صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

تاريخ الإسلام السياسي على المحك في رواية ( الرحلة العجائبية ) للأديب فيصل عبدالحسن
جمعة عبد الله

هذا العمل الروائي المكثف , هو ثمرة جهود متواصلة دامت أربع سنوات من التنقيب والبحث والدراسة وقراءة الكتب والمجلدات التي قاربت 150 كتابا ً ومجلداً , تتحرى في بطون التاريخ الإسلامي وصراعاته . الكتب التي تعنى بالتاريخ والوثائق والمذكرات والمراسلات المدونة عن فترة القرن الأول الهجري بين عام ( 10 - 61 هجرية / 632 - 683 ميلادية ) . الحدث الروائي يمتلك صيغة أو صنعة الابتكار الخلاق في المنصات الصياغة والفنية في الشكل والمضمون , التي مزجت اجناس واشكال الفن الروائي في بوتقة واحدة وبلغة عربية سليمة في سردها الرشيق التي تتوالى في احداثها المتنوعة على لسان الأصوات متعددة ورواة يكشفون دلالة الأحداث السردية . تملك رؤية فكرية وفلسفية عميقة الدلالة والمعنى والمغزى البليغ , التي توغلت في عمق التاريخ , لان التاريخ يهتم بالمظهر أو الشكل الخارجي دون الجوهر والعمق المخفي والمضمور الداخلي , لذلك توجه المتن الروائي واحداثه الى هذا المخفي والمضمر الداخلي , لإظهار الحقيقة بشكلها الظاهر والمخفي أو الوجه الخارجي والداخلي . في حقبة اسلامية شهدت تناقضات وصراعات وحروب دموية تصاحبها الفتن والخديعة . واتخذت شماعة الإسلام غطاءاً لها .

أن هذه الرواية ( الرحلة العجائبية ) قدمت بشكل مبدع ومتمكن اشكال خلاقة في منصات السرد وأحداثه المتلاحقة , ووظفت أجناس متنوعة من اشكال الفن الروائي بجوانبه المتعددة في التعبير والصياغة . من الرواية التاريخية الى الرواية التوثيقية , الى السيرة الحياتية , الى الرواية تدوين المذكرات والمراسلات والخطب . الى الرواية التراجيدية بفعل الدرامي متصاعد في المأساة والحزن الإنساني , في هذا التاريخ المعبق بالدم . الذي راح ضحية الدسيسة والمكائد والغدر والفتنة , في إهدار حياة أعظم رجلين مقدسين إسلاميين من ضلع الرسول الكريم محمد , هما الامامين علي وابنه الحسين . المتن الروائي واشكاله المتنوعة تصب في الاتجاه : الواقعية السحرية العجائبية في التناول والطرح في الصراع الإسلامي السياسي الذي فتح أبواب الميكافيلية باغراضها الماكرة والشرسة ( معاوية بن أبي سفيان ) الذي وقف نداً وخصماً عنيداً في وجه خليفة المسلمين أمير المؤمنين علي , من اجل ان يتربع على الحكم والمال والنفوذ, يوظف كل الأساليب الشريرة والماكرة من أجل الوصول الى غايته البغيضة . أن وجه الصراع بين قطبين , هو قطب الحق وقطب الباطل , الأول يمثله الامام علي ومن بعده سيد شباب أهل الجنة الحسين , والثاني يمثله معاوية نسله واتباعه , في سبيل إقامة إمبراطورية أموية , ليست إسلامية ولا تمت الى الإسلام سوى بالاسم . وكانت معركة صفين الخط الحاسم بين جبهة الحق وجبهة الباطل , وفي تمزيق صفوف المسلمين بذرائع بغيضة بالمكائد والغدر . واعتماداً على القوة ( الهرقلية ) في أساليب المكر والخداع والتضليل .

المتن الروائي واحداثه الجسيمة في التعامل يمثل طريقة تتجه الى ( الفانتاستيك الفنتازيا / أو الفانتازيا الرائعة ) التي تحولت في عصرنا , أو واقعنا الحالي الى الفوضى الخلاقة . لقد استخدم معاوية كل الأساليب الوحشية والدموية في معركة صفين ( أتذكر قسوة ووحشية معركة صفين بعجيبها ,وصهيل خيلها , وصراخ جرحاها , وكثرة قتلاها , كانت الجثث في نهاية كل نهار يصلى عليها من الطرفين , كنا ننظر إليهم ونستمع تكبيرهم , ويسمعون تكبيرنا , ويبكون على قتلاهم , كما نبكي على قتلانا . وسقط في تلك الحرب - الفتنة - سبعون ألف قتيل من الطرفين ) ص58 .

هذه الحرب دشنت تاريخ الصراع السياسي بعقلية المراوغ الماكر في شراء الذمم والنفوس الضعيفة بكل الأساليب المخادعة , وبالاخص استغلال عقلية الجهلاء والاغبياء والسذج , الذين لا يفرقون بين الحق والباطل , فكانت غوغائية معاوية الثعلبية , جلبهم الى صفوفه في حربه مع خليفة المسلمين أمير المؤمنين علي ( أنه حارب علياً بجنود شامييين لا يفرقون بين الناقة والجمل ) ص202 . أو عمياناً لا يبصرون إلا بعيون معاوية لا غيره , ولكن اوشك جيشه ان يتجرع مر الهزيمة في معركة صفين . وهنا لعب المكر السياسي الخبيث والدسيسة والفتنة والخداع في تجنب الهزيمة المنكرة , أمر جيشه برفع المصاحف فوق رؤوسهم , مما خلق بلبلة وفوضى في صفوف جيش الإمام علي , بفتنة بالانشقاق والخروج من طاعة الإمام وجيشه , لانهم رفضوا التوقف عن القتال وهم على وشك كسب الحرب . هذه الفتنة الماكرة بقيادة معاوية شيدت في تدعيم الأسس في إقامة الإمبراطورية الأموية , وليس امبراطورية اسلامية , ولا تمت الى الإسلام سوى بالاسم . وأحدثت شرخاً كبيراً في حكم الإمام علي , الذي سعى الى تكريس الخلافة الدينية الرشيدة , مميزاتها الحق والعدل , ومراعاة احتياجات الناس , وخاصة الفقراء والمظلومين .

أن اقامة الدولة الاموية عمادها الظلم والطغيان والفساد, وتغييب عقول الناس نحو الاسوأ في السلوك والأخلاق , ومعاناة المعيشة والحياة , دفع الإمام الثمن الباهظ حياته , بطعنة الغدر الشنيعة ( مضت الأيام بسرعة بعد تلك الفجيعة , وبدأ القلوب الحزينة تنسى احزانا وتنشغل بأيامها , وما يمر بها من عسر المعيشة ومشاقها , وامتلأت النفوس الإحباط , بسبب الأخبار المتناقلة بين الناس , التي تشيء بالخيانات والمكائد ) ص233 .

هذا معيار الخلاف بين قوام الدولة الدينية الرشيدة , ميزانها العدل والحق , ودولة الباطل ميزانها المكائد والدسيسة والفتن والغدر وشق الصفوف بالنزعات والحروب, دولة الظلم والدم والطغيان والفساد , وهي الدولة الأموية ( - والله يا معاوية أنك تؤسس لامبراطورية أموية وليست إسلامية !! أخذت الاسم زوراً من الإسلام , وكل من فيها سيعيش عهداً ويمضي , أما كيف يعيش ؟ فأن هذا لا يعنيكم !! ان الفرد في رعيتكم سيعيش عبداً مملوكاً يسام سوء العذاب والاحتقار , وسنضع على كاهلكم كل الذنوب هؤلاء , وكل دم سيراق ) ص194 . والدليل على هذا النهج المنحرف , تعاملهم الوحشي مع الحسين , الذي أراد تعديل ميزان الحياة المقلوب , وإعطاء صيغة الحق والعدل في إصلاح أحوال أمة جده رسول الله . وإعطاء الكرامة في العيش والحياة , لكن جيش معاوية أراد أن يدفن الحق , حتى يرفع شأن الباطل والفساد في دولته ,وكما فعل في اسلوبهم الوحشي والهمجي بحرق الخيام وسبي النساء وقتل المجروحين بعد معركة الطف في كربلاء ( وتعالى من جهة الخيام المحترقة , عويل النساء وصراخ الجنود وهم ينهبون ما تقع عليه أيديهم , وفي مكان غير بعيد عن موقع المخيم المحترق , كانت الخيول تطأ صدور صرعى معركة الطف !! وتجهز بالرماح على من كان لازال نفس في صدره يتردد , فيقطع بعد ذلك الانين والشخير !! ) ص 328 . وكان الاعتقاد السائد بين الناس وخاصة أهل الكوفة , بأن لا أحد يتجرأ ويتطاول على ابن بنت رسول الله . ( - يا مسعود هؤلاء لا يعترفون بدين , ولو كان الرسول حاضراً لحاربوه , وهم يعرفونه يقيناً رسول الله وخاتم الأنبياء , هؤلاء دينهم الدينار والدرهم , وجعلوا السلطة سبيلهم لهذا ) ص223 . هذا الحزن يتكرر على امة الاسلام بقتل أعظم رجلين مقدسين . كما غدروا بالإمام علي , ذبحوا الحسين أيضاً , هذا الشرخ الكبير في الصراع السياسي العنيف بالإجرام العنيف , مما خلق الحزن والإحباط عند النفوس ( كل حزنٍ ماضٍ الى نهايته , إلا حزن فقدك يا مولاي فهو باقٍ الى أبد الدهر ) ص224 . فقد تغيرت الاخلاق وتبدلت المصائر , في خذلان الحسين , انها جريمة كبرى بحق الإسلام والمسلمين ( أذا خذلنا الحسين سنبقى كالذي باع ثوبه وبقي عارياً الى آخر الزمان !! ) ص304 .

×× تضمينات داخل المتن الروائي , بالغة الاهمية في الشأن الانساني والتاريخي , النبوءات التي وردت في الكتب المقدسة : التوراة والإنجيل , والكتب المقدسة الاخرى , نركز على بعضها :

- نبوءة بظهور النبي الرسول الكريم محمد

- مقتل الذبيح المقدس : لقد توقف المتن الروائي بأهتمام وتحليل في مسألة النبوءات التي وردت في الكتب الدينية المقدسة . التوراة والانجيل وغيرهما من الكتب المقدسة , واثارت الجدل والتساؤلات الجوهرية عن الذبيح المقدس من يكون وفي أي مكان بالضبط يقع الذبح ؟ , وهذه الاشارات والتساؤلات المهمة في نبوءة الذبيح المقدس , وهي تعني مقتل الحسين في صحراء نهر الفرات - كربلاء - هذه النبوءة الصريحة كما وردت في هذه الكتب المقدسة ( - النبوءة أيها الكريم تتحدث عن شخص مقدس جاء من صلب نبي , وهو سيد عظيم , مقدس , عالم بأمور الدنيا والآخرة , طيب وكريم , لا يقول: لا , لطلب حاجة , ولا يذكرها إلا تشهده للصلاة ) ص24 .

( - نبوءة تتعلق بابن نبي مقدس , سيكون سيداً في السماء , ومن هذه النقطة , بحثت, وتعمقت في البحث , لعلي أحظى بإطلالة كافية وافية تنير لي الطريق مع أن النص واضح , لأنه يشير الى معركة مصيرية تقع بجانب شط الفرات في أرض يقال لها - كركميش - يخوضها شخص يرتبط بالله تعالى , من أجل إرجاع خلافة مغتصبة )ص24 .

×× إشارات أخرى في المتن الروائي :

- نقتطف منها هذه الشذرات المهمة :

- السلوك والمعدن الأخلاقي , الذي تعلم وتهذب في تربيته أتباع خليفة المسلمين أمير المؤمنين علي , الذين يؤمنون بقيم ومبادئ الامام , قلباً ولساناً وليس بالتزييف والنفاق والمتاجرة . فقد كان علياً يتفقد الفقراء والمظلومين ويطعم الجياع في يده الشريفة الطاهرة وبنفسه , وتعلم اتباعه على هذه الخصال العظيمة , في مساعدة الفقراء والمظلومين واطعام الجياع , ورد الحق الى المظلومين والمحرومين , هذه الأخلاق الاسلامية الحميدة , كما فعل بطل الرواية ( الهفهاف بن مهند الراسبي ) في شراء الاخوات الفارسيات الثلاثة ( سهزاد وشيرزاد وشهرزاد ) بعدما وقعن في السبي وكن معروضات للبيع , اشتراهن واعتقهن لوجه الله تعالى , حررهن من العبودية والسبي , وعشن بعد ذلك حياة كريمة بعد زواجهن بالاخلاص والوفاء .

وكذلك تضمن السرد الروائي أقوال مأثورة في الحكمة والبصيرة , تصدرت مقدمة لكل فصل من الفصول الرواية 50 فصلاً , نقتطف هذه الشذرات :

( - ما أكبر الحب, واصغر الكراهية بميزان الأخلاق ) ص4 .

( كل متظاهر بالقوة مخفِ لضعفه لا يعول عليه ) ص110 .

( منْ مات ولم يكن له أعمال خير فهو لم يعش دنياه ولا يسر بآخرته ) ص118 .

( ليس الغريب غريب الوطن , الغريب غريب في كفنه ولحده , لم يترك عملاً في دنياه يؤنسه آجره بقبره ) ص179 .

×× حكاية الحدث السردي الروائي :

يتحدث عن قيام ( الهفهاف بن مهند الراسبي ) بمجازفة في امتطى رحلة طويلة من مدينة البصرة الى الشام / دمشق , في سبيل اطلاق سراح أبيه الاسير عند الامويين , بعد أسره في معركة صفين , وكان والده شيخ قبيلة تميز بالاخلاق الحميدة والسمعة الحسنة والشجاعة , وهب لنصرة الامام علي ليحارب مع جيشه في معركة صفين , لكنه وقع في الأسر . وابنه ( الهفهاف ) يريد ان يعرف مصيره حياً أم ميتاً , واطلاق سراحه مقابل الفدية المالية , وخاض غمار الرحلة الطويلة في قافلة من القوافل التي تعبر الصحراء , وتعج بقطاع الطرق . في سلب ونهب وسبي النساء وفرض المال من أجل السماح في مواصلة الطريق الصحراوي . اضافة ان المسافرين في هذه القوافل قد يتعرضون الى لدغات الأفاعي السامة , اضافة الى انتشار جندرمة معاوية في مفارز على الطريق تفتش عن هويات المسافرين , قد يكون بعضهم يشكل خطراً على الدولة الأموية , او مطلوباً , أو من اتباع الامام علي محظور عليهم الدخول الى الشام , واجتاز كل هذه العراقيل الخطيرة في رحلة عجائبية حتى وصل الى قصر معاوية , واقنعه في إطلاق الاسرى مقابل الفدية المالية . وتم إطلاق سراحهم كانوا في حالة يرثى لها من الوهن والضعف والمرض ( وكانوا بحالات يرثى لها حقاً !! اصفرت وجوههم, وكان اكثر من نصفهم , قد فقدوا عضواً من أعضاء أجسادهم سبب معارك صفين , فزاد الأسر من أوضاعهم الصحية سوءاً على سوء . وكان بينهم العميان والعرجان , ومن فقد كلتا يديه , ومنهم من أصيب في ظهره , فهو لا يقوى على الوقوف والحركة ) ص198 .

ورجع الى مدينة البصرة مع أبيه , ليقضي بقية العمر بين أهله .

× الكتاب : رواية الرحلة العجائبية

× المؤلف : الاستاذ فيصل عبدالحسن

× الطبعة الأولى : عام 2022

× عدد الصفحات : 346 صفحة

×× الاهداء : الى روح أبي . معلمي الأول . الذي لا أنسى أبداً نظرات الفرح في عينيه , وهو يراني أتقدم لأول مرة بقدمين حافيتين متعثرين لامسك بالقمر .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/26



كتابة تعليق لموضوع : تاريخ الإسلام السياسي على المحك في رواية ( الرحلة العجائبية ) للأديب فيصل عبدالحسن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net