«لا تزال يا حسان مؤيدًا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك»
حديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله مخاطبًا به حسّان بن ثابت
مباركًا له أوزانه وقوافيه بشرط الالتزام بالذب عن النبي صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة.
هو أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، شاعر ولد عام 60 قبل الهجرة وتوفي عام 54هـ،
ذاع صيته وانتشر قـصيده، في بيئة عربية تؤمن بقدرة الشاعر على اجتياح الساحة على صعيد الإخبار والإعلام.
فالشاعر لسان الأمة الذي يتكلم بأوجاعها وهمومها ويشكل تاريخها وثقافتها.
وقد كان حسّان مستقيمًا، مجاهدًا بلسانه وشعره، في الذود عن حمى الإسلام ومقدّساته في فترة حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ كان من الناكصين الكارهين للإمام عليّ (عليه السلام) بعد أن أنشد الشعر فيه ومدحه..
روى الشيخ الصدوق عن أبي سعيد، قال:
لمّا كان يوم غدير خم، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديًا، فنادى الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ (عليه السلام)، وقال: اللهمّ مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله، أقول في عليّ شعرًا؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): افعل، فقال:
يناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهم *** بخمٍّ وأسمعْ بالنبيِّ مُناديا”
إلى آخر النص
والنص ارتجالي توثيقي قصصي ولد من رحم حادثة الغدير الأغر
وهو مستمسك حي على من ينكر نص الولاية في يوم الغدير
حيث ألقاه حسان في ذلك الحشد الغفير الذي يقدر بمائة ألف أو يزيدون، وفيهم البلغاء ورواد الخطابة، وشعراء العرب، وشيوخ قريش العارفون بلحن القول، ومعارض الكلام، بمسمع من أفصح من نطق بالضاد (النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله).
النص..
“يناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهم *** بخمٍّ وأسمعْ بالنبيِّ مُناديا”
بهذا استهل ابن ثابت قصيدته مشرِّعًا بذلك بوابة مهرجان شعر الغدير ليلج من بعده الشعراء الموالين والمبدعين بنبض مشاعرهم الولائية ليصافحوا البيعة المباركة التي أمر الله تعالى بها نبيه الخاتم (صلى الله عليه وآله) ليبلغها للأمة الإسلامية بذلك اليوم المبارك.
ووظف الشاعر جمالية التناص عبر الدلالات الفنية البنائية القرآنية في قصيدته، وتداخل معنى أبياته الشعرية مع الآيات القرآنية ومفرداتها وتراكيبها اللغوية، وهذا يعني أن القرآن الكريم شكل له حقلًا خصبًا غنيًا استفاد منه في نصه.
﴿يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾
“وقد جاءَه جبريلُ عن أمرِ ربِّهِ *** بأنّكَ معصومٌ فلا تكُ وانيا”
“وبلّغهمُ ما أنزلَ اللهُ ربُّهم *** إليكَ ولا تخشى هناكَ الأعاديا”
أمر الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقيم عليًا (عليه السلام) علمًا للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على المسلمين.
فقامَ بهِ اذْ ذاكَ رافعَ كفِّهِ *** بكفِّ عليٍّ معلنَ الصوتِ عاليا”
أيها الناس، إني أوشك أن اُدعى فأجيب. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرًا، ثم قال: يا أيها الناس ألم تشهدوا أن لا إله إلا الله- وأن محمدًا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق من بعد الموت- قالوا: [اللهم] نعم، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي- وأنا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
فقالَ: فمنْ مولاكمُ ونبيُّكمْ؟ *** فقالوا، ولم يبدوا هناكَ التعاميا”
إلـٰهكَ مولانا.. وأنتَ نبيُّنا *** ولمْ تلقَ مِنَّا في الولايةِ عاصيا”
ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
فقالَ له: قُمْ يا عليُّ فإنني *** رضيتُك من بعدي إمامًا وهاديا”
“فمنْ كنتُ مولاهُ فهـٰذا وليُّه *** فكونوا له أتباعَ صدقٍ مواليا
هناكَ دعا: اللهمَّ والِ وليِّه *** وكُنْ للذي عادى عليًا مُعاديا”
تناص وثائقي واقتباسي كامل لمضمون حادثة غدير خم، وتنصيب الإمام علي عليه السلام إمامًا للأمة حيث قال الرسول صلى الله عليه وآله:
" قم يا علي فأنني رضيتك من بعدي إمامًا وهاديا"
"فمن كنت مولاه فهـٰذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله"
وكما هو واضح أن حسان بن ثابت استوحى النص الأصلي وحور فيه وذلك باستبدال بعض المفردات ووضع أخرى محلها بحيث يحافظ النص على مستوى اﻹﯾﻘﺎع والوزن الشعري
فيا ربِّ فانصرْ ناصريهِ لنصرِه *** إمامَ هدىً كالبدرِ يجلو الدياجيا”
إن ترتيب أحداث النص أدبيًا انطلاقًا من نقطة البداية *معتمدًا* على السردية حيث كثف تسليط الضوء على حدث بعينة مما خدم فكرة النص.
توج الغدير هذا النص بالخلود ليبقى شاهدا ودليلا لا ريب فيه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat