صفحة الكاتب : مجاهد منعثر منشد

مصرعُ العباسِ وأخوته
مجاهد منعثر منشد

انبَرَى للحربِ عبدُ الله بنُ عليٍّ وجعفرُ وعثمانُ ومحمَّدُ الأَصغر وأَبو بكر ,يقذفونَ بأَنفسهم وسطَ الهَولِ , وأَخوهم العباسُ يهتفُ به قائلًا:

تقدَّمُوا يا بَني أمِّي حتَّى أراكم قدْ نَصَحتم للهِ ولرسولهِ، فإنَّه لا وُلْدَ لكم.

التفَتَ أَبو الفَضلِ لأَخيهِ الأَكبرِ عَبدِ اللهِ ,فخاطبَهُ: تقدَّمْ يا أَخي حتَّى أَراكَ قَتيلًا وأَحتَسِبُكَ.

هَروَلوا إلى قَلبِ الجَيشِ المَسعورِ , لا يُبَالونَ بسيوفِهِ العاويةِ , ورماحِهِ الباغيةِ.

قاتلَ عبدُ اللهِ أَعنفَ وَأَشدَّ قتالٍ حتَّى غَدَرَهُ مِنَ الأَعداءِ هَانِيُ بنَ ثُبَيْتٍ الحَضْرَمِيُّ فَقَتَلَهُ .

وعادَ عدوُّ اللهِ هَانِيُ بنُ ثُبَيْتٍ الحَضْرَمِيُّ يَتَربَّصُ بجعفَرٍ وهو يُقاتلُ فَقَتَلَهُ .

وقتلَ عُثمانُ بنُ عليٍّ عدداً , رَماهُ خُوَلِّي بنُ يَزيدَ الأَصبَحِيُّ بسَهمٍ , ضَعُفَ على أَثَرهِ , وشَدَّ عليهِ رَجُلٌ من بَني دَارمٍ فَحزَّ رأسَهُ, وأَخذهُ يَتَقَرَّبُ بهِ إلى ابنِ مِرجَانَةٍ .

انبرى العباسُ إلى أَخيهِ الحُسينُ يَطلبُ منهُ الرُّخصَةَ بالقتالِ ليلاقي مَصيرَهُ المُشرقَ , هَمَسَ بأُذُنِهِ الإمامُ بصوتٍ خافتٍ : أَنتَ صَاحِبُ لوائي.

أَلَحَّ أَبو الفَضلِ مخاطباً الحسينَ : لقد ضَاقَ صَدري من هؤلاءِ المُنَافقينَ , وأَريدُ أَن أَخذَ ثأري منهم .

طلبَ منه الإمامُ أَنْ يسعَى لتحصيلِ الماءِ إلى الأَطفالِ الذينَ صَرَعَهُم العَطَشُ .

رَكَبَ فَرَسَهُ المُطَهَّمَ ورجلاهُ تَخُطَّانِ في الأَرضِ , وَصَلَهُم , وَعَظَهُم ,حَذَّرَهُم من غَضَبِ اللهِ ونِقمَتِهِ , خَاطَبَ ابنَ سعدٍ : هذا الحسينُ ابنُ بِنتِ رسولِ اللهِ قد قَتَلتُم أَصحابَهُ وأَهلَ بيتِهِ , وهؤلاءِ عِيالُهُ وأَولادُهُ عَطَاشَى فَاسقوهُم منَ الماءِ , قد أَحرَقَ الظَّمأ قُلوبَهُم .

وودَّ من كلامِ العباسِ أَنْ تَسيحَ بهم الأَرضَ , بَكَى بعضُهُم , سادَ صَمتٌ رَهيبٌ .

شِمْرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ تَحَسَّسَ رأفةً بالقومِ , بادرَ قائلاً: يابنَ أَبي تُراب ,لو كانَ وَجهُ الأَرضِ كُلَّهُ ماءً وهو تَحتَ أَيدينا لمَا سَقيناكُمْ منهُ قَطرَةً إلَّا أَن تَدخلوا بَيعَةَ يَزيد.

عادَ أَبو الفَضلِ لأَخيهِ الإمامِ , أَخبرَهُ عُتُوَّ القومِ وطغيانهم , سَمِعَ الأَبِيُّ الشَّهمِ صُراخَ الأَطفالِ, يَستغيثونَ وينادونَ :العَطَشَ العَطَشَ , المَاءَ المَاءَ.

رأَى شِفَاهَهَم ذَابلاتٍ , تَغَيَّرتْ أَلوانُهُم , أَشرفَوا على الهَلاكِ من شِدَّةِ الظَّمأ !

وفزعَ أَبو الفَضلِ وسَرَى الأَلمُ العَاصِفُ في مُحَيَّاهُ, اندفعَ ببسالةٍ لإغَاثَتِهم , حَملَ القِربَةَ , رَكَبَ جوادَهُ , اقتَحَمَ الفراتَ وفَكَّ الحِصَارَ عنِ الماءِ , انهزَمَ الجَيشُ منِ أَمَامِهِ , ذَكَّرَهم بصَولاتِ والدِهِ , انتَهَى إلى الماءِ , قلبُهُ الشَّريفُ نَفَثَ منَ العَطَشِ , اغترفَ من الماءِ غرفةً ليشرَبَ , تَذَكَّرَ عطشَ الحسينِ ونَسائِهِ وأَطفالِهِ , رَمَى الماءَ من يديهِ , امتَنَعَ أَن يَروي غَليلَهُ , قائلًا:

يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني

وبعدَهُ لاَ كُنْتِ أنْ تَكوني

هذا حسينٌ واردُ المَنونِ

وتَشْربينَ بارِدَ المَعينِ

تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني

ولا فِعَالُ صَادِقِ اليقينِ

ملأَ القِربةَ بالماءِ واتَّجهَ فخرُ هاشِمَ نحو المَخيمِ , التَحَمَ معَ الأَعداءِ أَثناءَ الطَّريقِ ,أَشَاعَ فيهم القتلَ , يَحصدُ الرُّؤوسَ وهو يَرتجِزُ:

لا أَرهبُ الموتَ إذا المـوتُ زَقَا

حتَّى أُوارى في المَصاليتِ لِقَى‏

نفسي لِسِبطِ المُصْطَفى الطُّهرِ وِقا

إنّي أَنا العبَّاسُ أَغْدُو بالسِّقَا

ولا أَخافُ الشَّرَّ يومَ المُلتقى‏

كَمُنَ لهُ زَيدُ بنُ رُقَادِ من وراءَ نَخلَةٍ , ذَهَبَ لهُ منْ خَلفِهِ , ضَرَبَهُ على يَمينِهِ فَبَرَأَها .

لمْ يعن عن قَطعِ يَمينِهِ , ارتجَزَ أَبو الفضلِ قائلاً:

واللهِ إن قَطعتُمُ يمينــــي‏

إنّي أُحامِي أَبَداً عن دِيني‏

وعنْ إمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ

نَجْلِ النّبيِّ الطــاهِرِ الأَمينِ

بعدَ بُرهَةٍ كَمُنَ لهُ حَكِيمُ بنُ الطُّفَيلِ الطَّائيّ من وَراءِ نَخلَةٍ , ضَرَبَهُ من خَلفِهِ على يَسارهِ فَبَرأها , حَمَلَ القِربةَ بأَسنانِهِ , رَكَضَ بها نحو عَطَاشَى أَهلِ البيتِ غَيرَ مُبَالٍ ممَّا يُعانيهِ منَ الأَلمِ ونَزفِ الجراحِ وشِدَّةِ الظَّمأ , أَصابَ القِربَةَ سَهمٌ غَادرٌ فَأُريقَ المَاءُ .

وقفَ العبَّاسُ حزيناً , يتأَمَّلُ, اراقَةُ المَاءِ عندَهُ أَشدُّ من ضَربِ السُّيوفِ والرِّماحِ .

استَغَلَّ العدو وقوفَهُ , هَرولَ إليه خبيثٌ يحملُ عموداً من حَديدٍ , ضَرَبَهُ على رأسِهِ فَفَلَقَ هامَتَهُ , هَوَى إلى الأَرضِ , التقطَ أَنفَاسَهُ الأَخيرةَ بتحيةٍ ووَدَاعٍ لأَخيه : عليكَ مِنِّي السَّلامُ يا أَبا عَبدِ اللهِ .

حملَ الأَثيرُ كلمَاتِهِ إلى الحسينِ , حَرَقَهُ قلبُهُ , مُزِّقَتْ أَحشاؤهُ , اقتَحَمَ بجَوادِهِ جيشَ الأَعداءِ ,أَلقَى بنفسِهِ عليهِ , شَمَّهُ ,ضَمَّخَهُ بدموعِ عَينيهِ , لَفَظَ قائلًا: الآنَ انكَسَرَ ظَهري , وقَلَّتْ حِيلَتِي , وشَمَتَ بِي عَدُوِّي .

يا تُرَى هلْ هناكَ بينَ الإنسانيَّةِ هكذا أُخوةُ تَضحيَةٍ وفِداءُ نَفس ؟

...............................

المجموعة القصصية ظمأ وعشق لله ,الباحث الأديب مجاهد منعثر منشد , الطبعة الأولى , دار جسد للمنشورات , بغداد ,ص 101ـ 105.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجاهد منعثر منشد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/13



كتابة تعليق لموضوع : مصرعُ العباسِ وأخوته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net