البُعد القرآني لصحبة العيال في واقعة الطف
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

كانت لنا في العام السابق والذي قبله سلسلة منشورات تبحث عن البُعد القرآني لثورة الإمام الحسين عليه السلام وبحيثياتها المختلفة ، وسنحاول الاستمرار على نفس الفكرة والسياق إن شاء الله تعالى ..
اصطحب أبو عبدالله عليه السلام معه الى كربلاء عياله وأهل بيته ، نساءً وأطفالا ، وكانت كل القرائن والدلائل تشير الى أن الإمام متجه نحو معركة فيها احتمال الانتصار ضعيف جداً .. ولهذا كان اصطحابه لعياله أمراً فيه غرابة ولم يكن أمراً عاديا ، وهذا ما تبيّنه لنا المحاورة التي جرت بين الامام وأخيه محمد ابن الحنفيه عندما أراد الارتحال فجراً من المدينة حيث قال له ابن الحنفية : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال عليه السلام : ( أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فان الله قد شاء أن يراك قتيلا ) ، فقال محمد ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال : فقال [ لي صلى الله عليه وآله ] : ( إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ) ، فسلّم عليه ومضى .
واصطحاب العيال يمكن أن نلتمس له بعض الأسباب والحكم ، غير أننا نريد هنا أن نعطيه بعداً قرآنيا .. ولعلّ أقرب صورة قرآنية لذلك هي حادثة المباهلة - التي مرت علينا ذكراها المباركة قبل أيام - ، قال تعالى ( فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ) ال عمران ٦١.
والمباهلة في حقيقتها عبارة عن معركة ضارية وإن كانت بغير ضربٍ بالسيوف ولا طعنٍ بالرماح ولكن انتصارها وخسارتها تكون نهائية من دون كرّة أخرى كما هو في المعارك العسكرية التقليدية ..
ولقد اختار رسول الله صلى الله عليه واله في ساحة وميدان المباهلة عياله وأهل بيته ، وهم كما تعلمون فاطمة وبعلها وبنوها - وكانوا صغارا - صلوات الله عليهم أجمعين .. ودلالتها كانت واضحة ، وهي مقدار الثقة بالنفس وصدق الدعوة وحقّانية الأمر ، يقول الزمخشري : ( وأمّا ضمّ الأبناء والنساء ، فلأجل أنّ ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة ، وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل ) الكشاف ١/ ٣٢٦ .
وهذا ما جعل نصارى نجران ينسحبون من المباهلة حيث قال لهم أسقفهم : ( يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ) .
وهكذا كان خروج أبي عبدالله بعياله وهم عيال بيت النبوة حجةً بالغةً على الصديق والعدوّ ليقول لهم أن الحق معنا وفينا ، ولكن لم يكن في القوم رجل رشيد كما كان في نصارى نجران ووقعت المباهلة الكبرى ( الملاعنة ) ، وها هم بنو أمية ومن دار حولهم يلعنهم التاريخ ولسان المؤمنين منذ الف واربعمائة سنة وها هو أبو عبدالله عليه السلام ورايات نهضته ترفرف في كل زمان ومكان حتى الانتصار العام والكامل على يد حفيده والآخذ بثأره وثأر أهل بيته وأنصاره عجل الله تعالى فرجه الشريف .. آجركم الله
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat