صفحة الكاتب : محمد السمناوي

شرح الخصلة الخامسة من الرواية: ( ولا يرتفع دعاؤه الى السماء )
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يعد الدعاء من أهم المفاتيح لأبواب الحاجات، فمن خلاله تفتح الأبواب على الدوام بين العبد وخالقه فيطلب منه ما يشاء من رفع البلاء، وكشف الهم والغم، وتحسين المعيشة بوفرة الأرزاق الماديّة والمعنويّة، وسلامة الأبدان من الأمراض، والزيادة في العمر وغير ذلك، فهو – الدعاء - من السنن المأثورة لتراث الأنبياء، والأوصياء وعباد الله الصلحاء .

ثم ان الذي يتهاون في صلاته، ويستخف بها من الطبيعي جداً دعاؤه يكون محجوباً بل لا يرتفع إلى سقف بيته فضلاً عن السماء الاُولى، ولا يستجاب، ومن كان مقصراً في عبادته كان التقصير في غيرها من الأعمال والطاعات، وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، وشكا له عدم استجابة دعائه، فقال الإِمام: «إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَال:

أَوَّلُهَا: إِنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيئاً.

وَالثَانِيَةُ: إِنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ، وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيَمانِكُمْ؟!

وَالثَّالِثَةُ: إِنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ!

وَالرَّابِعَةُ: إنَّكُم قُلتُم تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ، وَأنْتُم فِي كُلِّ وَقت تَقدُمُونَ إلَيها بِمَعاصِيكُم فَأينَ خَوفُكُم؟!

وَالْخَامِسَةُ: إِنَّكُمْ قُلْتُمْ تَرْغَبُونَ في الْجَنَّةِ، وأَنْتُمْ في كُلِّ وَقْت تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْها فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا؟

وَالسَّادِسَةُ: إِنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلى فَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا!

وَالسَّابِعَةُ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِعَداوَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواً)، فَعَادَيْتُمُوهُ بِلاَ قَوْل، وَوَاليَمُوهُ بِلاَ مخَالَفَة.

وَالثَّامِنَةُ: إِنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نَصْبَ أَعْيُنِكُمْ وَعُيْوبَكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْلَوْمِ مِنْهُ فَأَيُّ دُعَاء يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذا، وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ؟ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَن الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبُ اللهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ»(1).

موانع استجابة الدعاء

لقد بينت الأخبار المرويّة عن النبي والعترة الهادية عليهم السلام ذنوباً متعدّدة إذا اتى بها الإنسان تحول بينه وبين إجابة دعائه، وارتفاعه الى السماء، وعلى رأسها تأخير الصلاة عن وقتها المحدد، وكذلك سوء النية، والمرض القلبي الخطير إلا وهو النفاق، واللسان البذيء الفاحش، ولقمة الحرام، وغيرهن(2).

فهنا ربما يسأل سائل لماذا البعض يدعو الله تعالى، ودعاؤه غير مستجاب ؟، والله يقول في كتابه المجيد: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(3).

الجواب : ما بينه الامام الصادق عليه السلام بشكل واضح عندما سئل : أليس يقول الله: (ادعوني أستجب لكم) وقد نرى المضطر يدعوه ولا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟ قال: (ويحك! ما يدعوه أحد إلاّ استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب، وأما المحق فإذا دعا استجاب له وصرف عنه البلايا من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثواباً جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خير له إن أعطاه، أمسك عنه)(4).

 

المواضع الستة في استجابة الدعاء

أوّلاً: السجود: يعد السجود من أهم مواضع استجابة الدعاء، ولهذا قال الله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(5).

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء )(6).

فالنبي الأكرم صلى اللهعليه وآله وسلم يشير هنا إلى أن العبد يكون قريباً من الرحمة الآلهيّة والفضل في حالة السجود وتعفير الجبين ولهذا ورد هذا التأكيد والحث على الإتيان بالدعاء في حالة السجود، وانه مستجاب البتة على صعيد الأرض .

وروى جميل بن دراج الكوفي النخعي، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: « أقرب ما يكون العبد من ربَّه إذا دعا ربّه وهو ساجد، فأي شيء تقول؟

قلتُ: علّمني ـ جُعلت فداك ـ ما أقول؟

قال عليه السلام: قُلْ، يا رب الاَرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا جبّار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صلِّ على محمد وآلِ محمد وافعل بي كذا وكذا ـ يعني اذكر حاجتك ـ ثم قُل: فإنّي عبدك، ناصيتي في قبضتك، ثم ادعُ بما شئت واسأله فإنّه جواد لا يتعاظمه شيء »(7).

وقد ورد استحبابيّة الدعاء في حالة السجود قال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: « من قال في ركوعه وسجوده وقيامه (صلّى الله على محمد وآل محمد) كتب الله له بمثل الركوع والسجود والقيام)(8).

ومعنى ذلك ان الله تعالى يضاعف ثواب تلك الأعمال بسبب الصلاة، ويدل على استحبابها في تلك الأحوال.

وروى عبد الله بن أبي رافع عن علي عليه السلام أنّه قال: « إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبّر، فذكر الحديث. وقال: ثم إذا سجد قال في سجوده اللهمَّ لك سجدت، وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين »(9).

ثانياً: التقاء الجيوش .

ثالثاً: اقامة الصلاة .

رابعاً: نزول الغيث .

وقال الإمام عليه السلام: (اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث)(10).

خامساً : الدعاء المقرون بالصلاة على النبي وآله.

فقد وردت روايات في هذا الباب كثيرة نذكر منها واحدة وهي ما ورد ذلك عن علي(عليه السلام) في قوله: «إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سل حاجتك، فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الاخرى»(11).

سادساً: الدعاء تحت القبة لأبي عبد الله الحسين مستجاب .

فعن أحمد بن فهد قال : « روي أن اللّه عوّض الحسين عليه السلام من قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته، وإجابة الدعاء تحت قبته، والائمة من ذريّته، وألاّ تعدّ أيّام زائريه من أعمارهم »(12).

 

 

المصادر

[[1]] - سفينة البحار، ج 1، ص 448 و 449.

[2] - معاني الأخبار. طبقاً لما أورده نور الثقلين في المجلد الرابع. صفحة (534) وأصول الكافي.

[3] - سورة غافر : الآية : 60 .

[4] - تفسير الصافي: ج4، ج5، ص 357.

[5] - سورة العلق : الآية : 19 .

[6] - بحار الأنوار : ج82، ص 164.

[7] - الكافي 3: 323, 7 باب السجود والتسبيح والدعاء.

[8] - بحار الأنوار : ج82، ص 108. نقلا عن ثواب الأعمال: ص 32, مصباح الشريعة: ص 12.

[9] - بحار الأنوار : ج82، ص 137.

[10] - كنز العمال 2: 102 / 3339. صحيح البخاري 2: 40، صحيح مسلم 2: 612 - 614 / 897، سنن أبي داود 1: 304 / 1174، سنن النسائي 3: 159 - 160.

[11]- نهج البلاغة، القسم الثاني، الرقم 361. وقد روي ذلك بسند معتبر عن الامام الصادق (عليه السلام) . وكذلك جامع أحاديث الشيعة 15: 239، ح13.

[12] - وسائل الشيعة 10 : 421 ، ح1 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/31



كتابة تعليق لموضوع : شرح الخصلة الخامسة من الرواية: ( ولا يرتفع دعاؤه الى السماء )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net