صفحة الكاتب : حيدر حاكم الفتلاوي

تراتيل وجود ....
حيدر حاكم الفتلاوي


يراودني شعور دائم بالخطر والخوف من حدوث شيء سيئ، وتنتابني نوبات قلق، لا أعرف السكينة ولم أعتد على مجاورة الطمأنينة، متعثر الخطا، مفكك الأوصال، أخطو ببطء  كالمقيد في الوحل. مشيتي المتثائبة ما بين أعباء الماضي الثقيل الذي أرهقني، وخواء الوقت الراهن  الذي يجلد أبنائي على مقصلة البؤس والحرمان.
 لفت الشمس نقابها ،و ادلهمت السماء تنذر بغضب تراكمت غيومها، وعواصفها الترابية لٱ تهدأ. وماإن  أقبل المساء، حتى  بات الظلام يكتسح المدينة، وراحت  تتألم وتنزف بلا توقف،
صمت مشبع بالخوف لا معالم واضحة الوجوه،
الأشجار، الشوارع.. الرجال.. الأطفال، النساء يتشابهون جميعا بالهلع والوجع. الأضوء أخذت  تضمحل شيئاً فشيئا، والأصوات تتضاءل  إلى حدود الفناء أدركت أني على شفا الهاوية.
كنت أتمتع بصحة جيدة، وجميع أعضاء جسدي تعمل بكفاءة  عالية، أطلق الطبيب أوامره لإجراء الفحوصات، ثم أخذني إلى جناح  العمليات، جردوني من ثيابي و اضطجعت  على السرير، حُقنْت بإبرة ذات شكل مرعب، فيها مصل خاص، وراح طبيبا التخدير يراقبان عن كثب إجراء العملية، لم أفقد وعيي، ولَـگِن   فقدت قدرتي على  الحركة والإحساس بالأشياء، طال رقودي. الطاقم الطبي المشرف على العلاج يستبدل كل أربع سنوات بطاقم آخر،  وكلما استبدل ازدادت حالتي تدهورا، ويتورد داء في ظل داء آخر . الوباء انتشر في جسدي، جميع  تجاربهم
ومحاولاتهم  العلاجية فاشلة، والعقاقير المستخدمة فاسدة ومنتهية الصلاحية. أحسست أني دمية مقيدة بخيوط غير مرئية، ترتبط بأصابع خارجية. يحلو لـها أن تحركني كيفما تشاء،و تدفع بي إلى حيث لا أريد، تنهار مدن البؤس على رأسي، تتراكض الوجوه و تدور في نفس دائرة الفراغ، تصرخ وتنهار  أشلاء  متناثرة من نار دخان  وأهازيج على رفات الأموات،
 يلفني عذاب شامل مثقل بنكبات الخيانة والخذلان.
 ألقيت نظرة على ابنتي الكبيرة 
روحــاء،  فوجدت نظراتها  تتوسلني بالنهوض ، لقد بان الخراب على أطرافها وتشوهت بعض معالم وجهها،
ابيَضّ شعرها لكنها ما زالت فاتنة وفتية متكئة على عكاز بيدها اليمنى، لا تريد أن تسقط مهما عاندها القدر، متشبثة  بأخواتها الثلاثة اللواتي حاولن الفرار من أحضاني.
ألقيت نظرة ثانية على أبنائي فالموت يطاردهم  من  مكان إلى آخر،  ليخرج لهم رئيس الطّاقم الطّبي من أعلى شرفته متباهياً بإنجازاته الجوفاء، لوح لهم قائلاً لقد أشرف أبوكم على الهلاك، وكلما علا صوته احتشد المزيد من  أبنائي،حتى لم يبق موطئ قدم في الساحة الرئيسة ولا الشوراع المتفرعة عنها، كان يقاطع بالهتافات من حناجر صدئت وجفت ولم يسمع صوتها أحد، هرع  المساكين منتفضين لإنقاذ أبيهم، وما إن انتصف النهار،
و علت الشمس في كبد السماء، أرسلت أشعتها 
كسياط يلسع ظهور المساكين، الذين يتجمهرون من  أجل التبرع بالدم، يهتفون لقد نذرنا لك  أجسادنا ودماءنا  على أعتاب  أبواب قاعة كبيرة 
بجانب صالة العمليات،  صوت آهاتهم يتدفق ينغرز وسط ضلوعي وروحي بأنين مبهم،  فأشعر بعمق الأسى لتلك الدماء التي أرادت  أن تطفئ ظمئي، ولم أفلح بإسعادهم ومازال الفريق الطبي يبحث عن المزيد من الدماء ذات اصناف وعينات خاصة ليسلب ارواحهم في جوف الليل المبهم . 
لم  تسعفني عيناي المسودتان قهراً للتحديق جيدا من  خلال النافذة المطلة على الباحة، ولم أر سوى شعاع غريب، كأنه مزيج من  اليأس وسخرية القدر اللذين ينسكبان داخلي،يرتطمان في حواف الحفر والخيبات في جسدي، داخلي أصبح مهجورًا وكأنه خربة تسكنها الزواحف والحشرات ناصبة فخاخها، حائكة شباكها يشاركها بالسكن برابرة البشر، وبخفاء تغرس أنياب الخيانة بأحشائي، بقيتُ متماسكاً، لم أفقد الوعي رغم الأوامر بزيادة جرعة التخدير.
فتحت عيني بصعوبة، فانسكب ضوء الفجر خافتا باهتا بعد إزاحة الشمس القليل من نقابها، رأيت  أولادي في البراري يحملون
صرر  أحلامهم الصغيرة، ممسكين بمعاول الصبر، ويبذرون حبات الأمل رغم البوار الذي اجتاح أراضي المطاردة، كانت حامية فيها لهاث متبوع بلهاث ووجع، يتلقفه وجع منذ ازمان وحقب ودهور مرت عقود طويلة والخريف جاثم على ربوع جسدي، وكأن الأرض توقفت عن دورانها حتى تعافيت من  سقمي وعلتي، وبعد عقدين من  الزمن أفقت مذعوراً، سمعت نداءاتهم الخفية وهم يتهامسون، مازال يتنفس كان صداها يتردّد في برية روحي المنهكة، سمعت تسوياتهم وسمعت اتفاقاتهم، وسمعت مؤامراتهم علي 
أنهم سماسرة وتجار أعضاء بشرية بهيئة طاقم طبي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر حاكم الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/05/03



كتابة تعليق لموضوع : تراتيل وجود ....
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net