على ضفاف الانتظار(96)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

دولةُ المهدي عجل الله فرجه الشريف دولةُ العمل
في الوقتِ الذي تؤكِّدُ الرواياتُ الشريفةُ على أنَّ الدولةَ المهدويةَ ستوفِّرُ لسكانِ الأرضِ كُلَّ احتياجاتِهم الضرورية، بل والكمالية، وفي الوقتِ الذي تؤكِّدُ على انتهاءِ المشاكلِ المزمنةِ التي رافقتِ الحياةَ مُذ وُجِدَ الإنسانُ فيها، كمشاكلِ الأمنِ والصحةِ والغذاءِ وأمثالها، لكن كُلُّ ذلك لا يعني أنَّ الدولةَ المهدويةَ ستدفعُ الناسَ إلى الكسل، والتواكل، والعجز، واللا أبالية، كلا، وهذا ما يتضحُ الحالُ فيه من خلال الآتي:
أولًا: إنَّ اللهَ (تعالى) شاءَ أنْ يجعلَ العالمَ يسيرُ وفقَ نظامِ الأسبابِ والمُسبّبات، وأنَّ النتائجَ فيه إنّما تكونُ فرعَ الجهدِ المبذولِ وتفعيلِ الإرادة، ولا يوجدُ عندنا نصٌّ يدلُّ على انتفاءِ هذا النظامِ في زمنِ الظهور.
عن أبي عبدِ الله أنَّه قال: «أَبَى اللهُ أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ، فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً، وجَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً، وجَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً، وجَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً، عَرَفَه مَنْ عَرَفَه وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه...» .
ثانيًا: هناك إشاراتٌ روائيةٌ تدلُّ على أنَّ الرفاهيةَ التي ستوفِّرُها الدولةُ المهدويةُ يسبقها كثيرٌ من العملِ والنصبِ وحتى الفداء والتضحية، ممّا يعني أنَّ نظامَ الأسبابِ والمُسبِّباتِ ما زالَ يعملُ حينها، وإنْ كانَ للمُعجزةِ حضورُها الواضحُ في تلك الدولة، ومن تلك الإشارات:
1/ ما رويَ أنَّ الشيعةَ سيواجهونَ صعوباتٍ عديدةً أثناءَ بناءِ الدولةِ بقيادةِ الإمامِ المهدي، فقد رويَ عن بشير النبال، أنّه قال: قلتُ لأبي جعفر: إنّهم يقولون: إنَّ المهديَّ لو قامَ لاستقامتْ له الأمورُ عفوًا، ولا يهريقُ محجمةَ دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده، لو استقامتْ لأحدٍ عفوًا لاستقامتْ لرسولِ اللهِ حينَ أُدميَتْ رباعيته، وشُجَّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده، حتى نمسح نحنُ وأنتم العرقَ والعلق. ثم مسح جبهته.
وفي روايةٍ أخرى عن معمر بن خلاد، قال: ذُكِرَ القائمُ عندَ أبي الحسن الرضا، فقال: أنتم اليوم أرخى بالًا منكم يومئذ، قالوا: وكيف؟ قال: لو قد خرجَ قائمُنالم يكُنْ إلا العلق والعرق والنوم على السروج، وما لباسُ القائمِ إلا الغليظُ، وما طعامُه إلا الجشب.
2/ما دلّ على أنَّ الإمامَ المهدي يُقيمُ محاكمَ لمُحاسبةِ المُخطئين، لا أنه يُقيم ذلك من خلال المعجزة أو بواسطة الملائكة، فقد رويَ عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله أنَّه قال: «بينا الرجلُ علىٰ رأسِ القائمِ يأمرُ وينهىٰ إذ أمرَ بضـربِ عنقه، فلا يبقىٰ بينَ الخافقين شيءٌ إلَّا خافه» .
3/ما دلّ على أنَّ هناك معاهدَ لتعليمِ القرآنِ الكريم، لا أنَّ الناسَ يتعلّمونه بالمعجزة، فقد رويَ أنَّه «إذا قامَ قائمُ آلِ محمّدٍضربَ فساطيط لمن يُعلِّمُ الناسَ القرآنَ علىٰ ما أنزلَ الله (جل جلاله)، فأصعبُ ما يكونُ علىٰ من حفظه اليوم؛ لأنَّه يُخالفُ فيه التأليف».
4/ ما دلَّ على أنَّ الإمامَ المهدي يُرسِلُ أصحابَه ليفتحوا المدن، وليهدوا الناس، حيث دلّتْ على أنّه وإنْ زوّدهم ببعضِ القوى الخارقةِ للعادة، لكنّه لم يفتحْ تلك المدنَ بمحضِ المعجزة، وإنّما سيكون دورٌ لأصحابه في ذلك، أي إنّه ما زالَ يدفعُ نحو العمل، لا الكسل والتواكل.
فقد روي عن محمّدٍ بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال: «إذا قامَ القائمُ بعثَ في أقاليمِ الأرضِ، في كُلِّ إقليمٍ رجلًا، يقول: عهدك في كفّك، فإذا وردَ عليك أمرٌ لا تفهمه ولا تعرفُ القضاءَ فيه فانظرْ إلىٰ كفّك واعملْ بما فيها»، قال: «ويبعثُ جُندًا إلىٰ القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليجَ كتبوا علىٰ أقدامهم شيئًا ومشوا علىٰ الماء، فإذا نظرَ إليهم الروم يمشون علىٰ الماءِ قالوا: هؤلاءِ أصحابه يمشونَ علىٰ الماء، فكيفَ هو؟! فعندَ ذلك يفتحون لهم أبوابَ المدينة، فيدخلونها فيحكمونَ فيها ما يريدون».
ثالثًا: ممّا تقدّمَ يتبيّن: أنّ الدولةَ المهدويةَ وإنْ كانتْ هي دولةَ تحقيقِ الأحلام، وتوفيرِ الرفاهيةِ على أعلى مستوياتها –إلى جانبِ الأبعادِ الروحيّةِ في أعلى مُستوياتها-، لكن ليس المقصودُ من تحقيقِ الأحلامِ أنْ يُتاحَ للفردِ كُلّ ما يُفكِّرُ فيه وكأنّه يعيشُ في عالمِ الخيال، وإنّما تحقيقُ ما ينسجمُ مع عالمِ المادة، وما يتلاءمُ مع الجُهدِ المبذولِ لتحقيقِ الأهدافِ (وليس الأحلام)، وسيكونُ وجودُ الإمامِ المهدي من أهمِّ العواملِ التي تُساعدُ الإنسانَ على أنْ يصلَ إلى أقصى درجاتِ التطوّرِ العلمي وغيره، لكن ذلك لا يعني إعطاءَ نتائجَ جاهزةٍ من دونِ تحريكِ يدٍ ولا بذلِ جهد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat