السقوط في فخ الوعي المتخلف
د . خالد عليوي العرداوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . خالد عليوي العرداوي

يذكر هاني الفكيكي في مذكراته البعثية ( اوكار الهزيمة) قصة مهمة للغاية، ومختصر القصة: انه في اذار سنة ١٩٦١ عندما قام نظام الحكم العراقي الذي يقوده- آنذاك- عبد الكريم قاسم برفع سعر البنزين بمقدار عشرة فلوس للغالون الواحد ( الغالون = ٣.٧ لتر)، فحاول البعث استغلال الامر في إطار صراعه مع قاسم من خلال القيام بالعديد من الاضرابات والمظاهرات والصدامات مع الاجهزة الامنية، وتعطيل حركة النقل العام، واجبار النقابات المهنية على المشاركة تحت التهديد في هذه الاحداث التي سقط فيها العديد من القتلى والجرحى، وقد كانت البلاغات والتعليمات الحزبية المرتبطة بهذا الحدث تكتب على آلة طابعة في بيت القيادي البعثي فائق البزاز في بغداد، وبعد سنوات طويلة من هذه الحادثة، وتحديدا في سنة ١٩٧٢ زار البزاز داره فوجد مسودات جميع هذه البلاغات والتعليمات، ولما اعاد قرائتها مع الفكيكي، قال عنها الفكيكي: انها "بالغة التخلف"، فرد عليه البزاز: " المصيبة لا تكمن في تخلف ما كنا نكتب، بل في أن آلاف الناس كانت على استعداد للموت تحت تأثير هذا الوعي المتخلف".
ان هذه القصة وامثالها تدعونا الى التأمل في الكثير من مواقفنا حيال الاحداث، والأشخاص، والأفكار، والتاريخ والتغيرات من حولنا، فقد تكون هذه المواقف أسيرة وعي متخلف ننسج بقصورنا المعرفي حوله الكثير من التصورات والقرارات التي تصيبنا في وقت لاحق بالخيبة، واحيانا بالندم عندما لا ينفع الندم، فالانسان الذي تأسره الاغلال والجدران والسجانين قد يكون أكثر حرية واقوم ارادة واحسن عاقبة من ذلك الانسان الذي يكون حبيس وعيه المتخلف.
ان تخلف الوعي في حياة الأفراد والشعوب اكثر ضررا واعمق أثرا واطول مدى من كل أشكال التخلف الأخرى وأن بانت قسوتها، بل ان كل أشكال التخلف ما هي إلا انعكاسات بائسة لتخلف الوعي نفسه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat