التبادل التجاري العراقي التركي.. من الشراكة إلى الهيمنة الاقتصادية

كتابات في الميزان / تشهد العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا تحوّلاً دراماتيكيًا في إطار التبادل التجاري العراقي التركي، إذ تخطط أنقرة لرفع صادراتها إلى العراق إلى نحو 30 مليار دولار سنويًا، بينما يغيب الرد العراقي الرسمي والاستراتيجي الذي يحمي السوق المحلية ويضمن الحقوق المائية الحيوية.

وعدّ خبراء اقتصاديون أن خطة أنقرة لرفع صادراتها إلى العراق لنحو 30 مليار دولار سنويًا، تمثل تحولًا في العلاقة بين البلدين، من شراكة تجارية إلى نمطٍ من الهيمنة الاقتصادية، وسط غياب رؤية عراقية متوازنة تضمن مصالح السوق المحلية.

وكان رئيس غرفة تجارة أنقرة قد كشف مؤخرًا عن وجود “هدف مشترك” بين العراق وتركيا لبلوغ حجم تبادل تجاري يتجاوز 30 مليار دولار، على أن تشكل الصادرات التركية أكثر من 90% من هذا الرقم.

وحسب مؤسسة “عراق المستقبل” الاقتصادية، فإن “التحول الجديد في العلاقة التجارية بين بغداد وأنقرة يعيد صياغة المعادلة القديمة التي عرفت بـ(النفط مقابل الماء) إلى صيغة أخطر، وهي (الاستيراد مقابل الماء)”.

وحذر بيان للمؤسسة العراقية من أن “هذا التوجه يمثل تهديدًا مباشرًا للزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الوطنية في العراق، ويجعل الاقتصاد المحلي مرتهنًا بإرادة خارجية، في وقت يعاني فيه من اختلالات بنيوية عميقة”.

وقال إن “غياب الرد الرسمي يسهم في تكريس التبعية، وفتح السوق العراقية أمام الإغراق غير المنضبط”.

 حجم التبادل التجاري

ويبلغ حجم التبادل التجاري الحالي بين العراق وتركيا نحو 18 مليار دولار سنويًا، حسب تقديرات غير رسمية، في حين لا تتجاوز صادرات العراق إلى أنقرة 2 إلى 3 مليارات دولار سنويًا، إذ تعد المواد الغذائية والملابس والأدوية والمعدات الكهربائية أبرز السلع التي تغرق بها تركيا السوق العراقية.

ويرتبط العراق مع تركيا بثلاثة منافذ حدودية رئيسة، على رأسها منفذ إبراهيم الخليل، في محافظة دهوك، الذي يُعد الشريان التجاري الأكبر، بالإضافة إلى منفذ سرزيري قرب أربيل، ومنفذ سيدكان الأقل نشاطًا.

غياب الرد العراقي

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، دريد العنزي، أن “التصريحات المتكررة من مسؤولين في إيران وتركيا بشأن رفع صادراتهم إلى العراق، تصل إلى أرقام ضخمة تبلغ 30 أو حتى 40 مليار دولار، تؤشر إلى غياب الرد العراقي، سواء السياسي أو الاقتصادي”.

وأضاف العنزي، أن “الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003 لم تنجح في بناء قاعدة إنتاجية تحصّن السوق المحلية، لا زراعيًا ولا صناعيًا؛ ما جعل البلد مرتهنًا للاستيراد من الجيران، دون أن يكون قادرًا حتى على المطالبة بحقوقه المائية”.

ولفت إلى أن “المعابر الحدودية تحولت إلى خطوط إمداد خارجي، وليس منافذ سيادية تخدم الاقتصاد الوطني”.

ويُعد العجز التجاري أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي، إذ تقدر نسبة الاعتماد على الاستيراد بأكثر من 85% من إجمالي احتياجات السوق؛ ما يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسواق الخارجية وسعر صرف الدولار، في ظل محدودية الإنتاج المحلي.

ووفق تقديرات اقتصادية، فإن استمرار هذا الخلل في الميزان التجاري يؤدي إلى استنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة، ويزيد الضغط على الموازنة العامة التي تمول أساسًا من صادرات النفط.

 غياب الرؤية الاستراتيجية

في المقابل، عبّر الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد العبد ربه، عن قلقه من “غياب الرؤية الاستراتيجية للعراق”.

كما أشار إلى أن “المشكلة لا تكمن في حجم التبادل التجاري بحد ذاته، بل في غياب شروط واضحة تضمن مصلحة العراق، سواء على صعيد الاستثمار أو الأمن المائي”.

وأوضح العبد ربه، أن “تحويل العراق إلى سوق استهلاكية للسلع التركية دون فرض شروط لنقل التكنولوجيا أو حماية الصناعات المحلية، سيعمق العجز التجاري، ويضعف القطاعات الإنتاجية، ويستنزف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي”.

ثم لفت إلى أن “تركيا قد تربط زيادة صادراتها إلى العراق بالإفراج عن إطلاقات مائية من نهري دجلة والفرات، في معادلة شديدة الْخَطَر تضعف الزراعة وتزيد التبعية”.

ودعا العبد ربه إلى “تعديل نسبة التبادل لتصبح 60% تركية مقابل 40% عراقية، وتفعيل الاتفاقيات القائمة بشأن إطلاقات نهر الفرات بواقع 500 متر مكعب في الثانية، مع فرض رسوم مؤقتة على السلع المنافسة، ومنح إعفاءات ضريبية لدعم الصناعات الناشئة”.

وتتصاعد المطالبات في العراق، لاستخدام التجارة كورقة ضغط على تركيا لضمان الحقوق المائية، في ظل ما يوصف بتقصير مزمن من الحكومات المتعاقبة في إدارة ملف المياه.

ويؤكد مختصون أن أي اتفاق تجاري يجب أن يكون مشروطًا بتعهدات مائية ملزمة وآلية تنفيذية مشتركة، بما يضمن الأمن المائي للعراق قبل أي مكاسب تجارية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/10



كتابة تعليق لموضوع : التبادل التجاري العراقي التركي.. من الشراكة إلى الهيمنة الاقتصادية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net