صفحة الكاتب : علي صالح الطائي

المؤتمر الوطني العراقي بين القبول والرفض
علي صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تقع قضايا الممارسة والنضال الديمقراطي في إطار تحرر الإنسان وبناء شخصيته ونيل حقوقه وإزالة حالة الاستلاب والقهر من جهة ، وفي صلب التحرر الوطني من الاحتلال والتبعية والتخلف من جهة أخرى . فالتصور المستقبلي لموقع المواطن في أي تحول ديمقراطي إنما يتبلور عبر ألتماس وضعه وصياغة وترسيخ النهج الديمقراطي الذي هو يؤمن الكرامة وصيانة المكونات الأثينية والارتقاء بها ماديا ومعنويا . فالانجاز الديمقراطي عنوان لحشد القوة الذاتية واستنفارها كما هو حاصل في خطابات ومحاضرات القادة السياسيين. وكذلك ناتج لانتظام آلية الواجبات والحقوق بين المواطن وسلطة الدولة ، وتمتعه بحرية التعبير والتنظيم والنشر وقيام مؤسسات الحكم على الانتخابات والشرعية الدستورية والاعتراف بالتعددية السياسية والاجتماعية وسيادة حكم القانون . 

فمن واقع الحال تبدو نواحي القصور الذي أتسمت بها التجربة العراقية المعاصرة سواء في التهيئة أو في المكتسبات واضحة جلية على المسار الخدمي والأمني والمسار الدستوري الذي عانى كثيرا من الخروقات ، لأن الديمقراطية مشروع تاريخي ينطوي على جوانب تقتضي التأسيس والإبداع وأخرى تستدعي الاستكمال والتعميق ، غير أن الذي حصل ويحصل الآن هو التفرد بالقرارات من قبل الحكومة وخصوصا بشخصية رئيس الوزراء الذي قاد العملية السياسية من خلال دورتين انتخابيتين أوقعت البلد في مستنقع الفوضى والتخبط السياسي كما يبدو لي منظما ومدروسا لغرض تهيئة الأجواء لإعادة نظام الشخص الأوحد فقام بتأسيس قاعدة فكرية بعدم مشاركة القوى السياسية كافة بشكل فاعل من خلال تضبيب أفكارها وتقزيمها ، وكذلك غياب المساواة واستغلال مخاوف الجماهير من الرجوع إلى حالة القهر والتهميش ، فبالتأكيد أدى ذلك إلى زعزعة أسس الاستقرار ووضع العملية السياسية على حافة الانهيار والانقضاض وبالأخص على الممارسة الديمقراطية وظهور تحديات عديدة تدور على مبدأ المحاور ونظرية المؤامرة والتوجه في بناء دولة على الأُسس العلمانية التي كما يبدو حاليا أن مفكري الغرب قد غادروها ومحاولتهم العودة إلى مفاهيم السماء المبنية جميعها على قواعد أخلاقية . وهذه السياسة التي تنتهجها الحكومة الحالية تتواءم مع سياسة واشنطن التي تتبنى الأنظمة ذات الطابع العلماني أللبراليي لتخوفها من الأحزاب الإسلامية التي باتت تسيطر على الشارع العراقي . وبالنظر لخلو الساحة العراقية من كتل علمانية فاعلة مرتكزة على قاعدة شعبية واسعة ، دفع بالأمريكان خلال السنوات الأربعة الماضية أن تحدث أزمات تلو الأزمات ثم تقوم هي باحتواء تلك الأزمات وإدارتها بنفسها لتتمكن من مسك الخيوط بأيديها لتمكينها من تحريك الكتل السياسية حسب رغبتها وإستراتيجيتها التي ترتكز على عملية الاستلاب والقهر وتحقيق أهدافها الحقيقية المتمثلة بتطبيق عولمتها المنفلتة من عقالها وحصر رؤاها بنقطتين :
1- إيجاد حكومة قوية تُلبي مطالبها وتحافظ على مصالحها في المنطقة من خلال المحافظة على بقائها في العراق ، سواء أكانت هذه الحكومة شيعية أو سنية أو قومية أو لبرالية ، وكأن لسان حالهم يقول  (جئنا لنبقى) ولعلني لا أكون مخطئاً من أن هناك اتفاق خفي من جعل حزب الدعوة حزبا لبراليا .
2- إلزام الحكومة بالنهج الديمقراطي وتطبيق الدستور والقوانين المرعية والعمل على تشكيل الحكومة عن طريق صناديق الانتخابات ووفقا للحوارات السلمية التي تفضي إلى احترام النتائج ، لتتفادى أمريكا انتقادات شعوبها ودول العالم في التشكيك بمصداقيتها بشأن تبنيها للنهج الديمقراطي أولا وثانيا تطبيق سياستها الجديدة بإعادة هيكلة الأنظمة  في جميع مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية ، بإقامة نظام جديد يخضع للإملاءات الأمريكية واختيار الحكام بطرق جديدة كصناديق الاقتراع وبأشرافها ومن خلال تدخلها في العملية الانتخابية لكي تقطع التقولات والشكوك في وطنية أولئك الحكام بدعوة أنهم مختارين شعبيا وبكل حرية ، والذي بموجب ذلك تم تغيير إستراتيجيتها وخططها القديمة ، التي أصبحت مكشوفة ومتهرئة من قبل الشعوب ، في اختيار أصدقائها عن طريق الانقلابات العسكرية .
هكذا بدأت الحكومة تتبني تلك الإستراتيجية لغرض البقاء في السلطة محتجة بالدستور الذي يخلو بالأصل من بقاء رئيس الوزراء تحت سقف زمني محدد وتبنيها مبدأ إحداث الأزمات تلو الأزمات بعد أن رأت بأن هذه السياسة توفر لها غطاء لبقائها وأعطت لنفسها حق وضع خطط حسب مصالحها حتى لو كان يتعارض مع رؤى شركائها في العلمية السياسية والتي منها على سبيل المثال عقد المؤتمر الوطني العراقي الذي يرمي كما يبدو لأول وهلة إلى حل جميع الإشكالات التي تعاني منها العملية السياسية والذي بات من المستحيل إيجاد مقاربة توافقية وسليمة بين المكونات السياسية التي لها الحق بالمشاركة بالقرارات وطالما أن الأجواء السياسية في الشارع العراقي عامة والبغدادي خاصة تسير باتجاه التصعيد والتأزيم وأن الحكومة ممثلة برئيس الوزراء والذي مازال يديم اللعبة بشكل ينم عن تواصله في الدفاع عن طموحاته الشخصية والحزبية والفئوية ، فأصبح هذا المشروع بين قوسين وأدنا أو لنقل أنه ولد ميت لانطوائه على المماطلة 
والتسويف وهذا بالتأكيد لا يلتقي مع طموحات الشارع العراقي وأن اللعبة تجري على حساب تحقيق مطالب واحتياجات المواطنين الأساسية .
إن التكتم على مضمون الحوارات الجارية لا يشكل كما يزعمون ضماناً لنجاحها , بل هي محاولة لحجب الأنظار عن الدوامة العقيمة التي يدور فيها الحوار والتنصل من المسؤولية عن إخفاقهم في التوصل إلى نتائج وإغراق المشهد السياسي في المناورات وتكتيكات المماطلة وكسب الوقت وتخدير المواطن وصرف انتباهه بعيداً عن تحديد المسؤولية عن تفاقم الأزمة والمعاناة التي يعيشها . إن الإصرار على صيغة الحوارات المغلقة ، تُعطي شكوكا وتتخذ طابعا غائيا وتهميشيا لمكونات سياسية أساسية مشاركة في العملية السياسية لها حضورها الشعبي وسمعتها الدولية والتي قدمت تضحيات جسيمة وتنازلتها عن مواقعها الحكومية بدون مقابل ، لا لضعف في قدراتها  السياسية أو المهنية وإنما خشية على العملية السياسية من التقويض من قبل المتربصين بها وانفراط مكوناتها مثل المجلس الاعلى الإسلامي العراقي الذي يُعتبر بيضة ألقبان في حل الأزمات التي تثيرها الحكومة باستمرار وفي كل مناسبة ، لذلك فأن اسلوب المالكي هو أسلوب مرفوض ويتناقض مع مبدأ الشراكة السياسية التي بدونها لا يمكن الوصول إلى وحدة وطنية
حقيقية ، وهو أيضاً أسلوب يمثل وصفة مؤكدة للفشل ، لأن حل الأزمة الوطنية الشاملة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المشاركة الوطنية الشاملة في حوار جاد تأخذ فيه دورها الفاعل جميع القوى السياسية  وقعت على وثيقة الوفاق الوطني قبل إجراء الانتخابات الأخيرة . أن الثقافة الديمقراطية الحضارية الحقة لتؤكد ضرورة توسيع دائرة الحوار ليضم الجميع وليجري تحت رقابة الشعب ومساءلته ، ولا تعني هذه الديمقراطية حكم الأغلبية فحسب ، بل وتؤمن أيضا بالتسامح الحضاري والتي تعني هي تراكم ممارسات نابعة عن ثقافات الشعب الواحد بعيدة عن الديمقراطيات المسلفنة  كما ينبغي أن تؤمن بتحقيق فردوس اللاطبقات ونعيم الحكم الإسلامي وهذه السياسة تستند على محورين :
1. أن تُعطى الأولوية لضرورة التوافق على برنامج سياسي واقعي واضح وموحد يخدم المجتمع العراقي بكل أطيافه . 
2.  إن حكومة الوحدة الوطنية يجب أن تتشكل على أساس المشاركة الواسعة للقوى والكتل البرلمانية وما يتمخض عنه صناديق الاقتراع وبعيداً عن نهج المحاصصة واقتسام النفوذ الذي هو الوجه الآخر لنهج الانقسام والصراع ألتناحري على السلطة ، على أن يتم اتخاذ القرارات على اعتبارين : 
أولهما القرارات ذات الطابع الإستراتيجي والسيادي يجب أن لا تخضع لإملاءات المحاصصة الطائفية أو لأملاءات خارجية وأن تؤخذ بالأغلبية المطلقة . 
وثانيهما القرارات التي خارج هذا المفهوم ، فلا ضير أن تخضع إلى التوافقية وضمن جدول الأولويات يتم الاتفاق عليه .وهو ما مطلوب في هذه المرحلة . 
ان تجاوز الأخطار التي تجابه هذه الإستراتيجية تكمن في تجنب النشوة الخارقة التي تنشأ عن النجاح وكذلك تكمن في عدم التألم من خيبة الأمل وذلك للحفاظ على العملية السياسية وعدم الرجوع إلى مربع التهميش والقهر ومحافظا على توازنه ورص صفوفه ،  وهذه سياسة راشدة تؤدي بنا إلى مماهات الواقعية التطبيقية مع المُثل الملتزمة ، وبمعنى آخر التسامي على البرغماتية المطلقة المفضية إلى التعالي ثم إلى التفرد بالقرارات وبالتالي الوقوع في شراك الدكتاتورية والابتعاد عن المثالية التوهمية التي تجلب صفات اللوم والتأنيب  وفي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أسوة حسنة ، فأصبح له (ص) مساران متوازيان ومترابطان ومتحدان أبدا : أولهما المسار الروحي العظيم وثانيهما المسار العملي التطبيقي للقيم ؛ أي نجح تماما في محو الفجوة بين مُثله الملتزمة وواقعه بحكمة ودراية وذهب بهما إلى التماهي واستطاع غرس تلك المُثل في ارض 
الواقع . فأن هذين المسارين يشكلان أنموذجا فريدا من نوعه في الوحدة الروحية والعملية .
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/08


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : المؤتمر الوطني العراقي بين القبول والرفض
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net