صفحة الكاتب : محمد السمناوي

شرح الخصلة السادسة من الرواية: ( ليس له حظ من دعاء المؤمنين )
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحظ معناه الحصة والمقدار الذي يحصل عليه المؤمن عندما يذكره الصالحون بالخير والدعاء لهم، فحظ المؤمنين من دار الدينا هو التزود بزاد التقوى والعمل الصالح، ونور الإيمان الذي يستضاء به في الآخرة، أما حظ المنافقين في الآخرة هو الخيبة والحرمان، والظلمة المضادة للنور، وكذلك الحال لحظ الكافرين الذي هو السراب الذي يغرر الناظر، ويصوره بهيئة الماء .

وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات المباركة التي تتحدث عن حظ المؤمنين الذين يقولون ان الله تعالى ربنا، فتكون حصتهم بذلك نزول الملائكة، ورفع الحزن والخوف عنهم وابدالهم بالفرحة والسرور والبشرى لهم بالجنة والنعيم المقيم .

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(1).

أما حظ الكافرين الجاحدين يكون حظهم في الآخرة العذاب الشديد بسبب أعمالهم التي ارتكبوها في دار الدينا، وإلى هذا المعنى من الحظ قال تعالى : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ )(2).

الحمى حظ المؤمن في الدنيا

بعض الأمراض التي تصيب المؤمن- كالحمى - في دار الدنيا تكون له كفارة عن ذنبه الذي اقترفه فيها، وفي هذا العنوان العديد من الروايات :-

منها : وروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله عاد مريضاً فقال أبشر إن الله عز وجل يقول هي ناري اسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار.

منها : ما ورد في الكافي عن الصادق عليه السلام: ( الحمى رائد الموت وهي سجن المؤمن في الأرض وهي حظ المؤمن من النار)(3).

منها : وعنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الحمى رائد الموت وسجن الله تعالى في أرضه وفورها من جهنم وهي حظ كل مؤمن من النار)(4).

وقيل : ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه.

وورد من طرق العامة عن النبي الاكرم صلى الله عليه – واله – وسلم : (لا تسبوا الحمى؛ فإنها حظ المؤمن من النار)(5).

المنازل والمحطات التي يمر بها الميت

لا شك أن الحياة في النشأة الأُخرى تبدأ من الموت، وخروج الروح من الجسد، فبالموت يولد الإنسان في عالم الآخرة، وبعد غمرات الموت يواجه أهوال القبر، وهي كما يلي:

المنزل الأوّل: وحشة القبر وظلمته: يعتبر القبر أحد منازل الطريق إلى المعاد، والرحلة الى الآخرة، فهي طويلة جداً على أهل الذنوب والمعاصي، وقريبة وقصيرة على أهل طاعة الله تعالى(6)؛ حيث يودع الميت في حفرةٍ مظلمة ضيقة من غير أنيس إلاّ ملائكة الرحمة أو العذاب، ومن غير قرين إلاّ العمل سواء كان صالحاً أو طالحاً .

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى أهل مصر : « يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يُغْفَر له أشدّ من الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إنّ القبر يقول كلّ يومٍ: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوامّ... »(7).

ثم يتحدث الإمام عليه السلام في موضع أخر عن التحولات التي تطرأ على الميت في عالمه الجديد من تقطع الأوصال، وتغير الصور بوصف دقيق .

فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: « فكم أكلت الأرض من عزيز جسدٍ، وأنيق لونٍ، كان في الدنيا غذيَّ تَرَفٍ، وربيبَ شرفٍ، يتعلّل بالسرور في ساعة حزنه، ويفزع الى السلوة إن مصيبةٌ نزلت به، ضنّاً بغضارة عيشه، وشحاحةً بلهوه ولعبه.. »(8).

المنزل الثاني: ضغطة القبر فقد أشارت الروايات عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام أنّ المتوفى يتعرّض إلى ضغطة القبر الشديدة بحيث إلى تُفري لحمه، وتطحن دماغه، وتكسر أضلاعه، وتكون له كفارة لما ضيعه من النعم الآلهيّة(9)، ونادراً ما يسلم منها أحد إلاَّ من كان يتصف بصفات إيمانيّة خاصة، ويوجد الكثير من الإشارات إلى هذه المعنى، ويمكن ذكر رواية واحدة في هذا المنزل، وهي ان أبا بصير قال يوماً لأبي عبد الله عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟ فقال : « نعوذ بالله منها، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر..! »(10).

ان ضغطة القبر أو ما يعبر عنه بضمة القبر بحسب الروايات تكون عقاباً لمن ارتكب الذنوب والمعاصي كالنميمة، وسوء الأخلاق في المنزل مع أهله واسرته(11)، وكذلك التهاون في الطهارة التي هي مقدمة للصلاة فمن كان متهاوناً كانت صلاته باطلة؛ لأنه (لا صلاة الا بطهور)(12)، ومن كان طهوره باطل فصلاته باطلة.

ومن ارتكب هذه الأمور تعرض إلى ضمة القبر حتى وان كان ممن رأى النبي عليه السلام، وسمع أحاديثه، وفي التاريخ الكثير من الشواهد، انظر ــ على سبيل المثال ــ إلى حادثة الصحابي الجليل سعد بن معاذ حيث جاء في الروايات التي رواها الشيخ الصدوق والطوسي قد الله سرهما أنه لمّا حُمِل على سريره شيعته الملائكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تبعه بلا حذاء ولا رداء، حتى لحّده وسوّى اللبن عليه، فقالت أمّ سعد: يا سعد، هنيئاً لك الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: « يا أُمّ سعد مَه، لا تجزمي على ربك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة » وحينما سُئل عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: « إنه كان في خُلقه مع أهله سوء »(13).

المنزل الثالث: سؤال منكر ونكير(14) عندما يضع الميت قدمه في عالمه الجديد يبعث الله له ملكين وهما منكر ونكير فيقعدانه ويسألانه عن معبوده، ودينه، ونبيه، وكتابه، وإمامه الذي يعتقد به، والعاقبة متعلقة بجوابه فإن أجاب بالحقّ، زف به الى الجنان والرضوان، وكان قبرة روضة من رياض الجنة، وإن تلجلج لسانه، وأجاب بغير الحقّ، كانت عاقبته إلى جهنم والنيران، فالذي يحدد المصير في تلك المحطة هو الجواب الشافي بين يدي الملكين، فالحري بالمؤمن ان يستعد لتلك اللحظات الرهيبة، نسال الله تعالى ان يوفقنا للجواب الحق هناك، وان يثبتنا على الايمان .

وفي الأخبار عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان هناك اموراً من نفاها، ولم يعتقد بها فهو ليس من شيعتهم، وقد أشار الامام الصادق عليه السلام إلى هذه الحقيقة بشكل واضح لا غبار عليها فيقول : ( من أنكر ثلاثة أشياء، فليس من شيعتنا: المعراج، والمُساءلة في القبر، والشفاعة )(15).

المنزل الرابع : عذاب القبر وثوابه ومن المؤكد ان هذا العذاب هو برزخي، وقد دلت عليه الكثير من الأدلة النقليّة في القرآن والسنة المطهرة، والإجماع واتفاق الأمة عليها، ولا خلاف في ذلك .

ومنها قوله تعالى في آل فرعون : (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(16).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسيرها أنه قال : « إن كانوا يعذّبون في النار غدوّاً وعشياً، ففيما بين ذلك هم من السعداء. ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة، ألم تسمع قوله عزَّ وجلَّ : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(17).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « القبر إما حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنة »(18).

قال أمير المؤمنين عليه السلام: « يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تِنِّيناً، فينهشن لحمه، ويكسرن عظمه، ويتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أنّ تنِّيناً منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعاً أبداً... )(19).

أما الأعمال التي ترفع هذا البلاء، وتوسع ضيق القبر، وتزيل الوحشة والظلمة عنه، وتجعله منيراً، وقد دلت جملة من الأخبار في ذلك، والتي منها: هي ما رواه السيّد ابن طاووس طاب ثراه في إقبال الأعمال: (... وجدتها في عمل رجب بإسناد متصل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انّ مَنْ صلّى في النصف من رجب يوم الخامس عشر عند ارتفاع النهار خمسين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة وقل هو الله أحد مرّة وقل اعوذ برب الفلق مرّة، وقل اعوذ برب الناس مرّة، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه، وحشر من قبره مع الشهداء، ويدخل الجنّة مع النبيين، ولا يعذب في القبر، ويرفع عنه ضيق القبر وظلمته، وقام من قبره ووجهه يتلألأ)(20).

المصادر

[[1]] سورة فصلت : الآية : 30.

[2] سورة فصلت : الآية / 27/28/29.

[3] الكافي: ج3 ص111 باب علل الموت.

[4] مكارم الأخلاق: ص357.

[5] المعجم الاوسط : للطبراني : ج7 , ص 295.

[6] اشارة الى ما ورد في الدعاء : ( وان الراحل اليك قريب المسافة )، اقبال الاعمال 117.

[7] أمالي الطوسي : 28/31 ، بحار الأنوار 6 : 218/13.

[8] نهج البلاغة / صبحي الصالح : 340 / الخطبة (221).

[9] اشارة الى ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم » انظر ثواب الأعمال / الصدوق: 197 ـ منشورات الرضي ـ قم ، علل الشرائع / الصدوق : 309/3 ، أمالي الصدوق : 632/845.

[10] الكافي :ج 3 : ص 236/6.

[11] بالإسناد عن علي(عليه السلام) قال: «عذاب القبر يكون من النميمة، والبول، وعزب الرجل عن اهله»، ونقله عنه المجلسي طاب ثراه في البحار: ج 6، ص 222، ح 21، وفي ج 75، ص 265، ح 210، وفي ج 103، ص 286، ح 16.

[12] الوسائل باب: 1 من ابواب الوضوء حديث: 1.

[13] علل الشرائع : 309/4، أمالي الصدوق : 468/623، أمالي الطوسي: 427/955.

[14] ذكر الشيخ المفيد طاب ثراه : ان الكثير من الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، وألفاظ الاَخبار بذلك متقاربة، فمنها أنّ ملكين للّه تعالى، يقال لهما ناكر ونكير، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه و إمامه، فإن أجاب بالحقّ، سلّموه إلى ملائكة النعيم، وإن ارتجّ سلّموه إلى ملائكة العذاب. وفي بعض الروايات أنّ اسمي الملكين الذين ينزلان على الكافر: ناكر و نكير، و اسمي الملكين الذين ينزلان على الموَمن: مبشّر وبشير...إلى أن قال: «وليس ينزل الملكان إلاّ على حيّ، ولا يسألان إلاّ من يفهم المساءلة ويعرف معناها، وهذا يدلّ على أنّ اللّه تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقّه، أو لعذاب إن كان يستحقّه» انظر تصحيح الاعتقاد: 45ـ 46.

[15] أمالي الصدوق: 370/464.

[16] سورة غافر: الآية: 45 / 46 .

[17] بحار الأنوار: ج6, ص 284.

[18] سنن الترمذي 4: 640/2460 .

[19] بحار الأنوار: ج6، ص 219.

[20] اقبال الأعمال: ص658.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/02



كتابة تعليق لموضوع : شرح الخصلة السادسة من الرواية: ( ليس له حظ من دعاء المؤمنين )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net