صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

مهمةُ الشعبِ والمقاومةِ قتلُ البسمةِ الاسرائيليةِ واغتيالُ فرحتِهم
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 نجاح العدو الإسرائيلي في الوصول إلى الأسيرين المحررين الأخيرين واعتقالهما، في عملية مداهمةٍ ليليةٍ واسعةٍ لشرق مدينة جنين، شاركت فيها إلى جانب قوات النخبة في الجيش، وحدةُ "اليمام" الخاصة وغيرها، واحتفاله اللافت باعتقال الأسرى الستة، وإعادتهم من جديد إلى سجونه ومعتقلاته، لا يبرر له أفراحه وتصريحاته، ولا يجيز له احتفالاته وتهديداته، التي تعمد إظهارها والإكثار من صورها الأرضية والفضائية، بقصد تسليط الضوء على نجاحه، وقد أراد من خلالها أن يرسل رسائل إيجابية إلى مستوطنيه، أنه الأقوى والأقدر والأطول ذراعاً والأشد بأساً، وسلبية إلى الشعب الفلسطيني ومقاومته، أنهم الأضعف والأقل قدرةً وحيلةً، وأنه لا فائدة من جهودهم، ولا طائل من محاولاتهم سوى المزيد من الخسارة والندامة.

يغيب عن العدو الإسرائيلي ومن يفكر معه وله، أن هذا الاعتقال هو كالشهادة أو النجاة قد كان متوقعاً، وهو من ضمن الاحتمالات الثلاثة التي وطَّنَ الأسرى الأحرار أنفسهم عليها، فكما كانوا يتوقعون الحرية والإفلات من ملاحقة الاحتلال لهم، فقد كانوا يتوقعون الاشتباك والموجهة، والمقاومة والقتال، فإما ينالون الشهادة التي تزيدهم شرفاً، أو يتكالب عليهم العدو، ويتآمر معه آخرون، فيتمكنون منهم ويعتقلونهم، فلا يظن العدو أن الأسرى الأحرار أصيبوا بنكسةٍ، أو أنهم شعروا بالحسرة والندامة، أو أنهم استسلموا للهزيمة وغصوا بمرارتها، وضاقوا ذرعاً بقساوتها، فما أصابهم كان ضمن حساباتهم، ولن يضيرهم اعتقالهم وهم المعتقلين، وحبسهم وهم المحبوسين، أو تعذيبهم وهم المعذبين، واضطهادهم وهم المضطهدين.

لا يعني ولا بأي حالٍ من الأحوال نجاح العدو في الإمساك بهم أنه انتصر عليهم وعلى الشعب الفلسطيني ومقاومته، فقد راج في الشارع الفلسطيني تعليقٌ على عملية الأسر الأولى، أن الستة خرجوا في نزهةٍ في شوارع الوطن وبلداته، ليسجلوا أسماءهم في قائمة تبادل الأسرى القادمة، التي لن تتم بدونهم، ولن تبرم إلا بحريتهم، وقد شعر العدو بأن المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى الجديدة قد تعقدت، وأن فرار الستة جعلها صعبة، وقد صرح بذلك مسؤولون إسرائيليون كبار، فقد باتوا يشعرون أن الثمن الذي سيدفعونه هذه المرة سيكون أكثر وجعاً وإيلاماً، إذ لن يكتفوا فقط بالإفراج عما يسمونهم بالأسرى الملطخة أيديهم بدماء "الإسرائيليين"، بل سيضطرون إلى الدفع من كرامتهم، والتنازل عن كبريائهم، والإفراج عمن أثخن فيهم قتلاً، وأمعن فيهم إهانةً وتشويهاً لسمعتهم، وتلطيخاً لصورتهم.

العدو الإسرائيلي بكل مستوياته الأمنية والعسكرية والسياسية، يدرك تماماً أنه يكذب بما يروج، ويخدع بما ينشر، ويطمس بما يكشف، ويحاول التزين بما يعرض، فهو في قرارة نفسه وبين جدران مؤسساته، وخلال نقاشاته وتحقيقاته، يدرك أن الأسرى الفلسطينيين الستة قد "علَّموا" عليه، وأنه تهكموا منه واستهزأوا ببنيته الأمنية وقدراته المهولة، وأنهم استطاعوا بقلمٍ بسيطٍ، وملعقةٍ صدأةٍ، وقطعةٍ معدنية معكوفةٍ لطنجرةٍ صغيرة، أن يحفروا الأرض وأن ينقبوا الجدار، وأن يتجاوزوا التحصينات ويغافلوا الحراس، وأن يغيبوا عن أعين الكاميرات وشاشات المتابعة والمراقبة.

نحن الذين يجب أن نفرح ونسعد، وأن نحتفي ونحتفل بقدرات أبنائنا، وعزم رجالنا، وتصميم أبطالنا، وسيشهد التاريخ قريباً مئات الكتب والروايات التي تدون تجربتهم، وترصد قصتهم، وتحكي للعامة حكايتهم، وستبادر شركاتٌ إعلامية ومؤسساتٌ فنية إلى تخليد محاولتهم، وتصوير ملحمتهم في أفلام سينمائية، ومروياتٍ فنيةٍ، تظهر قوة الفلسطينيين ورباطة جأشهم، وعظيم مجدهم وأصيل انتمائهم، أمام ضعف العدو وغبائه، وعجز جيشه وتراجع إمكانياته.

فهذه ملحمةٌ يفخر بها أبطالها الأحرار وشعبهم العظيم، وكم من قصةٍ عالميةٍ ما انتهت صفحاتها بغياب أبطالها، بل بدأت فصولها وظهرت تجلياتها بعد غيابهم ورحيلهم، وطفل الأخدود على ذلك خير شاهدٍ، فقتله غير الأحوال وبدل الظروف، وأزال الغشاوة وحدد البصيرة، فأحيا أمةً، ووضع خاتمةً لطاغيةٍ، ونهايةً لجبروتٍ مقيتٍ وحكمٍ ظالمٍ.

وقديماً فرح رعاة "اليهود" وصناع المشروع الصهيوني في فلسطين، عندما أقدمت سلطات الانتداب البريطاني على إعدام أبطال ثورة البراق الثلاثة عام 1929، وظنت أن إعدامهم سيطفئ جذوة المقاومة، وسيخمد نار الثورة، وسيجبر الفلسطينيين على الخضوع والاستسلام، والتوقف عن المقاومة والتخلي عن السلاح، وأن أحداً لن يسمع عنهم بعد دفنهم، وأن أسماءهم ستنسى بعد أيامٍ من إعدامهم، وما علمت أن ثورة بعدهم بدمائهم ستشتعل، وإضراباً كبيراً بأفكارهم سينطلق، وأن أرواحهم الطاهرة ستبقى تحوم في سمائنا، وتسكن في أرضنا، تلهمنا الثورة، وتمنحنا القوة، وتعطينا العزم على العطاء والتضحية.

لم تنتهِ قصة الأسرى الأحرار الستة عند هذه الخاتمة، ولن يتمكن العدو الإسرائيلي من جعل الاعتقال هو نهاية المواجهة، ولن يتمكن من إسدال الستارة على قضية الأسرى عامةً، بل سيجد نفسه أمام صفحةٍ مفتوحةٍ دائماً، ومواجهةٍ سافرةٍ أبداً، فمحاولات الفرار ستتواصل، ومساعي نيل الحرية ستتظافر، والإصرار على تبيض السجون والمعتقلات الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين والعرب ستتواصل، وعهد المقاومة ماضٍ، وعزمها حديدٌ، وإرادتها قويةٌ لا تلين، وتصريحاتها المعلنة عزيزة، ومفاوضاتها السرية عنيدة، وستثبت الأيام ولو طالت أن أبواب الزنازين ستفتح، وجدران السجون ستهدم، وأسوارها ستقوض، فالليل مهما طال سيتلوه النهار، وفجر الصباح الأبلج يأتي بعد ظلام الليل الأبهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/20



كتابة تعليق لموضوع : مهمةُ الشعبِ والمقاومةِ قتلُ البسمةِ الاسرائيليةِ واغتيالُ فرحتِهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net