صفحة الكاتب : حامد كماش آل حسين

مقالات في مناقب المرتضى 24 : منقبة «حديث المؤاخاة»
حامد كماش آل حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مقدمة:

لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.

ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.

·       قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)

·       وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)

ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:

1.   لقب «أمير المؤمنين».

2.   لقب «قائد الغر المحجلين».

3.   لقب «يعسوب الدين».

4.   لقب «أبو تراب».

5.   لقب «إمام المتقين».

6.   منقبة «وليد الكعبة».

7.   لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».

8.   منقبة «قسيم الجنة والنار».

9.   منقبة «أول من أسلم».

10.         لقب «الصديق».

11.         لقب «الفاروق».

12.         لقب «سيف الله المسلول».

13.         لقب «ساقي الحوض».

14.         لقب «ذي النورين».

15.         لقب «باب مدينة العلم».

16.         لقب «صاحب بيعة الغدير».

17.         لقب «حامل لواء الحمد».

18.         منقبة «علي مع الحق والحق مع علي».

19.         منقبة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».

20.         لقب «سيد الثقلين»:

21.         منقبة «إن الإمام علي بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي».

22.         منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة».

23.         منقبة «هجرة أمير المؤمنين علانية».

واليوم نتكلم عن منقبة «حديث المؤاخاة»:

تمهيد:

كان أول عمل باشره النبي «صلى الله عليه واله» في أرض الهجرة أن أزال ما في نفوس الأوس والخزرج من عداء متأصل، نتيجة الصراع الدامي الذي كان يقع بينهم في الجاهلية.

وثنى بعمل رفيع له أهمية في إيجاد المجتمع المتماسك، وهو مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، تلك المؤاخاة التي انتهت في عمقها وأصالتها إلى مرتبة الإيثار، وتحولت إلى نقطة إنطلاق للدعوة الإسلامية، تشق طريقها في الأرض بعدما وجدت سبيلها في النفوس التي صاغها الدين وفق إرادة السماء وأعدها لحمل الأمانة، وقد حدثت المؤاخاة مرتين:

أولاً - المؤاخاة في مكة:

كان رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلم» قد آخى بين المهاجرين أنفسهم بعضهم مع بعض قبل الهجرة، وفيها آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بينه وبين الإمام علي «عليه السلام» وقال للإمام علي «عليه السلام»: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة))، وفي مسند أحمد بنص: ((أنت أخي وأنا أخوك )).(3)

وآخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين بقية المهاجرين في مكة حيث آخى بين:

1.   الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود.

2.   وعبيدة بن الحارث بن المطلب وبلال بن رباح.

3.   ومصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص.

4.   وأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة.

5.   وأبا بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب.

6.   وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.

7.   سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله

ثانياً - المؤاخاة في المدينة:

وبعد الهجرة الى المدينة كرر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» المؤاخاة حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وفي هذه المرة أيضاً «عليه السلام» آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بينه وبين الإمام علي «عليه السلام» وقال كما في المرة السابقة ((أنت أخي في الدنيا والآخرة))، وفي مسند أحمد بنص: ((أنت أخي وأنا أخوك)).

وآخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين بقية المهاجرين والأنصار في المدينة حيث آخى بين:

1.   حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة.

2.   وجعفر بن أبي طالب مع معاذ بن جبل.

3.   وأبو ذر الغفاري مع المنذر بن عمرو.

4.   وسلمان الفارسي مع أبي الدرداء.

5.   وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان.

6.   وبلال بن رباح مع أبي رويحة الخثعمي.

7.   ومصعب بن عمير، مع أبي أيوب الأنصاري.

8.   والزبير بن العوام مع سلمة بن سلامة بن وقش.

9.   وطلحة بن عبيد الله مع كعب بن مالك.

10.         وأبو بكر الصديق مع خارجة بن زيد الخزرجي.

11.         عمر بن الخطاب مع عتبان بن مالك الخزرجي.

12.         وأبو عبيدة بن الجراح مع أبي طلحة.

13.         وعبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع.

وليس معنى هذا أنه لم يكن التآخي إلا بين هؤلاء، وإنما كان هذا أول ما آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين المهاجرين والأنصار، وصار يجددها بحسب من دخل في الإسلام، ومن يأتي إلى المدينة مهاجراً بعد ذلك.

مفهوم المؤاخاة وما يتعلق بها:

ولكون حديث المؤاخاة يتضمن المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم مرة وبين المهاجرين والأنصار مرة أخرى فلابد لنا من الاشارة والتعريف بهذه المفردات اتماماً للفائدة وهي:

1.   تعريف المؤاخاة لغة واصطلاحاً.

2.   تعريف المهاجرين لغة واصطلاحاً.

3.   تعريف الأنصار لغة واصطلاحاً.

أولاً- التعريف بالمؤاخاة:

المؤاخاة لغة:

أصل كلمة «أخ» كما في كتب اللغة:

-        (أخو «بفتح الخاء» لأنه جمع على «آخاء» مثل آباء، ويجمع أيضاً على «إخوان»، وعلى «إخوة» بكسر الهمزة وضمها أيضاً، وأكثر ما يستعمل «الإخوان» في الأصدقاء و«الإخوة» في الولادة).(4)  

-        والأخُ: (هو المشارك آخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما، أو من الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين، أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة، وفي غير ذلك من المناسبات).(5)

-        وقال بعض النحويين: سمي الأخ أخاً لأن قصده قصد أخيه، وأصله من وخى أي قصد، فقلبت الواو همزة.(6)

وآخى الرجل مؤاخاة وإخاء ووخاء، وتقول: بيني وبينه أخوة وإخاءٌ، وتأخيت أخا: أي اتخذت أخاً.

وفي المعجم الوسيط: (آخى فلاناً مؤخاة وإخاء: اتخذه أخاً).(7) 

وفي الحديث: أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» آخى بين المهاجرين والأنصار، أي ألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان.

والإخاء: المؤاخاة والتأخي، والأخوة: قرابة الأخ، والتأخي اتخاذ الإخوان.(8) 

المؤاخاة أصطلاحاً:

هي ما قام به رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في مكة حين آخى بين المهاجرين أنفسهم قبل الهجرة، وكذلك لما قدم المدينة فقد آخى بين المهاجرين والأنصار بعد خمسة أو ثمانية أشهر أو أقل، أو أكثر(9) من الهجرة.

-        قال أبن سعد في الطبقات:

((... قالوا لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينهم على الحق والمؤاساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام وكانوا تسعين رجلا خمسة وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار ويقال كانوا مائة خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار وكان ذلك قبل بدر فلما كانت وقعة بدر وأنزل الله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وأنقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه ...)).(10) 

آخى بينهم على الحق والمواساة (وقيل: والتوارث) فنزلت سورة الأنفال التي تجعل الإرث لأولي الأرحام قبل أن يموت أحد من المتآخيين(11)، لأن أول من مات من المهاجرين كما يقول أهل السنة هو عثمان بن مظعون، مات بعد بدر.(12)

-        يقول السيد جعفر مرتضى العاملي:

((.. ونحن نشك في أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد آخى بينهم على التوارث:

1.   لأن رفع هذا الحكم إن كان نسخاً، فلا معنى للنسخ قبل حضور وقت العمل، كما أنه يلزم أن يكون تشريع التوارث للمتآخين عبثاً، وبلا فائدة.

إلا أن يقال: إن نفس جعل الحكم، وأن يعيش المسلمون هذه الأجواء الأخوية، والشديدة التلاحم إلى هذا الحد، كان ضرورياً في تلك الفترة من الزمن.

ولكن الذي تطمئن إليه النفس هو أن نفس المسلمين، أو بعضهم، هم الذين تخيلوا أن هذه الأخوة ربما تمتد إلى حد توريث بعضهم من بعض.

2.   لماذا لم يورث النبي «صلى الله عليه وآله» ممن استشهدوا في بدر من المهاجرين أو الأنصار، مع أن ذلك قد كان قبل نزول آية «... وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ...»(13)، حيث إن قولهم: إنه لم يمت أحد من المؤمنين قبل عثمان بن مظعون، الذي مات بعد بدر، لا يصح، إذ قد استشهد في بدر نفسها عدد منهم، نعم يمكن أن يكون عثمان بن مظعون أول مسلم مات حتف أنفه، أو لعله أول مسلم مات من المهاجرين.

3.   إن كون عثمان بن مظعون مات بعد نزول الآية الرافعة للحكم السابق غير معلوم، وإنما ذلك محض اجتهاد من المؤرخين والمؤلفين.(14)

ثانياً - التعريف بالمهاجرون:

المهاجرون لغة:

جمع مهاجر، والمهاجر هو كل من فارق رباعه من بدوي أو حضري وسكن بلداً آخر.(15)

والهجرة في الأصل: الاسم من الهَجْر، ضد الوصل، وقد هجره هجراً وهجراناً، ثم غلب المعنى على الخروج من أرض إلى أرضٍ آخرى، يقال منه: هاجر مهاجرةً، فالهِجْرَةُ: الخروجُ من أَرضٍ إِلى أُخرى. وهي انتقال الأَفراد من مكان إِلى آخرَ.(16)

المهاجرون اصطلاحاً:

هم المسلمون الذين صلوا إلى القبلتين، أو شهدوا بدراً، أو أسلموا قبل الهجرة(17)، وكل من هاجر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» في المدينة، قبل فتح مكة.

ويطلق أسم المهاجرين على المسلمين الذين أسلموا قبل فتح مكة وهاجروا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في المدينة واستوطنوها، وتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم، رغبة فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرة لدين الله، وقد اثنى الله عليهم في كتابه في عدة آيات.

ثالثاً - التعريف بالأنصار:

الأنصار لغة:

جمع ناصر، كصاحب وأصحاب، كما تجمع ناصر على ناصرين ونصار، اسم فاعل من نصر، أو جمع نصير، كشريف وأشراف، (ناصر أو نصير) وكلاهما صواب، والنصير: فعيل، بمعنى فاعل أو مفعول، لأن كل واحد من المتناصرين ناصر ومنصور.

ونصير: صيغة مبالغة من ناصر، ومعناه: المساعد، والمعين، والمناصر، والمؤيد.

يقال: نصره على عدوه ينصره نصراً، واستنصره على عدوه: سأله أن ينصره عليهم، وتناصر القوم: إذا نصر بعضهم بعضاً، وانتصر منه: انتقم.(18)

ولفظ الأنصار يأتي بمعنى: الأعوان المناصرين والمؤازرين والأتباع والحلفاء، وأهل الاتباع والتصديق.

وهذا اللفظ (الأنصار) بهذا المعنى اللغوي يمكن إطلاقه لغةً على كل من اتصف بهذا الوصف.

الانصار اصطلاحاً:

وفي المعنى الاصطلاحي الأمر ليس ببعيد عن المعنى اللغوي، فأنصار الرجل هم حلفاؤه وأتباعه ومؤيدوه في النزاعات، ومعاونوه على أمره.

ومن هنا جاء تعريف الأنصار في الاصطلاح الشرعي بأنهم الأوس، والخزرج من الأزد سكان المدينة: سماهم الله عز وجل بذلك لما نصروا رسوله، وآووه، وكانوا له نعم الحلفاء والأتباع.(19)

فالأنصار اصطلاحاً: يطلق على من أسلم من أهل المدينة بعد هجرة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» من الأوس، والخزرج، يسمون الأنصار.

والأنصار اسم سماه الله تعالى لكل من ناصر نبيه محمداً «صلى الله عليه وآله وسلم» وآواه في المدينة(20)، وأولادهم يدخلونه بالنسب، فيقال: الأنصاري للواحد منهم ومن أبنائهم.

لأنصار هم أهل المدينة المنورة الذي استقبلوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأصحابه المهاجرين، وآووهم في المدينة وقاسموهم أموالهم ولم يبخلوا عليهم بشيء، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

فـائدة:

لقد أثنى الله تعالى على المهاجرين والأنصار في القرآن في عدة آيات، ولا بد من الإشارة ان الآيات المذكورة لا تدل على تأييد جميع المهاجرين والانصار حتى ولو انحرفوا عن الخط السليم، ولكن غاية ما يمكن أن يدعى ان فيهما اطلاق، وقد ثبت في محله ان الاطلاق محمول على المقيد ان ثبت التقييد، أي إن لم يرد قيد فالاطلاق محكم وإلا فلا، وفي المقام قد ثبت بالادلة الواضحة انحراف جماعة عن الخط النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة «صلى الله عليه وآله».

ولكن يصر بعض المفسرين على إعتبار جميع الصحابة بدون إستثناء متصفين بجميع الصفات الإيجابية (للمهاجرين والأنصار والتابعين) وأنهم نموذج يقتدى بهم من حيث نزاهتهم وطهرهم والتسامح فيما بينهم، وكل خلاف صدر منهم أحياناً سواء في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أو من بعده فإنهم يغضون النظر عنه، وبهذا اعتبروا كل مهاجر وأنصاري وتابع شخصاً محترماً ومقدساً بصورة عامة، دون الإلتفات إلى أعمالهم وتقييمها حسب الموازين الشرعية، وهذا الفهم مرفوض.

الأحاديث:

1.   عن ابن عمر، قال: (آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين أصحابه، فجاء علي «عليه السلام» تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم توآخ بيني وبين أحد، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أخي في الدنيا والآخرة).(21)

2.   عن محمد بن عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، يحدث عن أبيه عن جده عن أبي جده عمار قال: (سمعت أبا ذر جندب بن جنادة يقول: رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» آخذاً بيد علي فيقول: يا علي! أنت أخي وصفيي ووصيي ووزيري وأميني، مكانك مني مكان هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، من مات وهو يحبك، ختم الله عزوجل له بالأمن والإيمان، ومن مات وهو يبغضك، لم يكن له نصيب من الإسلام).(22)

3.   عن حذيفة بن اليمان، قال: (آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين أصحابه الأنصار والمهاجرين فكان يؤآخي بين الرجل ونظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب «عليه السلام» فقال: هذا أخي، قال حذيفة: رسول الله «صلى الله عليه وآله»  سيد المسلمين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعلي بن أبي طالب أخوان).(23)

4.   عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه عن جده: (إن رسول الله «صلى الله عليه وآله»  آخى بين الناس فترك علياً في آخرهم لا يرى أن له أخاً، فقال: يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: ولما تركتك، إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، قال «صلى الله عليه وآله»: فإن حاجك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب).(24)

5.   عن «علي عليه السلام» قال: (آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين عمر وأبي بكر، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، وبين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام، وبين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك أبي وقاص وبيني وبين نفسه).(25)

6.   عن ابن عباس، قال: (كان علي «عليه السلام» يقول في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله يقول: «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم»(26)، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لإن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارث علمه، فمن أحق به مني).(27)

7.   عن سعيد بن المسيب، قال: (آخى بين أصحابه في مكة، فآخى بين أبي بكر وعمر، وقال لعلي: أنت أخي).(28)

8.   عن ابن عباس قال: (لما خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مكة خرج علي بابنة حمزة فاختصم فيها علي وجعفر وزيد إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال علي: ابنة عمي وأنا أخرجتها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي، وكان زيد مؤاخيا لحمزة آخى بينهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لزيد: أنت مولاي ومولاها، وقال لعلي: أنت أخي وصاحبي، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي وهي إلى خالتها).(29)

9.   عن ابن عباس قال: (قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي، وقال: يا ام سلمة، اشهدي واسمعي هذا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي، وبابي الذي اوتى منه، أخي في الدنيا وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى).(30)

10.         عن أبي سعيد الخدري، قال: (لما أسري بالنبي «صلى الله عليه وآله» يريد الغار، بات علي بن أبي طالب «عليه السلام» على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب «عليه السلام»  آخيت بينه وبين نبيي «محمد صلى الله عليه وآله» فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك بابن أبي طالب، الله عز وجل يباهي بك الملائكة، فأنزل الله تعالى: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ...»(31)).(32)

11.         قال البلاذري في ترجمة الإمام علي «عليه السلام» في أنساب الأشراف: (ولما هاجر الرسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة، أمر علياً «عليه السلام» بالمقام بعده بمكة حتى أدى ودائع كانت عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» للناس، فأقام ثلاثاً، ثم لحق به فنزل معه على كلثوم بن الهدم الأنصاري فآخى بينه وبين نفسه).(33)

12.         عن زيد بن أبي أوفى، قال: (لما آخى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بين أصحابه ، وآخى بين عمر وأبي بكر، فقال علي: يا رسول الله، ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان من سخطة علي، فلك العتبى والكرامة، فقال «صلى الله عليه وآله وسلم»: والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي.

قال: يا رسول الله ما أرث منك.

قال: ما أورثت الأنبياء.

قال: ما أورثت الأنبياء قبلك.

قال: كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي).(34)                       

الهدف من المؤاخاة:

وتهدف حادثة المؤاخاة الى تمتين عرى الروابط بين المسلمين وتأكيدها، واستئصال جذور الجاهلية والتعصب، وهي رابطة تقوم على أساس الإيمان بالله عز وجل وباليوم الآخر ووحدة الهدف والغاية.

وقبل ذلك «كان الصراع داخل المدينة متوتراً بين الأوس والخزرج، ولكن الإسلام جعلهم موحدين أنصاراً، وبمؤاخاتهم مع المهاجرين تحققت للإسلام أرضية جديدة، كان مقدراً لها أن تغير تأريخ المدينة أولاً، وجزيرة العرب فيما بعد ثانياً».(35)

لذلك يعتبر عقد المؤاخاة من أهم الأعمال التي قام بها النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله وسلم»  من أجل انجاح مسيرة المجتمع المسلم، وقد شرعت لعدة عوامل:

1.   بناء مجتمع إسلامي جديد يقوم على روابط جديدة تختلف عما كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام، وهي رابطة العقيدة، والأخوة الإسلامية التي أصبحت الرابطة الأولى التي تربط أفراد المجتمع المسلم، بعيداً عن عصبيات الجاهلية، بل أكدت على الوحدة الإسلامية، قال تعالى «إنما المؤمنون إخوة».

2.   معالجة الأزمة المالية الناتجة عن الهجرة التي قام بها المهاجرون إلى المدينة المنورة، فقد ترك المهاجرون من مكة أموالهم ودورهم، وخرجوا فارين بدينهم، ومن الطبيعي أن يسبب هذا مشكلة للدولة الناشئة حديثاً، إلى أن يتمكن هؤلاء من استعادة وضعهم الحياتي الطبيعي، وقد دعى هذا إلى ضرورة وجود حل سريع وعلاج لهذه المشكلة حتى لا تتفاقم الأزمة، فكان تشريع هذا القانون خير علاج لذلك، إذ أعطى المهاجرين ارتياحاً وشعوراً بالطمأنينة والاستقرار، من دون أن يكونوا عبئاً  على الأنصار الذين عرضوا على المهاجرين اقتسام الممتلكات معهم، كما شهد القرآن الكريم لهم بذلك، قال تعالى «والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».

3.   تغيـير الفكر الجاهلي، ونفي وجود التحالف، فليس القادمون إلى المدينة المنورة حلفاء للأوس، ولا حلفاء للخزرج، بل هم أخوة إسلام ومعتقد، فلا يفرق بين هذه القبيلة، ولا بين تلك.

4.   البعد الاجتماعي بتخفيف وحشة الغربة، فإن من يكون له أخ في غربته، يختلف حاله عمن لا يكون له من يرتبط به، ويأوي إليه ليأنس به.

5.   تمكن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله وسلم» من خلال عقده للمؤاخاة من القضاء على كافة الاختلافات والرواسب القديمة التي كانت باقية بين المسلمين من المهاجرين والأنصار إلى ذلك اليوم، وتمكن من حل واحدة من المشاكل الأساسية التي كانت تواجه الدولة الفتية والحديثة الإنشاء، لأن المسلمين مهاجرين وأنصار، قد نشأوا في بيئتين مختلفتين، ومن الطبيعي أن يكون لذلك أثره في السلوك والمعاشرة، وطريقة التفكير، كما أن الأنصار وهم الأوس والخزرج كان بينهم رواسب عداء قديم وبقايا ضغائن نشأت من خلال الحروب الطويلة التي استغرقت سنين طويلة، وهذا كان يشكل مانعاً من إيجاد سبل الحياة والاستقرار بسلام، فكانت المؤاخاة السبيل الأسلم للقضاء على ذلك.(36)

كلمة قيمة ودلالات:

هذه كلمة قيمة للسيد القاضي نور الله التستري في كتابه القيم احقاق الحق توضح لنا دلالات مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» للإمام علي «عليه السلام»:

((لما نزل قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة»(37)، آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين الأشكال والنظائر بوحي من الله تعالى، ليكون كل أخ يعرف بنظيره وينسب إلى قرينه، ويستدل به عليه ويتضح به شرف منازل الأصحاب، ويتميز به الخبيث من الطيب، والمميز لهم كان جبرئيل «عليه السلام»، مع ان مماثلة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لا تقع الا على الصحة والسداد، لأنه «صلى الله عليه وآله وسلم» لا يجوز ان يشبه الشيء بخلافه ويمثله بضده، لكن يضع الاشياء في مواضعها للمواد المتصلة به من الله تعالى، فقوله «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي «عليه السلام»: أنت أخي وأنا اخوك، يريد به ان المناظرة والمشابهة والمشاكلة بينهما من الطرفين وفي جميع المنازل الا النبوة خاصة، والعرب تقول للشيء انه أخو الشيء إذا شبهه وماثله وقارنه ووافق معناه، ومن ذلك:

-        قوله تعالى: «إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة»(38)، وكانا جبرئيل وميكائيل «عليهما السلام».

-        وقوله تعالى: «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء».(39)

ومعلوم ان الاخوة في النسب فقط لا توجب فضلاً، لان الكافر قد يكون اخا لمؤمن، لكن الاخوة في المماثلة والمشابهة هي الموجبة للفضل، ومولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» حصلت له من رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الاخوة فيها وفي مراتب كثيرة.

·       منها: انه مماثله في النفس بنص القرآن المجيد وقد سبق بيانه في آية المباهلة.(40)

·       ومنها: انه مضاهيه في الولاية لقوله تعالى: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا»(41) وقد تقدم ايضاً.

·       ومنها: انه مناظره في العصمة بدليل قوله تعالى: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت»(42)، وقد مضى شرحه.

·       ومنها: انه مشابهه ومشاركه في الأداء والتبليغ بدليل الوحي من الله سبحانه إلى الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» يوم اعطى براءة لغيره، فهبط جبرئيل «عليه السلام» وقال: لا يؤديها الا أنت أو رجل منك، فاستعادها من أبي بكر ودفعها إلى علي «عليه السلام»، وقد سلف بيانه.

·       ومنها: انه نظيره في النسب الطاهر الكريم.

·       ومنها: انه نظيره في الموالاة، لقول النبي «صلى الله عليه وآله» من كنت مولاه فعلي مولاه كما مر.

·       ومنها: فتح بابه في المسجد كفتح باب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وجوازه في المسجد كجوازه ودخوله في المسجد جنباً كحال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وقد مر ايضاً.

·       ومنها: انه نظيره في النور قبل خلق آدم بأربعة آلاف عام، والتسبيح والتقديس يصدر منهما لله عزوجل، وقد تقدم هذا ايضاً.

·       ومنها: أن نظيره في استحقاق الامامة، لانه يستحقها على طريق استحقاق النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» النبوة سوآء، بدليل قوله تعالى لإبراهيم: «إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي»(43)، وقد مر بيان ذلك، وانهما «عليهما السلام» دعوة إبراهيم الخليل «عليه السلام».

·       ومنها: أنه أخوه بسببين آخرين وهو: أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» كان يسمي فاطمة بنت أسد أما، والعم يسمى أبا بدليل قوله تعالى: «وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر».(44)

قال الزجاج: أجمع النسابون ان اسم أب إبراهيم تارخ، وبقوله تعالى حكاية عن يعقوب «ما تعبدون من بعدي»(45)، وإسماعيل كان عمه.

إلى غير ذلك من الاشياء الشريفة التي شابهه وناظره فيها وتعذر استقصاؤها ههنا، ومن يكون مشاكلاً ومضاهيا للرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» في هذه المراتب العظيمة الجليلة، لاريب في انه يكون احق بالخلافة واجدر ممن لم يحصل له شيء من هذه أو بعضها، وهذا ظاهر لمن تأمله، بين لمن تدبره، ان شاء الله سبحانه»)).(46)

شبهات وردود:

نص الشبهة:

-        يقول ابن تيمية:

((المؤاخاة بين المهاجرين، كما يقال أنه آخى بين أبى بكر وعمر وأنه آخى علياً ونحو ذلك، فهذا كله باطل وإن كان بعض الناس ذكر أنه فعل بمكة، وبعضهم ذكر أنه فعل بالمدينة وذلك نقل ضعيف، إما منقطع وإما بإسناد ضعيف، والذي في الصحيح هو ما تقدم، ومن تدبر الأحاديث الصحيحة والسيرة النبوية الثابتة تيقن أن ذلك كذب)).(47)

-        وقال أيضاً وهو يرد على العلامة الحلي:

((والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الإسناد .... الخ

الوجه الثاني: «أن هذا» مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة.

الثالث: أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والأنصار بعضهم مع بعض، كلها كذب. والنبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يؤاخ علياً، ولا آخى بين أبي بكر وعمر، ولا بين مهاجري ومهاجري، لكن آخى بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع، وبين سلمان الفارسي، وأبي الدرداء، وبين علي، وسهل بن حنيف)).(48)

الجواب:

ويرد عليه بالنقاط التالية:

1.   هذا الحديث صحيح وهو مروي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» وعن أم سلمة وعائشة وعن ابو سعيد الخدري وعن سعد بن أبي وقاص وعن  ابن عمر ..... فهو متواتر على بعض تعاريف أهل السنة للتواتر.

2.   وهذه بعض النماذج من أحاديث المؤاخاة التي ينكرها المبغض أبن تيمية:

-        روى الحاكم في المستدرك: بسنده عن ابن عمر قال: ((إن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فقال علي «عليه السلام»: يا رسول الله، إنك قد آخيت بين أصحابك، فمن أخي، قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما ترضى يا علي أن أكون أخاك، قال ابن عمر: وكان علي جلداً شجاعاً، فقال علي: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أخي في الدنيا والآخرة)).(49)

-        وأخرج الترمذي: عن ابن عمر قال: ((آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أنت أخي في الدنيا والآخرة)).(50)

-        وروى الحاكم في المستدرك: بسنده عن ابن عباس قال: ((كان علي «عليه السلام» يقول في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله يقول: «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم»(51)، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لإن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارث علمه، فمن أحق به مني)).(52)

3.   قال الهيثمي في مجمع الزوائد:

((رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة، وقال أخرجه أحمد في المناقب، والنسائي في الخصائص، والذهبي مختصراً في ميزان الاعتدال)).(53)

4.   قال ابن حجر في فتح الباري على شرح البخاري: وهو يرد على ابن تيمية:

((وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»، قال: لان المؤاخاة شرعت لارفاق بعضهم بعضاً وليتألف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي لاحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري.

وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لان بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الاعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الاعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي «عليه السلام» لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لان زيداً مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة إن بنت حمزة بنت أخي، وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس: آخى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين.

(قلت): وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر: آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان، وذكر جماعة، قال: فقال علي: يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي قال أنا أخوك، وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به ...)).(54)

فالحافظ ابن حجر العسقلاني خالف ابن تيمية فيما ذهب إليه، وانتقده في ذلك، ورجح حديث المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم، وبين رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» والإمام علي «عليه السلام»، مدعماً رأيه بما نقلناه عنه.

5.   وذكر الزرقاني في شرح المواهب: جملة من الأحاديث والكلمات الواردة في كلتا المرتين من المؤاخاة، وقال: وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي «عليه السلام».(55)

ثم أوعز إلى مزعمة ابن تيمية ورد عليه بكلام الحافظ ابن حجر المذكور.

6.   قال صاحب كتاب تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية:

((إن حكم هذا الرجل ببطلان حديث المؤاخاة الثابت بين المسلمين على بكرة أبيهم يكشف عن جهله المطبق بالحديث والسيرة، أو عن حنقه المحتدم على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلا يسعه أن ينال منه إلا بإنكار فضائله، فكأنه آلى على نفسه ألا يمر بفضيلة إلا وأنكرها وفندها ولو بالدعوى المجردة.

وقصة المؤاخاة وقعت بين أفراد الصحابة قبل الهجرة مرة، وبين المهاجرين والأنصار بعدها مرة أخرى، وفي كل منهما وآخى هو «صلى الله عليه وآله وسلم» أمير المؤمنين «عليه السلام»، وحسب الرجل ما في فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني... «ونقل كلامه اعلاه»)).(56)

7.   ليس ابن تيمية فقط بل القوم ابناء القوم ولهذا تجدهم يتفننون في رد فضائل الإمام علي «عليه السلام» تارة بالسند، وتارة بالدلالة، وتاره لعدم موافقته لاهوائهم، وتاره المرور عليها مرور الكرام وكأن الفضيلة او المنقبة حدث عادي.

انظر الى محمد حسين هيكل: فقد ذكر خبر المؤاخاة في كتابه حياة محمد «صلى الله عليه وآله وسلم»، فقال:

((كان أول ما انصرف إليه تفكيره «صلى الله عليه وآله وسلم» تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم للقضاء على كل شبهة في أن تثور العداوة القديمة بينهم ولتحقيق هذه الغاية دعا المسلمين ليتأخوا في الله أخوين أخوين فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وعمه حمزة ومولاه زيد أخوين وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخزرجي أخوين)).(57)‍

وعقب السيد محسن العاملي على قوله:

((فتراه كيف ذكر مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي كأمر عادي لا يزيد على المؤاخاة بين باقي الصحابة بعضهم مع بعض ولم يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه ولا أعارها جانباً من الأهمية وتركها غفلاً كسائر الأمور العادية وهي أولى بان تكون رمزاً إلى الميزة على سائر الناس وانه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره)).(58)

وبعد هذا فأين مصداقية ابن تيمية ومن يتبعه ويسير على منواله وهواه، وصدق الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه الكريم:

((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)).(59)

الشواهد الشعرية:

1.   أبو تمام الطائي:

أخوه إذا عد الفخـــــــــــــار وصهره

          ... فما مثله أخ ولا مثله صــــــــــــــــــهر

وشـــــــــــــــــــــــــــد به أزر النبي محمد

          ... كما شد من موسى بهارونه الأزرُ

2.   ابن حماد العبدي:

أخـــــذ الإله عـــــلى البـــــــــــــرية كلها

          ... عـــــهدا لـــــه يــوم (الغدير) وثيقا

وغــــداة واخى المصطفى أصحابه

         ... جعـــــل الــوصي لــه أخا وشقيقا

 وقال أيضاً:

أمـــــا قـــــال فيـــــه أحــــــــــــمد وهــو قائم

          ... عـــــلى منـــــبر الأكـــــــــــــــوار والناس نزل

عـــــلي أخـــــي دون الصحــــابة كلهم

          ... به جـــــاءني جـــــبريل إن كـــــنت تــسأل

3.   ابو محمد الشويكي:

والــــــــــد السبطين من ست النسا

          ... بنت خير الأنبياء ذات الحجال

من له المختار واخى في الورى

          ... مرغما أعــــــــــــــــــدائه أهل الضلال

4.   البشنوي الكردي:

فــــلاقاه بالتــــرحيـــب ثـــــــم ارتقى به

          ... إليــــه وصــار الطـــــــــــهر للمصطفى ثان

وشــــال بعــــضديه وقال وقد صغى

         ... إلـى القول أقصى القـــــــوم تالله والدان

عــــلي أخــــي لا فـــرق بــــيني وبــينه

         ... كهارون من موسى الكليم ابن عمران

5.   الجوهري الجرجاني:

هـــــذا عـــــلي مــــــــــــــــولى مـن بعثت له

          ... مـــــولى وطـــــابق ســري فيه إعلاني

هـــــذا ابـــن عمي ووالي منبري وأخي

          ... ووارثــي دون أصحـــابي وإخــوانـــي

6.   ابن الحجاج البغدادي:

لا قدس الله قـوما قـــال قائلهم:

          ... بخ بخ لــــك مــن فضـل ومن شرف

وبــــايعــــوك (بخم) ثــــم أكــــدهــــا

          ... (محمد) بمقــــال منــــه غــــير خــــفي

عــاقوك واطرحـوا قول النبي ولم

          ... يمنعهــــم قــــوله: هــــذا أخـــي خلفي

7.   ابو محمد العوني:

أم مـــــن ســــــــواه يقول فيه أحمد

         ... يـــــوم (الغـــــدير) وغــــــــيره أياما

هـــــذا أخــــي مولاكم وإمامكم

          ... وهــو الخليفة إن لقيت حماما

وختاماً:

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يثبتنا على ولاية محمد وآل محمد وان يوفقنا للسير على نهجهم وان يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم، ... وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.

الهوامش:

(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.

(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.

(3).  مسند أحمد ج1 ص230.

(4). مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ص14.

(5). المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص13.

(6). كما في لسان العرب لأبن منظور ج14 ص22.

(7). المعجم الوسيط مادة (أخو).

(8). لسان العرب لأبن منظور ج14 ص22 باختصار، وراجع: تاج العروس للزبيدي ج10 ص10، الصحاح للجوهري ج6 ص2246.

(9). راجع البحار ج19 ص122، مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص152، المواهب اللدنية ج2 ص71، تاريخ الخميس ج1 ص35 ، وفاء الوفاء ج1 ص267، فتح الباري ج7 ص210، والسيرة الحلبية ج2 ص92.

(10). الطبقات الكبرى لأبن سعد ج1 ص184.

(11). راجع بحار الأنوار للمجلسي ج19 هامش ص130 ، السيرة الحلبية ج2 ص92.

(12). الإصابة ج2 ص464، الكامل لابن الأثير ج2 ص141.

(13). سورة الأنفال/ الآية (75).

(14). الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» للسيد جعفر مرتضى العاملي الجزء الخامس، الفصل الثالث.

(15). تهذيب اللغة للأزهري ج6 ص29 ، معجم اللغة العربية المعاصرة  أحمد مختار عمر ج3 ص2325.

(16).  النهاية في غريب الحديث لإبن الأثير ج5 ص244.

(17).  الكليات، الكفوي، ص٨٨٣.

(18). مختار الصحاح ج1 ص688، معجم اللغة العربية المعاصرة أحمد مختار عمر ج٣ ص2220.

(19).  مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار العيني ج3 ص382.

(20). نفس المصدر السابق: مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار العيني ج3 ص382.

(21).  الجامع الصحيح ج2 ص299 ، المستدرك على الصحيحين ج3 ص14.

(22).  ينابيع المودة ص148.

(23).  مناقب عليّ بن أبي طالب ج ص38، السيّرة النبويّة لابن هشام ج2 ص150 ، البداية والنهاية ج3 ص226.

(24).  تاريخ ابن عساكر ج1 ص121.

(25).  كنز العمّال ج6 ص 394 .

(26).  سورة آل عمران: الآية/144 .

(27). مستدرك الحاكم ج3 ص126، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ج9 ص134، الرياض النضرة ج2 ص226، خصائص النسائي ص18، ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص285.

(28).  ينابيع المودة ص 67.

(29).  مسند احمد: رقم الحديث 1936.

(30).  المناقب للخوارزمي ص142.

(31).  سورة البقرة: الآية / 207.

(32).  شواهد التنزيل ج1 ص96.

(33).  أنساب الأشراف ج2 ص91 .

(34).  المعجم الكبير ج5 ص221 ، الدر المنثور ج4 ص371.

(35).  علي سلطة الحق ص27.

(36). الإبداع في حدث المؤاخاة للشيخ محمد العبيدان القطيفي عن سيد المرسلين ح2 ص18 (بتصرف).

(37).  سورة الحجرات: الآية/ 10.

(38).  سورة ص: الآية / 23.

(39).  سورة مريم:  الآية /28.

(40).  سورة آل عمران: الآية /61 ، وهي قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).

(41).  سورة المائدة: الآية/ 55 ، وهي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).

(42).  سورة الأحزاب: الآية /33، وهي جزء من قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

(43).  سورة البقرة: الآية / 124.

(44).  سورة الانعام: الآية /74.

(45).  سورة البقرة: الآية / 133.

(46).  احقاق الحق  للقاضي التستري ص326 نقلا ً عن السيد الميلاني.

(47).  مجموع الفتاوى لإبن تيمية ج11 ص100.

(48).  منهاج السنة النبوية لإبن تيمية ج7  ص363.

(49).  المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص140.

(50). صحيح الترمذي ج5 ص636.

(51).  سورة آل عمران: الآية/144 .

(52). مستدرك الحاكم ج3 ص126، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ج9 ص134، الرياض النضرة ج2 ص226، خصائص النسائي ص18، ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص285.

(53).  مجمع الزوائد ج9 ص134.

(54).  فتح الباري لإبن حجر ج7 ص 212.

(55).  شرح المواهب للزرقاني ج1 ص373.

(56).  تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية لأبو طالب التجليل التبريزي ج2 ص206.

(57).  نقل كلام محمد حسنين هيكل في أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج1 ص239.

(58).  أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج1 ص239.

(59). سورة النمل/ الآية (14).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد كماش آل حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/04/13



كتابة تعليق لموضوع : مقالات في مناقب المرتضى 24 : منقبة «حديث المؤاخاة»
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net