صفحة الكاتب : ادارة الموقع

ادريس هاني في حوار خاص لكتابات في الميزان عن الحسين (عليه السلام) وكربلاء وربيع الشهادة
ادارة الموقع

بكل هدوء ومن دون مؤثرات خارجية، رجلٌ قاده حدسه وفطرته  لترجيح مدرسة وتعاليم أهل البيت. فأوقفته اهتماماته بالتاريخ وعلم الكلام أمام إشكالات وصل إليها في وقت مبكر، ليقضي بقية عمره في خدمة هذه القضية وهو يصرح: " أنا لا أذكر الأيام التي كنت فيها بعيدا عن أهل البيت (صلوات الله عليهم).. إنه الباحث والفيلسوف المستبصر الدكتور هاني إدريس من المغرب العربي الذي تشرفنا باللقاء به عبر هذا الحوار. 

-انت تقول: لقد شيعني الحسين، أو بتعبير آخر، أوجدك الحسين مرة اخرى لركوب سفينة النجاة، هو ايجاد حسب مضمون الحديث من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، نحن ننتمي الى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام ) ولكننا نخشى أن نقول أننا شيعة، لأن الشيعي حقيقة يكون مختلف عن الاخر ومخلص في ولائه ومخلص في عقيدته، لكنك قلتها بصوت عال ومدوي: ( لقد شيعني الحسين). ممكن أن يتكلم ادريس هاني عن علاقته مع الحسين وكيف أوجده الحسين (عليه السلام)؟

- أولا، لما استعملت كلمة شيعة، استعملتها كحقيقة لغوية، وبكل براءة، وبعيدا عن كل الأمراض التاريخية والطائفية التي لم تكن تعنيني يومئذ قط، وأنا أبحث عن الحقيقة بفطرتي خارج كل الحسابات التي سأتعرف عليها فيما بعد. فهمت من كلمة شيعة وأنا في مقتبل العمر، ما فهمته من اللغة العربية ومعاجمها، وهو أن شيعة الشخص هم أنصاره وأتباعه. فكان هنالك موقفان،  إما أن تتشيع لعلي أو تتشيع لمعاوية، فهذه المسألة، تدرك كحقيقة لغوية. فأن أحب، يعني أن أتشيع لمن أحب، بكل بساطة وخارج كل أشكال التهريج. وأيضا سأفهم بعد ذلك، أن التشيع قيمة إسلامية، أي أن التشيع لأهل البيت ( عليهم السلام ) واجب في شريعتنا، ولايمكن أن يتحقق الاسلام في زمن التأويل إلا بالتشيع لهم. والتشيع لهم بهذا المعنى، أي اتباع تعاليمهم وترجيح تعبيرهم عن الإسلام. ولقد كان التشيع لهم  مدمجا في مهام الدعوة منذ البداية ، فكان التشيع لمحمد (ص) وهو من أهل البيت (عليهم السلام)ورئيسهم، حيث دار نقاش حول ما إذا كان محمد(صلى الله عليه وآله) من أهل البيت، فهذا ابن تيمية نفسه يعترف أنه منهم، فيقول قياسا على آل ياسين وآل عمران وغيرهم، فمحمد (صلى الله عليه وآله) بهذا، يكون داخلا في عنوان أهل البيت. وكنت أستغرب من هذا النقاش الغبي، لأنه مفتعل على ما فيه من غباء، حيث رب البيت هو حتما من أهله. ولكن كان هناك غرض من زرع هذا الشك، للفصل بين محمد وآله الكرام، فكان هذا الانفكاك محاولة أموية قديمة جداً، فحالوا أن يفصلوا بين محمد والآل، ودخلوا بينهم، وبعد ذلك، دخلوا بين الآل والآل، وحالوا التفريق بين الحسن والحسين، بين الحسنيين والحسينيين.
 فالحسين (عليه السلام)، هو الباب الأوسع والسفينة الأسرع، بمعنى آخر،  إذا شئنا تطبيق الرؤية الهولوغرامية، التي أتبناها في تحليل الأفكار والأشياء، فأنا أستطيع أن أقرأ الكل في الجزء. فهم يقولون أن الحسين هو واحد من المسلمين، فلماذا كل هذا الاهتمام، لكن النتيجة هي أنني أستطيع من الحسين أن أستخرج الاسلام كله. لكن، هل يا ترى، إذا ذهبت عند أي شخص آخر، كمعاوية أو يزيد على سبيل المثال، وهما عندي شيء واحد، واختلافهما تكتيكي في محو أثر أهل البيت، هل أستطيع أن أستخرج منهما شيئاً من الإسلام، ولا حتى قيمة واحد منه؟ نعم، يمكن عبر هذه المقاربة أن أستخرج منهما قيم الجاهلية كلها.
 هذا هو الحسين، إذن، قتيل العبرات.
من الناحية العرفانية، فالولادة الثانية هنا مهمة، ففي الحسين شعرت بتجربة روحانية، وهي أنني أستطيع في الحسين أن أولد من جديد، وقد حصل هذا، فلقد ولدت من جديد.
 إنني حينما وقفت على تفاصيل المشهد، لأنني لم أكن أعرف تفاصيل المشهد من قبل، قامت كربلاء أيضا في نفسي وفي ضميري. فكثير من الأشياء انقلبت وتداركتها. في حياتي اليومية أتدخل متى صادفت جريمة أمامي، لا اتركها وأمضي لقلة ضمير. أحيانا ادفع ثمن هذا الموقف باهضا، فكيف يراد مني أن أقرأ عن جريمة تاريخية، ثم أمضي إلى حال سبيلي؟ أدركت حينئذ، أن التشيع للحسين ( عليه السلام ) قيمة في الإسلام، ولا يجب أن نتحدث بلغة طائفية أو يضغط علينا الآخر، فنخشى من إعلان هذه القيمة. أن تتشيع للحسين ( عليه السلام )، فأنت لست طائفيا، بل من يثقل عليه سماع هذا العنوان، هو الطائفي. فقضية الحسين (عليه السلام) تبدو لي قضية عرفانية، من خلالها أعيد اكتشاف إنسانيتي. الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)، بل الذين سمعوا بذلك ورضوا به، وهم بالنسبة لي أسوء منهم، يسمعون عن المصيبة ويقولون: (وإن!!!).. هذه الـ (وإن) تجعلني أشك في إنسانيتهم وليس في دينهم فحسب. كل من لم تثره هذه المصيبة، بل لو أن هذه المصيبة حدثت لأي إنسان، فهي مشكلة، فما بالك بسبط الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ فالحسين بالنتيجة، كان هو النهاية. بل أعتبر الحدث الحسيني دليلا على فكرة الخلاص، حيث يمكن استلهامها من الحسين. وكأنه يريد أن يقول لبعض الذين يُشكلون على أهمية وجود المخلص، هل ترك لهم خصومه أي مخرج.
سيستمر ولده يعملون فيما هو متاح لهم في الحد الأدنى، لكن  لم يقبلوا منهم شيئا. فكان السؤال: لماذا من ولده خرجت قضية الغياب ثم الظهور؟ ولماذا لا تصبح الأمور ممكنة، خارج هذا الحصر التاريخي؟ الحسين وضح بأنهم قد ركزوا بين اثنتين:  بين السلة والذلّة ووصلوا الذروة في الحصار، وبأن هذا الحصر سيستمر. 
الحقيقة أن الحسين (عليه السلام) بخروجه هذا، لم يترك لهم أي مندوحة لقيام شهادة زور ضد نقاء الإسلام المحمدي، ولولا استشهاده (عليه السلام) بهذه الطريقة، لدخل الالتباس على كل شيء. ثم إن حركة النفاق التأريخية كانت مرتبطة باكتمال ونهاية عصر الدعوة النبوية: "اليوم اكملت لكم دينكم"، لذلك كلما  اكتمل الدين، اكتمل النفاق ونما، فكلما قويت شوكة الإسلام وسيطرته، تطورت حركة النفاق وتكاثر، فكانت الإمامة ضرورة، لأنها هي المعني بتكليف التأويل، وهي الضامن لاستمرار المحتوى النبوي للإسلام المحمدي الأصيل. فكانت الإمامة هي الحصن الحصين، والضحية الأكبر للخلايا النائمة التي خرجت حينما التحق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى، فتحمل علي (عليه السلام) كل تحديات ما بعد وفاة الرسول (ص)،  فنزل عليه صبيب من المعاناة، وشواظ من نار النفاق. ولهذا كان علي هو قسيم الجنة والنار، لأنه بات هو معيار الإيمان، للحديث: (لايحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، فهو معيار، لذلك عُرف عنه أنه قسيم الجنة والنار. وحادثة السيد السبزواري (قدس) المشهورة حينما سُئل: كيف يتم معرفة علي وأنه قسيم الجنة والنار وهو بعيد عنهم ولم يروه، فقال يقدمون لهم علي وأهل بيته، ويختبر ما رأيك بهذا، فإذا قال: نعم ، يقال له:  أدخل الجنة بدون حساب، فعلي هو قسيم النار والجنة. وهي في نظري قضية منطقية موصولة بالعدل الإلهي. فهذه فاطمة تشهد بعنف ما تحمله هذا البيت الكريم، حين بكت اباها في قبره:
ماذا على من شم تربة أحمد
أن لا يشم مدى الدهر غواليا 
صبت علي مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا
 
أنا شخصيا بعد أن رأيت ما جرى على الحسين (عليه السلام)، فلن أكون في ركب غير واضح اللهجة في محبة أهل البيت، أو في طريق فيه "نتفة" أموية. النفاق تحرك كثيرا والإمامة تحملت كثيرا. كانت هي المصد الذي حمى النبوة. بعد ذلك كانت للإمام علي ( عليه السلام ) الكثير من الأدوار ضد حركة النفاق، فهو الذي قاتل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
 كان من حول المدينة من يتربصون بالرسالة والرسول، ومنهم الكثير ممن مردوا على النفاق. وحتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه، فيصبح الشك في النبوة، تركهم النبي(ص). إن الحرب المعلنة  على حركة النفاق لم تكن مهمة النبي(ص) آنذاك، لأنها ستهدد نقاء النبوة. لكنها كانت مهمة الإمامة، حيث خرجت خلايا النفاق وتمكنت. فمحمد قاتل على التنزيل وعلي قاتل على التأويل. ومعنى قاتل على التأويل بعهد من النبي، أنه سيتصدى للتعبيرات الخاطئة وخطط المنافقين في تحريف الوعي.
لعل ميزة الحسين (عليه السلام)، أنه قضى على النفاق، حينما وصل النفاق إلى ذروته، فأنهى قصته وأغلق بابه. يومئذ توارى النفاق أمام مواجهة الثأر للحسين وحركة التوابين.
 ومع ذلك فالنفاق لديه حل كالزمن: فكلما امتدت المساحة الزمنية، فإن النفاق ليس لديه هذا النفس، لذلك فإنه سيظهر. 
 حتى شهادة الحسين (عليه السلام) مميزة، فهو أعظم الشهداء، حيث بلغ الذروة وأنهى القصة، وبين للعالم ما قيمة الغيبة، من خلال القضية الحسينية، حينما لم يتركوا له مجالا، حين صدح بالحق، فالإمام لا يمكن أن يكون شاهد زور في التاريخ ، كذلك الإمام الحسن (عليه السلام)، لأنه وُجد في مكان، حافظ فيه على الدعوة والمضمون المحمدي، وزهد في السياسة، وهذا هو جوهر الاسلام الحقيقي. فأهل البيت مواقف وعلم وشهادة، لذلك نقول: أن "الحسين قتيل العبرات"، لأن الذين لم يبكوا الحسين (عليه السلام) قد فضحهم الله في التأريخ، فتراهم يبكون بكاءًٍ جزافا وليس بكاءً انسانيا منطقيا، فترى بعضهم ممن قست قلوبهم على الحسين (عليه السلام)، يبكون عند قراءة القرآن، ولكن ما أكثر الذين يبكون في موارد آيات الأحكام ، مثل الآية: ( للذكر مثل حظ الانثيين )، يتباكون لهذه الآية ولا يتباكون عند مأساة الحسين (عليه السلام). فالدمعة الحسينية ليس مثلها أية دمعة، وبالتالي فهو يجعلك تولد ليس مرة واحدة ، فكلما تأملت مأساته ازددت بصيرة في الحياة، ومع كل تجربة معه (عليه السلام) فإنك تولد من جديد، ولهذا كان بالفعل الاسلام حسيني البقاء، ومن يريد أن يلتمس الاسلام الحق، فعليه أن يتعلم أو عليه أن يطلق العنان لدمعته وفطرته حتى يكتشف الحسين ( صلوات الله عليه)، فيكتشف إنسانيته. فالحسين اختبار لإنسانية الإنسان. 
قضية الحسين ليست قضية نظرية، بل قضية بديهية، أنا لا أستطيع أن أفهم كيف للانسان أن يتجاوزها، ثم يقول نحن نريد أن نعرف الحق، كيف نلتمس الحقيقة في غير هذا؟  لايمكن أن تتجاوزها، لذلك فإن الحسين (عليه السلام) قد أغلق الباب.

- كيف قرأ ادريس هاني مقام السيدة زينب (عليها السلام) قراءة تعني القيادة.. وبمعنى أدق كيف رأيت دورها في القضية الحسينية؟

زينب هي حسينية أيضا، فهم كلهم سفن النجاة، ولكن سفينة الحسين (عليه السلام) أسرع. وقد جُعلت له هذه الخصوصية. ولو أن الظروف التي فُرضت على الحسن (عليه السلام) كانت  كالظروف التي فُرضت على الحسين (عليه السلام)، لرأينا أن الحسن كربلائي كأخيه. وبالفعل، لما كان الحسن (عليه السلام) في مواجهة عدوه وقبل أن يخونه الجيش، فإنه كان حسينيا، ولما رأى الأمور تؤول إلى مآلات سيئة، أنقذ ما يمكن أنقاذه. وبالفعل، لو زاد شيئا ما، لكان الوضع كربلائيا، لأن معاوية بوضعه وشروطه، فتح المجال، ويزيد لم يترك المجال، لأنه ركز بين السلة والذلة. وهذا هو الفارق بين معاوية وابنه يزيد ، فمعاوية استعمل شعرته، ويزيد استعمل ركزته.
في ذروة الطغيان، لم يبق يزيد للحسين (عليه السلام) مجالا، فكان حتى في آخر اللحظات، يختبر الشهادة حينما قال لأصحابه: "هذا الليل فاتخذوه جملا" .
حاليا، هنالك محاولات لتلميع صورة معاوية، لذلك فبعض المستشرقين وبخبث، وبعض ممن يكتبون التاريخ، يحاولون الآن تجميل معاوية بشتى الطرق، لكن الحسين (عليه السلام) في كربلاء، سهل علينا الطريق، فكانت سفينته هي الأسرع، ولم تترك مجالا للتأويل. 
 

-كيف رأى ادريس هاني مهرجان ربيع الشهادة بعد سنوات من انطلاقه؟ 

اوغل مرة أحضر إلى مهرجان ربيع الشهادة، فالحسين (عليه السلام) هو من يرسل الدعوات، وهو من يختار ضيوفه، لذلك أنقل لك حادثة كيف أنني عرفت الحسين (صلوات الله عليه):
حينما رأيت عند أحد أصدقائي كتابا ممزقا مرميا في سلة المهملات، قلت له: لماذا ترمون بهذا الكتاب في سلة النفايات؟ هل آخذ هذا الكتاب؟ فقال خذه، فكان حول علي بن ابي طالب، ثم أردف: خذ اذا شئت هذا الكتاب معه، لا ندري كيف ومن أرسله لأخي عبر البريد ، وكان الكتاب الثاني عن مصيبة الحسين (عليه السلام) في كربلاء وكيف قتل. اخذت الكتاب ورممته، وبدأت أقرأ من دون توقف، ولم أنم تلك الليلة، لكنني عرفت فيما بعد، أن أحد المبلغين، كان يرسل مثل هذه الكتب إلى عناوين مجهولة في سائر البلدان، ليطلعهم على فكر أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وفيما بعد لسنوات عديدة، سمعت أحد أبنائه يتحدث عن أبيه، ويقول بأن بعضهم قال له: لماذا تتعب نفسك بإرسال مئات الكتب، وتتكبد كل هذه النفقات، ما الفائدة؟ فكان جواب والده بما معناه: الفائدة لو شخص واحد يتعرف على الحقيقة من بلد بعيد كالمغرب مثلا، فهذا يكفي. طبعا، هو لا يعرف أنني تعرفت على الحسين ومأساته من خلال كتاب ممزق في سلة المهملات من جملة مبعوثات هذا العالم الجليل. والنتيجة: لقد شيعني الحسين.
  فكانت تلك هي أول دعوة من الحسين (عليه السلام)، وها أنا ذا ألبي تلك الدعوة بحضوري لهذا المهرجان العالمي الثقافي.
هذه الحادثة تركت في نفسي الكثير، وعرفت أن الحسين (عليه السلام) يدعو زواره ويختارهم.

-  ماذا يعني نسيان الحسين (عليه السلام)؟ اليس هو قلة أدب؟ الا يٌعد نسيانه عقوقا؟ ماذا تقول لمن نسى الحسين (عليه السلام)؟

طبعا لايمكن نسيان الحسين (عليه السلام )، لأن حرارته في قلوب المؤمنين لاتبرد أبداً، وهذه بديهية، لأن قضيته (صلوات الله عليه) كما قلت، عليه تبكي البواكي، الجميع بكاه ( وهذه العبارات في سؤالك )، من كتابي  ( حين بكتك محاجر القصيد أضغط هنا   )
أنا حاولت أن اتفاعل مع نصوص شعرية من بداية ما قيل عن مأساته في الميدان مثل الرباب، وكل من تكلم عن الحسين (عليه السلام) منذ القرون الاولى وحتى اليوم، لأختبر هذه القصائد، وأرى هل ارتقت إلى مستوى الحزن المطلوب حول الحسين، لذلك حاولت أن أتفنن في الحزن وأتأنن في قراءة مشهد الحسين (عليه السلام)، لأنه يعيدنا للحظة الطفولة والبراءة، وأننا حينما نبكيه، نبكيه ببراءة، بحيث نجدد مع بكاءنا عليه إنسانيتنا ووجودنا، ويصبح الإسلام مع الحسين شعورا حيا ( شعوري ) وليس مجرد أحكام وغيرها، فهي لحظة تطهير للإسلام من النزعة الأموية التي سعت تاريخيا لمحق وانتزاع روحه، فالذي أعاد الروح للاسلام، هو الحسين .

- ادريس هاني كتب عن الحراك الشعبي في العراق وفسر بيانات المرجعية وكأنه سياسي عراقي ، ماذا تمثل المرجعية الدينية في العراق لادريس هاني؟

طبعا المرجعية هي ما يشد ظهر هذا الكيان. لأن الحرب على المرجعية جاءت في سياق محاولة الاستفراد بعامة الناس، لأنهم عرفوا أن عامة الناس مرتبطة بالمرجعية، وموصولة وصلا علميا، لأنه واضح في الفقه الشيعي أنه لا بد أن تكون مجتهدا، أو محتاطا أو مقلدا. وتجنبا لكل هذا الرهق أو العسر فلا بد أن يكون التقليد وهو أيسر موقف شرعي للمكلف ، لذلك هم يحاولون أن يحلوا كل رابط له صلة بالإمامة او المرجعية، لكي يستفردوا بعامة الناس. فلجأوا لمحاربة المرجعية، باعتبارها حصنا، لذلك هم يحاولون دق الإسفين بين عامة الناس والمرجعية ، فهي تزعجهم كثيرا، لأنها الرابط بين الأمة والإمامة، وبالتالي يصعب عليهم أن يخترقوا هذه المرجعية، لأنها تمثل القيادة لدى عامة الناس، وهي ضامن وحصانة.

- سؤال اخير لضيفنا العزيز المفكر العالمي ادريس هاني، نرى هنالك حركات منحرفة تظهر بين الفنية والاخرى كاليماني والصرخي واخرها محاولة طمس الهوية الثقافية للاسلام ، تصور ادريس هاني عن هذه الحركات وكيفية معالجتها كونه مفكر اجتماعي؟

التاريخ مليء بهذه الحركات الغريبة، ودائما كان الدليل هو الذي ينهي هذه الحركات. وما أكثر الأدلة التي تطيح بهذه الحركات، وما أقل أدلة هذه الدعوات الباطلة، الدليل ليس مجرد خطاب كما يفعلون، الدليل له مظانه وقواعده وشروطه ، حتى الإعلام ليس دليلا كما يفعل البعض ويستغل الإعلام لذلك. وهذه الدعوات لم تثبت شيء بالعلم ، من دون أن ندخل في التفاصيل. لقد انكسرت منذ الوهلة الأولى، لأنها جاءت بدون دليل. لم أجد فيما بلغني حتى الآن ما هو مقنع. كل دعوة نبوية أو غير نبوية تقوم على الدليل والحجاح المفحم حد الإعجاز، فلا أهمية لدعوة بعد الغيبة، تعيد فقط إنتاج الخطاب الانسدادي لما قبل الغيبة. فالمعول عليه هنا، هو توفير الأجوبة التاريخية الحاسمة حول التاريخ والحاضر، ويكون البديل المزعوم متفوقا بحجم تلك الأجوبة وبما يحبه من أزمات. لا تحتاج الدعوة المفترضة هنا إلى تحدي ولجاج، بل يكفي أن تجيب عن أسئلة العصر بالمستوى المقنع لروح العصر، فإذا بان ذلك، حصل المطلوب، لقول الصادق: لو علم الناس معارض كلامنا لاتبعونا..وللقاعدة العقلائية: لو كان لبان. ثم إنني أومن بثلاثة مقومات شرطية في أي دعوة لها صلة بالغيب: الأول لغوي يتعلق بشرط توفر الخطاب على جوامع الكلم، أي البناء البلاغي والبياني المعجز ، والثاني يتعلق بالعلم الواقعي الذي يعفينا من دليل الانسداد ومقدمات الحكمة، والثالث، سمو الخطاب الذي يتميز بأمرين: الأول أن خطاب الداعية هو من سنخ مصدره، لا يستند إلى الغوغائية،  الثاني أن الخطاب المزبور لا يأتي على سبيل ردود الأفعال والحقد والتشهير. من هنا كان خطاب المرجعية ينتصر دائما في هذه المعركة، لأنه واقعي ومقنع ومتفوق في الإقناع عن غيره. والله بالغ أمره.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادارة الموقع
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/28



كتابة تعليق لموضوع : ادريس هاني في حوار خاص لكتابات في الميزان عن الحسين (عليه السلام) وكربلاء وربيع الشهادة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net