صفحة الكاتب : مرتضى ابو حميدة

على غير العادة
مرتضى ابو حميدة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعودنا على إخضاع القراءة التحليلية، للنصوص المتعلقة، بتاريخ المسلمين في العهود المتقدمة، لـ(قوانين) منظومة الأقلام المؤدلجة ،وفق متبنيات معروفة، وسياقات كلاسيكية سقيمة، لم تعرف لتحديث الذهن أو إعادة القراءة الواقعية معنى، ولم ترعَ في مسؤولية تضليل الجمهور وإيهامهم إلاًّ ولا ذمة!!! حتى باتت سلسلة تلك القراءة التقليدية الموروثة واضحة ومكشوفة، وبدا الأمر، كما لو كان تكرارا لنفس الاقوال ، ولا جديد فيه سوى إضافة طبعة أخرى..
ولا نُجانب الحقيقة، إن ذهبنا الى إتهام أصحاب القراءة (الكلاسيكو- عصرية) هذه، بأنهم تَبَنَّو  نظرية (الرجل العظيم) للكاتب والفيلسوف (توماس كارلايل)، والتي إختزلت (المسيرة الانسانية) بـ(قيادة الفرد الإستثنائي) والمتمتع بسمات البطولة وقيادة الجماعة، مع ما إشتملت عليه من المغالطات التاريخية، والاجتماعية، والايدلوجية، تناولها المختصون باستفاضة وتحليل، ولا داعي لذكرها هنا..
و أمام هذا المشهد المُحبِط  لـ(طالبي) الحقيقة المحضة ، تبرز محاولات جريئة وإستثنائية، شكَّلتْ صدمة ذهنية لأصحاب (الكلاسيكوـ عصرية)، والذين لم يترددوا سَيْراً على خُطى الاوائل ، في كَيْل التُهم و الأراجيف حول هذا الكاتِب او ذاك، تشويشاً لـ(مَقْصَدِية) تَلَقي الفكرة وفهمها.. ورُغم ذلك، فإن هذه المحاولات فرَضت صوتها في فضاء الضجيج الإعلامي المُفَبْرَك، و أسْمَعَتْ كلماتها، مَنْ كانوا بالإنتظار.
ومن هذه المحاولات، كانت كتابات الباحث والاديب المصري الراحل (سيد محمد كيلاني) في كتابه (أثَر التَشَيع في الأدب العربي)، والذي صدر في أواسط  القرن العشرين، الى جانب مؤلفاتٍ نالت شهرة في الاوساط المِصرية، كـ(ربوع الأزبكية) و (ترام القاهرة) و (الأدب القبطي) و(الأدب المصري في ظل الحكم العثماني) و(الشريف الرضي) وغيرها..
في (أثَر التشيع في الأدب العربي) هذا، يتوجه الأستاذ الكيلاني، بالنقد الصريح لمنظومة المؤرخين القدماء، الذين سَلَكوا مسلكاً خاصاً بهم ، في تفسير مجريات أحداثٍ، كان أبطالها جماعة من جيل الصحابة، ومعاصري صاحب الرسالة السمحاء (صلى الله عليه وآله)، حيث يقول" إعتاد بعض قدامى المؤرخين، ان يسلكوا في كتابة تاريخ الصحابة مسلكاً عجيباً، فتراهم يطمسون بعض الحقائق طمساً غريباً، ويُضللون الناسَ تضليلاً كبيراً، بإغراقهم في المدح والثناء على هؤلاء الرجال، بحقٍ وبغير حق، حتى يتوهم القرَّاء إن الصحابة أشخاص مقدسون، لا يجوز عليهم الخطأ، ولا عجب ان كانت كتاباتهم خَلْواً، من الروح العلمي الصحيح، لا فائدة منها ولا خير فيها، تقرؤها فتشعر بأنك تطالع قطعة من المديح لا اكثر ولا أقل!!!!"
  لم يَفُتْ (المؤلِف) الكيلاني، أن يُنَبِّه  جمهور القُرَّاء، الى ردة الفعل المتوقعة من الجبهة (المُضادة)، من توهين النِتاج، وتضعيف المنهج ، و كُفريات المؤلف ..فتجده يقول في بداية الكتاب " وإن أنتَ حاولتَ، أن تتبع طريق العلماء الباحثين، وتُحَكِّمْ عَقْلك فيما لَمْ يعتادوا تحكيم عقولهم فيه، رَمَوْكَ بالكفر وإتهموكَ بالإلحاد ..."
ويَبْدو من الفارق الزمني ، بين الطبعتين الأولى والثانية، والذي يمتد بين العام 1949م،والعام 1995م، أن هذه المحاولة تُشكِّلُ  إختراقٍاً على غير المألوف، للمشهد الروائي الكلاسيكي السائد ، في بلدٍ يُعنى بالحفاظ، على مُخرجاته المُشار اليها، في إفتتاحية المقال.. إذ أن تكرار (غير المألوف) هذا، يُشكل عصفاً عَقَدِياً له تداعيات ، مهما صغُرَت ، او هكذا أُريدَ لها أن تبدو.
ونعود ، لِـ(دراما الإرتداد) في حادثة (السقيفة) ، فيقول " ما كاد النبي (صلى الله عليه وآله)، يلفظ النفس الأخير، حتى تحركت أطماعُ بعضِ الصحابة في منصب الصحابة، وأظهر  بعضُهم لبعضٍ العداوة والبغضاء، وتكشف النفوس ،عما كانت تنطوي عليه من أمور، كانت مستورة مدة حياة النبي(صلى الله عليه وآله)، وظهرت بعد ساعات قليلة من وفاته".
ما أخالُهُ من خطوة المؤلف الصادمة ، قد يُسهِمْ في تأسيس (دافعية خارج القيود)، لإعادة قراءة الموروث ـ مهما كان مُقدساً ـ ، فالاستاذ الكيلاني أديب قريبٌ من الجمهور، وموظف في دوائر الأوقاف المصرية، ومحاضرٌ جامعي ، ومدرس ثانوي، ونال شهادة الماجستير بجامعة القاهرة، وبالتالي فهو ليسً غريباً عن البيئة والتراث ..
وللموضوعية ، فهو لم يتردد في التوجه بالنقد اللاذع لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، من خلال توهين وتضعيف عقائد  العلويين عِبر التاريخ !!! وهذه مسألة تخضع لسياق الموروث الكلاسيكي ، رُغم تفاخره بالبحث الموضوعي وعدم الإنحياز، الا انه إرتمى في أحضان (مؤرخي) القداسة المزعومة لجمهور الصحابة، بشكل غريب !!!  ولم يُفرِّق بين (الإمامية الاثني عشرية) وبين (الفاطميين الاسماعيلية)، وهذه لسعةُ جهلٍ ما لها راقٍ ، و ورُبما أفرغُ لها في يوم من الأيام ..
ما يهمني  هو  أن محاولاته كانت خطوة على غير العادة ، تسمح بالنقد البنّاء والواقعي، فإزالة الألغام الفكرية والعَقَدية ، مُقدمة لإعمال الدليل والبرهان، وهو ما يصُب لصالح مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بخلاف أعدائهم ومناوئيهم.. ولَكَ أن تتعرفَ إشارةً من ذلك ، نَطَق بها قلمُ المؤلف الكيلاني ، جزافاً أم قناعةً ؟؟ لستُ أدري ..حيث يحاولُ إظهار (عَدَم) كفاءة أمير المؤمنين (عليه السلام) لقيادة المسلمين بالنص الآتي " ثم إن علياً، كانت تنقصه صفات ،لا بد من توافرها في كل سياسي ناجح، من مَكرٍ و دهاءٍ وخِداع وشراء للانصار بالمُنَح والصلات" وأنا بدوري أؤيدُ رأي المؤلف وأقول : ذلك (عليٌ) الذي نَعْشَقُهُ ونهيمُ فيه ..وأضداده من (السياسيين الناحجين !!!) حسبَ فهمكَ ( مَكَرةٌ، دهاةٌ، مخادعون، مشتروا ذِمَمْ) وهذا ما نتبناه...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى ابو حميدة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/20



كتابة تعليق لموضوع : على غير العادة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net