أن بضع محافظات شكلت دولة داخل الدولة بحجة الفدرالية، منعت تصدير النفط من أراضيها تحت حجج غير منطقية ولا مقبولة في مفاهيم وقواميس الدول المتحضرة.
وزاد عجب (محيميد) عندما عرف وادرك حجم الثروات التي ملئت خزائن السادة المسؤولين وأبناءهم وأقاربهم وبطانتهم على مختلف مذاهبهم واحزابهم وكياناتهم، بينما تزداد حيرة (محيميد) عندما وصل سعر الكيلو من البصل قبل أيام في بلد العجائب (2500) دينار عجيب.
وبعد تعب أخونا (محيميد) من رؤيته كل هذه الامور(وهناك أمور مخفية أكبر) تحدث في بلده العجيب وتذكر الايام الخوالي الجميلة، قرر بمحض أرادته العودة الى سباته من جديد، لعله يحلم مرة ثانية في بلاد أخرى تكون جميلة خالية من الفقر والحزن والمرض والظلم والجهل والظلام، وتكون شفافة ورقيقة مثل القصة الخالدة الذكر والتي كنا نحبها ونحن صغار قصة (اليس في بلاد العجائب)؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat