صفحة الكاتب : دعاء فاضل الربيعي

أهمية وأثر القدوة في مجال التربية
دعاء فاضل الربيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يخلو مؤلف في مجال التربية من ذكر مفردة القدوة وذكرها كإحدى الوسائل المهمة نظرا ولتأثيرها الايجابي على سلوك الفرد، فالقدوة تعد من أهم وأكثر الوسائل تأثيراً في مجال التربية، السبب في ذلك تأثير النموذج الواقعي في حياة الناس بشكل عام، فالإنسان مجبول فطريا على الاقتداء بالشخصيات المؤثرة التي تطابق افعالها أقوالها بغض النظر عما اذا كانت صالحة او طالحة, وتكمن أهمية القدوة في وجود الغريزة الفطرية في هيكلة الانسان التي دوما ما تدفعه نحو تقليد ومحاكاة الأخرين ويتمثل ذلك أكثر عند الأطفال فهم الأكثر تأثراً بالقدوة في طور التنشئة الجسمية والعقلية إذ يعتقدون أن كل ما يفعله البالغون هو عين الصواب, حيث يبدأ الطفل في سن الثالثة يدرك بوضوح أنه من الذكور, وأنه سيصبح يوماً ما رجلاً كأبيه, وهذا ما يدفعه الى الاعجاب المستمر بابيه وبغيره من الرجال, فإنه يراقبهم بدقة وعلى الدوام ويحاول التشبه بهم في مظهره وسلوكه ورغباته, بينما في الإناث تدرك الطفلة بنت الثالثة أنها ستصبح يوما ما إمراء بالغة فتتجه نحو التشبه بأمها وبقية النساء القريبات منها حيث تركز اهتمامها على الأعمال التي تمارسها أمها من أعمال منزلية وغيرها, وأما العناية بالدمى فإنه نابع من اهتمام الأم بالأطفال المواليد من أخوتها وغيرهم وتسلك الأسلوب نفسه بالتحدث إليهم كأنهم أحياء. وتكمن اهمية القدوة في الكثير من الامور منها توجيه السلوك العفوي وتجسيد الفضائل، كما ان القدوة تساعد على تربية افراد صالحين يتمتعون بسلوكيات وصفاة ايجابية وتساهم القدوة في بناء مجتمع متماسك وقوي قادر على مواجهة التحديات الخارجية.

اهمية القدوة في توجيه السلوك العفوي

وبما أن موضوعة القدوة ذات تأثير عال في تكوين شخصية الفرد ولاسيما الافراد الناشئين ، لذا ارتئينا أن نسلط الضوء على هذه الموضوعة ونتوجه بالسؤال الى مجوعة من الشخصيات المختصة في مجالات لها علاقة بموضوعة التربية لنستفهم منهم اهمية القدوة ومدى اثرها على تربية الجيل الصاعد.

فقد اشارت الباحثة الاجتماعية : بشرى مهدي بديرة / سوريا . دمشق، قائلة : بلا شك ان من اسس التربية الصحيحة والسليمة هي غرس القدوة الصالحة والمثل الاعلى لدى الطفل والامر الذي يهدف الى توجيه سلوكه العفوي الفطري الى الطريق الصحيح، أي تهذيب السلوك لديه بغرس القيم والاخلاق والمبادئ بالإضافة الى تمنية الوازع الديني الفطري ايضا في نفسه، وقد اكد علم النفس على ضرورة القدوة لما فيها من انعكاس ايجابي على سلوكياته. اما عن الآلية التي تجعل الطفل متأثرا بمحيطه بشكل ايجابي فهي خروج تلك العناوين والمفاهيم من اطارها النظري وانصهارها في حيز التطبيق، فالطفل يلجأ بداية الى التقليد، فيقلد من حوله ومن في محيطه، والاسرة هي المدرسة الاولى التي ينشأ الطفل في كنفها ويستسقي منها معارفه، فلابد اولا من تحقق الترابط الاسري الامر الذي يؤثر على سلوك الطفل واستقراره النفسي ويمنحه الشعور بالأمان ليبدأ بمرحلة التلقي، ويجب ان يتطابق القول مع الفعل لان الطفل يعقد مقارنه بين ما يراه وما يسمعه وهو عاجز عن الحكم والتقييم واختيار الافضل وبالتالي حينما ينتاب شعوره التناقض قد يلجأ الى الطريق الاسهل وهو تقليد الفعل لأنه يتجسد امامه، لذا فمن الضرورة الاقتداء بقدوة ايجابية بكل تفاصيلها فهي ستشكل الاطار الاساسي لشخصية الطفل في المستقبل وحين يتم ربط الدين وتعاليمه مع القيم العليا هنا ينشا لدينا شخصية متكاملة ايجابية قادرة على التفاعل مع العالم الخارجي والاندماج بالمجتمع والقدرة على تمييز الخير من الشر، ولان شخصية الانسان هي خلاصة وراثة وتربية وبيئة فمن الضروري تواجد البيئة الصالحة للطفل والاعتناء بتربيته وتهذيبه وهنا يتعاظم مفهوم القدوة الحسنة الذي سينشئ لنا اطفالا مؤهلين للاعتماد على النفس وقادرين على خوض معترك الحياة .

دور الاهل في موضوعة القدوة

بينما أوضحت الاستاذة خلود ابراهيم محمد البياتي / مدربة تنمية بشرية ودعم نفسي مجتمعي / مسؤولة شعبة التدريب والتطوير النسوي في العتبة الحسينية المقدسة، قائلة: لو ألقينا نظرة سريعة على كل اساليب التربية والتعليم منذ بداية الخليقة والى يومنا هذا سنجد ان هناك عاملا مشتركا بينهم، الا وهو القدوة وهو ايجاد مثال يتمتع بصفات متميزة عن الاخرين ونيل الرضا ويكون ممن يحتذى به. ولعل مما سبق يتضح ان لهذه الشخصية القوية المتميزة الاثر البالغ على المحيط من الاعمار الكبيرة فما بالكم بالأطفال! والذين يقطعون شوطا كبيرا من حياتهم وهم يقلدون الاخرين ويحاولون بكل ما اوتوا من قوة ان يكونوا نسخا مشابهة لمن يحبون، وهنا تكمن اهمية ايجاد القدوة الصالحة، فلو تتبعنا نظريات التعلم سنجد منها ما يسمى بالنمذجة وهي اتخاذ نموذج يكون المثل الاعلى الذي يضعه الطفل ويسعى جاهدا للوصول له وهو من اخطر اساليب التربية ففيه تنحت افكار الاطفال وتتشكل حياتهم بصورة تدريجية بطيئة قوية الاثر طويلة البقاء، والنمذجة تحدث اما باختيار من الطفل ورغبة في تقليد شخصية معينة بحيث يتتبع الطفل السلوكيات المحببة لديه ويقوم بتقليدها، او ان تتم بطريقة عفوية وبصورة تراكمية فتترسخ السلوكيات وتصبح خريطة له ويتم ذلك عن طريق وسائل الاعلام المتاحة من التلفاز ومواقع تواصل او البيئة المحيطة وهنا تكون صدمة الاهل بالسلوكيات الغير مرغوبة مع عدم وجودها في محيط العائلة، وبمجرد تتبع بسيط ليوم واحد في حياة الطفل سيكتشف الاهل مصدر هذا التغيير. وعليه يجب بذل الكثير من الجهود لتكوين مصادر القدوة الجيدة وجعلها نظام حياة كالصدق في الحديث واحترام الاخرين وحسن الظن بهم بحيث يصبح الاهل وسيلة تعليمية متحركة تحتوي على كل وسائل الايضاح قولا وفعلا وان يستشعر الاهل اهمية دورهم الرسالي في خط سير حياة الطفل حاضرا ومستقبلا وكذلك بناء مستقبله بصورة صحيحة يتشكل منها المجتمع الذي نرغب فيه .

تجسد الفضائل من خلال القدوة

وأضافت الأستاذة الحوزوية منى ابراهيم الشيخ : حوزة الغدير الاسلامية النسوية / دولة البحرين في سياق هذا الموضوع: أن الانسان بطبعه يميل الى الاقتداء والتأسي بمن حوله، والتأسي امر فطري جبلت عليه الخليقة ويميل اليه الانسان ويبحث عنه تلقائيا، فهو يميل الى جعل نموذج حي يقتدي به فلذا نجد الطفل الصغير ينظر الى والده على انه قدوة له، فيقوم بتقليده ويحاكي تصرفاته، فقد تكون مشيته مشية ابيه وكذا لباسه وكلامه وكذا البنت تقلد امها بارتدائها خمارا للصلاة مثلا او تربية الابناء وذلك باتخاذها دمية تعتني بها، وبما ان التقليد امر فطري مجبول عليه الانسان منذ طفولته فينبغي ان يكون هناك توجيه مبكر للطفل نحو القدوة الصالحة وتحبيبها اليه وربطها به. وبلا شك ان للقدوة اهمية كبيرة في صناعة الانسان وتشكيل شخصيته في المستقبل ولدينا نموذجا ملموسا وقدوة حية هي بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالزهراء سلام الله عليها عندما تلقن أبناءَها موقفاً علمياً فهذا دليل على اهمية القدوة واثرها في مستقبل حياتهم فعند سؤال الامام الحسن عليه السلام عن فعلها بقوله: (اماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فتجيبه : يا بني الجار قبل الدار)، ومثل هذا الموقف وغيره من المواقف التي عايشها ابناؤها، فهذا يعني انهم كانوا يخضعون الى تربية عملية يسمى بالسلوك الايجابي من خلال سلوكها وهذا النوع من التربية الذي يجدون فيه القيم والفضائل تتجسد في تربيتهم تربية صالحة تصنع شخصيتهم في المستقبل.

المؤسسة التعليمية تغرس مفهوم القدوة

وأكدت فاطمة سلمان / موظفة في مجلة مع الشباب التابعة للمركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية فرع بيروت / لبنان، قائلة: على أهميته المدرسة ودورها في زرع مفهوم القدوة عند الاطفال يتوجب على الكادر التعليمي ان يكون قدوة للتلاميذ في طريقة التعامل فالمدرسة تساهم مساهمة فاعلة بتشكيل شخصية الطفل وتقويم سلوكه فدور المدرسة هو تربوي قبل ان يكون تعليمياً فلا انفصال بين هاتين المرحلتين ولا يقل اثر احدهما عن الاخرى اهمية في تكوين شخصية وتوجيه سلوك الطفل، كما ان وسائل الإعلام لها دور هام ومصيري في موضوعة القدوة فقد يعد ُّ الطفل الشخصيات الكارتونية الموجودة في برامج التلفزة شخصيات مثالية تصلح ان تكون قدوة لهم وبالتالي يتحول سلوك الاطفال الى سلوك عدائي مشابه للشخصية الكارتونية الموجودة على شاشات التلفزة، والعكس أيضا صحيح، لذا يتوجب على الابوين ان يراقبوا افعال واقوال وتصرفات ابنائهم حتى يتجنبوا الوقوع في المشاكل.

القدوة بين القيم الفاضلة وانحطاط العصر

وختاما يمكن القول أن نجد اليوم وبشكل واضح ان مفهوم القدوة قد تغير وبخاصة في فكر الانسان العصري واصبح يختلف تماما عما عرف عنه سابقا في الاعراف، فالقدوة اليوم ربما تكون شخصية مشهوره على المستوى الفني او السياسي او الثقافي، فلا نجد القدوة في القيم والاخلاق العالية بل القدوة في امور مغايرة اخرى بعيدة كل البعد عما خطه لنا ديننا الحنيف، وعلى هذا الاساس يتوجب علينا كعناصر مؤثره في المجتمع أن نسعى جاهدين لإحياء حياة القدوة الحسنة التي ارادنا الله ان نقتدي بها ونجد اهل البيت عليهم السلام هم الخيار الاصلح والافضل للقدوة بشكل عام فهم خير خلق الله وعلى رأسهم رسول الانسانية محمد وبنته الصديقة الطاهرة وزوجها الوصي علي بن ابي طالب عليهم جميعا افضل الصلوات واتم السلام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


دعاء فاضل الربيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/15



كتابة تعليق لموضوع : أهمية وأثر القدوة في مجال التربية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net