صفحة الكاتب : احمد جابر محمد

شيخة ذلك الحي.. اُرقدي بسلام
احمد جابر محمد

( رثاء والدة صديقي و أخي المهندس استاذ حامد عن لسانه لمرور عام على وفاتها ) كان ركن بيتنا لطيفاً تزوره النسمات من كل حدب وصوب تسمع صوت طرق الباب منذ الصباح الباكر كان مضيفاً عامراً لشيخ مختلف عن كل شيوخ الارض لاترد عنده حاجة ولا تعرقل أمامه قضية انها ( اُمي) شيخة ذلك الحي كما كان يسمونها امراة حكيمة وقوية تستند دوما على نفسها لاجل الجميع تقف على ثوابت الاخلاق والتقاليد والشرع ولا تحيد عنها هي لطيفة لدرجة انها تنسى الاساءة ولا يعرف جوهرها حقداً او تحمل غلاً لاحد بثت في ذلك الحي روحاً كانها تنثر بذوراً للطيب والمسك ينمو وينثر عطره بمجرد ان ترفع قدمها من باطن الارض يلجأ اليها الكهل قبل الصغير رجالاً ونساءطلبا للمشورة معطاءة حد الاعفاء تنثر عبق الكلام الطيب اينما حلت وجلست وفي اي بيت وطأت قدمها كانوا يعتبرونها طائر السعد او (البخت) على لسانهم لاتقبل بالخطأ ابداً تقف عليه حتى تصححهُ . ثُلمت في حياتها بفقد اخي لكن كانما السماء لم تهون عليها زعلها لطيب قلبها وعطفها موزعا كرحمة الله ع عباده تفيض به على محيطها في ذلك الحي فمنحني الله لها كجبر لخاطرها بذات العام حتى اصبحت تناديني (جبارة) كانت ترى فيّ عوض الله احبتني واغدقت علي بالاهتمام لديها قدرة ربانية عجيبة تشعر بي دون ان تراني من مخارج حروفي تعلم بانني لست بخير رغم انني امسك نفسي كثيراً كي لاتعلم ولكن في كل مرة افشل في اخفاء ذلك عليها كنت دائم اللجوء اليها فهي موطني وذاتي واركض كطفل صغير نحو أواني الطبخ هذه هي عادتي متيقنا بان شيئا من بين اصابعها ينساب على ذلك الطعام فيضيف له نكهة خاصة ربما شبيهة بفاكهة الجنة وان مرت من امامي تبقى روحي تتحسس عطرها كي يلامس أنفي ويعيدني بذاكرتي لحضنها حينما كنت صغيراً فلاتتوه عن مخيلتي كل المواقف معها ولاصورتها بفرحها وحزنها وألمها ومرضها ولها من البصمات ما لاتعد ولا تحصى طُبعت على جبيني لايمكنني نسيانها كانت تنتظر عودتي وانا احمل شهادتي من الثانوية خوفاً في داخلها لئلا اخفق ويكون التجنيد الالزامي طريقي فدخلت عليها وانا احمل شهادتي ونجاحي على كفي لكن قلبها كان يقف على اعتاب الباب يستقبلني ومن فرط فرحتها بكت وغطت على مرضها وقالت لي ( انت دواية) حتى ملئت تعابير وجهها فرحاً وانا اعلم هي ذات الفرحة وهي بمثواها حينما اجتازت الان ابنتاي الثانوية وليتها كانت معنا بجسدها وروحها. انها جميلة كالبلورة ولامعة كالماس داخلها النقي يشع لخارجها فتبرق وتنشر الضياء بكل مكان امراة لا مثيل لها بمجرد ان تلامس اطراف اصابعها جسدي ينسلخ الهم ويتلاشى وتزهر روحي بكلماتها التي ارق من النسمة وكانني تخلصت من حمل ثقيل لكن عمر الزهور بديهيا ليس طويلاً وليس بيدنا شيء شاء ربها ان تُقطف وحال بيننا وبينها اللقاء من جديد سوى في الاحلام . لم تكن ايادي ابناؤها فقط تضع التراب على قبرها مودعين وانما اكتظ التراب بالأيادي والعويل لان الكل كان يراها امه من زاوية اخرى ومنهم من علا صوته ( مودعة بالله سيقف لكِ الحسين) وكأن راية ذلك الحي انتكست بفقدها واختفى الضياء وساد الحزن والظلام كسرت نفوسنا واحدثت شق بأرواحنا وخيم على وجوهنا الشحوب فالخيمة التي اجتمعنا تحت سقفها وكنفها واحتمينا بها سقطت وانهارت وماعاد يحتوينا شيء و فقدانها كان علينا كهول انهيار الجبال فاليد التي تطبطب قد رحلت.. واللسان اللاهج بالكلام الطيب قد رحل... والحضن الذي نترمي بيه طلبا للامان قد رحل... والعين التي تفيض شوقا وسعادة تنتظر قدومنا خلف الباب قد رحلت.. ولا معنى وطعم للحياة بدون رؤية وجهك الباسم حتى البيت حيث تسكنين انطفأ كأرواحنا التي ودعتكِ ولم ترتوي منك بعد أسفاً على تراب غطى جبينكِ لكن لا اعتراض على حكم الله . أنا لم امنحها ولو جزء ضئيلاً من حقها في هذا الوصف والله لست مبالغاً بكلامي وكل من قطن الحي وانا على يقين يعلمون حقيقة كلامي وهم انفسهم اليوم يحزنون لمرور عام على فقدها... رحمك الله يا امي واسكنك فسيح جناته مراره الفقد غصة تعلمين ما مداها.. ارقدي بسلام جوار ربكِ واتركي لي ولو طرف من ثوبك استدل به طريقي واهتدي حينما اريد عبور الشارع كما كنتي تفعلين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد جابر محمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/24



كتابة تعليق لموضوع : شيخة ذلك الحي.. اُرقدي بسلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net