صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

صحيح بغداد بشرط أن لا رشيد
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

 على الذين يتحدثون عن بغداد غابرة كان يحكمها هارون العباسي اللارشيد أن يقرأوا التاريخ جيداً فبغداد تلك قد دمّرها هولاكو، ولم يعد فيها أثر من آثاره ولا من آثار بقية العباسيين كأبي جعفر الدوانيقي "المنصور" والمأمون والواثق والمتوكل، ولا من أي آثار عباسية أخرى، سوى أغلبية من الآثار الشيعية في مقدمتها مراقد نواب الامام الحجة صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)، والآثار الوحيدة غير الشيعية من تلك الحقبة هي آثار سلجوقية إجتماعية وثقافية قليلة قد لا تتعدى اصابع اليد الواحدة! وأعني بها بعض القبور ذات القباب السلجوقية الطراز، وأيضاً المدرسة النظامية التي بناها الوزير السلجوقي نظام الملك، وهي آثار لا تمتّ للخلفاء العباسيين بصلة، فقد محى البغداديون في تلك الفترة كل آثار العباسيين وتبرؤا منهم ثقافياً وإعتبارياً، بعدما تسببوا به من نكبة المغول الجسيمة. وهي جميعها آثار بقيت في ظل مرقدي الامامين الهمامين ملاذي أهل بغداد في الشدائد حيث يرتفع من عندهما الدعاء وتنزل الاستجابة من قبل رب العزّة تبارك وتعالى إكراماً لعظيم منزلتهما عنده سبحانه وتعالى. إنّها بغداد الكاظمين (صلوات الله عليهما) شاء من شاء وأبى من أبى.  

وامّا أن يأتي قزم من أقزام السياسة الخليجية - وكل من يتطاول على اصالة وتاريخ العراق وبغداد وحقوق العراقيين الشيعة الاعتبارية والثقافية والاجتماعية فهو قزم - ليتحدث في عقر ديار الشيعة المجاهدين الابطال، ويطلق تسمية عدوانية وبغيضة على مدينتنا العزيزة بغداد، ويسميها "عاصمة الرشيد" ويعني بها بغداد الغابرة التي كانت لقمة سائغة للهمج التتار الوثنيين، فعلى ذلك القزم أن يعرف حدوده الاخلاقية وان لا يتعدى على اعتبار وثقافة شعب يستضيفه بكل احترام، وأن يُدرك أنَّه في بغداد أخرى هي بغداد الكاظمين (عليهما السلام)، وقد تعرضت هي الأخرى لهجمات التتار الداعشيين ولكنها بقيت محميّة ببركة الامامين الكاظمين (عليهما السلام) وبطولات أتباعهما من المجاهدين الحشديين الابطال. فليخسأ من تحدث سابقاً عن "بغداد الرشيد" وفي مقدمتهم الشاعر المصري علي الجارم صاحب قصيدة (بغداد يا بلد الرشيد) وليخسأ من تحدث عن ذلك الآن مهما كان عنوانه ومكانته في قومه، وسيخسأ كل من يتحدث مستقبلاً بهذه الطريقة، إنْ شاء الله.
فهارون اللارشيد الذي ملأ بغداد بالمغنيات وتحالف مع شارلمان زعيم الصليبيين ضد دولة الامويين المسلمين في المغرب العربي، والذي كان يتظاهر ببعض مظاهر الدين رياءاً وإرضاءاً للعامة، لا يُعرف له مذهب لحد الآن لأن مذهبة الحقيقي هو السلطة التي قتل من اجلها ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الامام موسى الكاظم (صلوات الله عليه)! فهو لا يصلح ان يكون قدوة إلا لأولئك المتصالحين مع الصهاينة والمطبّعين والمتحالفين مع العدو ضد ابناء دينهم من المسلمين عامة والفلسطينيين المظلومين خاصة. 
هارون اللارشيد الذي حاول الذهبي تلميع "جلده القبيح" بصبغ كلماته في كتابه (سير اعلام النبلاء –ج9 ص290)، فلم يفلح، فقد ذكر فيه من اكاذيب التقوى والصلاح ما يرتقي الى مستوى اكاذيب (الف ليلة وليلة) لكن قلمة زاغ وسها فسطّر فيه من مخازيه ما يندى له الجبين، ابتداءاً من ان مغنيه هو ابراهيم الموصلي - أين هي مزاعم تدينه وتقواه مع شغف الغناء الذي كان يحيطه!! – ولكن الذهبي لم يذكر عائلة اللارشيد الغنائية المكونة من اخيه ابراهيم بن المهدي واخته عُليّة، وأباهم المهدي "الخليفة" الذي جعل بغداد الغابرة (داراً كبيرة للغناء) على حد وصف الدكتور خير الله سعيد في كتابه (مغنيات بغداد في عصر الرشيد وأولاده)! 
وقال الذهبي أيضاً: (ومحاسنه كثيرة، وله أخبار شائعة في اللهو واللذات والغناء، الله يسمح له)! 
إذن يعترفون بأن هارون اللارشيد كان موغلاً في اللهو واللذات والغناء!! ولعله أحد أسباب أنَّ الطائفيين اليوم ينسبون بغداد لهذا اللارشيد!
أمّا عبارة الذهبي (الله يسمح له) فلم يرد مماثل لها في بقية كتب الذهبي ولا في كتب التراث العربي على حد إطلاعي، ولعل معناها (الله يسامحه)، فهو إذن اعتراف من الذهبي بقبح ما كان يفعله هذا اللارشيد. أو أنّه يريد تجميل لهو ومجون هارون اللارشيد وخلاعته! فيكون معنى العبارة إنَّ الله سبحانه يسمح أي يقبل بلهو ومجون وخلاعة هارون اللارشيد، فهل يُعقل ذلك!! حاشا لله أن يقبل بالأفعال القبيحة التي كان يقترفها هارون اللارشيد!! وقد وصفه أبن حزم بقبح الافعال كما نقل الذهبي نفسه ذلك في نفس الموضع من كتابه، قال: (قال ابن حزم: أراه كان يشرب النبيذ المختلف فيه لا الخمر المتفق على حرمتها، قال: ثم جاهر جهارا قبيحا)!! 

لقد كان هارون اللارشيد مهزوز الشخصية، مريض الانانية، يخاف على ملكه من كل الناس، ولذلك قتل الامام موسى الكاظم (عليه السلام) الذي لم يصدر عنه ما يهدد وجود السلطة الغاشمة التي كان على رأسها هارون اللارشيد! 
نعم فقد كان هارون هذا مريضاً نفسياً، تحرِّكه رسائل مجهولة المرسِل، فكان يتلقى رقاعاً يتأثر بها ويبني عليها وهو لا يعرف حقَّها من باطِلها، فقد كان مريضاً بحب السلطة والخوف من فقدانها. 
يرسل له مجهول من حُسّاد البرامكة رقعة مكتوب فيها:
هذا ابْنُ يحيى قَدْ غَدَا مَالكًا *** مِثْلَكَ مَا بَيْنَكُمَا حَدُّ
أَمْرُكَ مَرْدُودٌ إلى أَمْرِهِ  ***  وَأَمْرُهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ
فيبدأ بالتوجس خيفة من البرامكة ومراقبتهم ويتغيّر عليهم بعد أن كان قد قرّبهم واستفاد من ثقافتهم. 
ثم يتلقى رقعة ثانية من مجهول يعيّره بعجزه، فيبطش بالبرامكة، رغم أنَّ تلك الرقعة لم تذكرهم بالأسم!! وهي الرقعة التي حوت الابيات الشهيرة:
ليت هندًا أَنْجَزَتْنا ما تَعِدْ *** وَشَفَتْ أَنْفُسَنَا مما تَجِدْ
واستبدَّتْ مرةً واحدةً *** إنما العاجز مَنْ لَا يَسْتَبِدّْ
فبطش بالبرامكة وسلبهم ثروتهم وقتل وسجن وشرّد منهم من تمكن منه، حتى انه قتل صبيانهم كما قتل آبائهم، فقد قتل صبيين، لا ذنب لهما، إبنا جعفر البرمكي بعد أن قتل اباهم! هل يذكركم هذا بشيء؟ نعم قد ذكّرني بقتل الاطفال اولاد مسلم (عليهم السلام) ولا ذنب لهم!! كل هذا البطش تسببت به رقعة مجهولة!! فما ادراك يا "رشيد" أنها لم تكن رقعة من جارية أو مملوك أو أي شخص آخر لتحريضك على ترك إطاعتك لزوجتك زبيدة وخضوعك لها لدرجة انك نصبت أبنها ولياً للعهد وهو أصغر من اخيه المأمون! بينما أنانيتك المريضة فهمت الابيات الشعرية بالمعنى الذي تصرفت وفقاً له تجاه البرامكة!! 
ثم دسّوا اليه رقعة ثالثة مجهولة المرسل أيضاً تمدحه على ما فعله بالبرامكة وتشجعه على المضي بالمزيد من التنكيل بهم، فشدد السجن وضيّقه على يحيى البرمكي!!
فما هذا "الخليفة" الذي تُسيّره رسائل مجهولة المرسِل!! سوى إنَّه كان أسيراً للوسواس الذي يكتنف انانيته المريضة نحو كل الأخيار والصالحين والاعيان والبارزين والمثقفين فكان يبطش بهم ويقتلهم لكي لا يبقى منافس له على مُلكه! وهو نفس المرض النفسي الذي كان قد اصاب الطاغية الملعون صدام الذي كان يقتل كل العلماء والاعيان والمثقفين والصالحين ويسجنهم وضيّق عليهم ويشردهم، لكي لا يبقى منافس له في سلطته، بل تضخمت انانيته المريضة لدرجة انه اصبح يريد أن يصبح زعيم الامة العربية وسيد الخليج، فاحتل الكويت العزيزة وقتل وشرّد وسجن خيرة اهلها، وعاش الشعب الشقيق اسوأ ستة أشهر في تاريخ الكويت كله، الى ان مَنَّ الله سبحانه عليه بالخلاص منه بأن سلّط الامريكان لإخراجه منها، كما سلطهم عليه مرة اخرى فأزالوه من سلطته البغيضة وحطّموا نظامه و ذاق المصير الذي تعرفونه بعد خروجه من حفرته البائسة.
أليس مستغرباً أنَّ الوهابية وسلفهم الذهبي ومواقعهم الالكترونية الحالية واحدها موقع صالح الفوزان، يدافعون بإستماتة عن هارون اللارشيد!! ويتحرك أذنابهم ليدافعوا عن رموز أهل السنّة في بغداد، ويقصدون تلك التسميات البغيضة!! وهم يتغافلون عمّا ذكرناه آنفاً من سيرة هارون اللارشيد وقبائحه!! كما يتغافلون عن أنَّ المأمون والواثق كانا من المعتزلة وصاحبا ما يسمى بـ "فتنة خلق القرآن" واضطهدا بسببها فقهاء وعامة اهل السنة انفسهم في شوارع بغداد الغابرة!! ومن قبلهم ابو جعفر الدوانيقي "المنصور" الذي قتل ابا حنيفة امام اهل السنة، قتله في بغداد، فهل هؤلاء هم الذين تفتخرون بهم، فقط نكاية بالشيعة!! 
إنَّ مؤامرة "بغداد الرشيد" ليست وليدة زمان ما بعد زوال الكابوس الصدّامي البعثي عنها، بل هي ممتدة منذ عهد الملكية حينما غيّر فيصل الاول الاسم العثماني لشارع (خليل باشا جاده سي) الى (شارع الرشيد)، ثم استحدثوا منطقة سكنية بأسم (حي المنصور) وأحياء وشوارع بأسماء اخرى بغيضة بدلاً من أسماء العلماء العرب في مختلف صنوف المعرفة من مختلف الازمنة! ثم يحاول البعض تجميل الصورة القبيحة للنظام الملكي في العراق ويظهروه برغم طائفيته كنظام حمل وديع لم يذنب شيئاً تجاه الشعب، طبعا سوى طائفيته البغيضة التي تُسعد أولئك المناصرين للنظام الملكي البغيض!!

فليس في العالم كله حكومة - عدا الحكومات التي حكمت العراق!!! – تسلّط على شعبها جواً ثقافياً معادياً لغالبية أبناءه! – بإستثناء الحكومات الشيوعية، وكذلك فرنسا العلمانية تجاه الأقلية المسلمة فيها - فلا توجد حكومة أو سلطة تحترم نفسها وتعتبر انها نابعة من شعبها ومعبّرة عن حقوقه وحامية لها، تقوم بتسليط أسماء لمدن وأحياء ورموز وتماثيل لشخصيات يعتبرها شعبها بغيضة ومعادية لثقافته ولها سجل إجرامي تجاه أجداده ومقدساته. فإلى متى يبقى العراقيون الشيعة خائفين من "غضب" الآخرين إذا ما صححوا الوضع الثقافي البائس الذي يعيشونه ويغيرون هذه الأسماء البغيضة المسيئة لتأريخهم ولإعتبارهم الحالي؟! 
أنتم أيها العراقيون الشيعة الأحرار، أيها الحشديون الأبطال، إذا عجزت السلطة الديمقراطية الحالية عن أعطائكم استحقاقكم الإعتباري والاجتماعي والثقافي نتيجة محاذير وهمية تكتنفها، ورفضت تغيير تلك الأسماء البغيضة الى أسماء صالحة. فأنتم أيها الغيارى يمكنكم أن لا تستعملوا هذه التسميات القبيحة في ثقافتكم وإعلامكم وقنواتكم الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقعكم الالكترونية وصحفكم ودواوين عشائركم الكريمة، فتثقِّفون جمهوركم على ذلك بعد أن تتفقوا على استبدالها بأسماء صالحة مقبولة من قبل جميع الثقافات العراقية المتنوعة بتنوع أطياف الشعب العراقي الكريم، ومنسجمة معها. وأفرضوا كواقع حال تلك الأسماء الجديدة التي تختارونها رغماً عن أنف الطائفيين والحاقدين وكل من لا يريد أن يأخذ العراقيون الشيعة استحقاقهم الطبيعي على المستوى الإعتباري والاجتماعي والثقافي.
فهل سيظهر من ينهض بأعباء هذه المهمة السامية والعظيمة، لتقرير الاسماء الجديدة وإمضائها؟
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/02



كتابة تعليق لموضوع : صحيح بغداد بشرط أن لا رشيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net