صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الغدير كعليٍّ.. عصيٌّ على الإدراك! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
اليوم يومُ البحث في التفسير، لكنَّ القرآن الناطق هو روح القرآن، مَن بَقِيَ القرآن به إلى يوم القيامة، فمن هو؟
 
كلُّنا نعرف يوم عيد الغدير، أما إدراكُ ذلك اليوم فأمرٌ يعجَزُ كلُّ البشر عن دَركِه دون مبالغة، لماذا؟
كلُّ قولٍ يجب أن يكون مقروناً بالمنطق والاستدلال.
 
إنّ معرفة يوم الغدير متوقفةٌ على ثلاثة مطالب:
 
أحَدُها: معرفة نفس ذلك اليوم، وبما أنّ اليوم مشتركٌ من حيثية الزمان مع بقية الأيام، فما هو الامتياز الذي كان سبباً ليُنتَخَبَ هذا الزمان الخاص؟ فليس كل زمانٍ لائقاً ليكون زماناً خاصاً، على أنّ كلَّ جزئيات العالم بمعيارٍ وحساب، وكلّ شيء عنده بمقدارٍ وقَدر، فالأول معرفة نفس ذلك اليوم.
والثاني: يوم ماذا هو هذا اليوم؟ وماذا حصل فيه؟
والثالث: يوم مَن؟
 
هنا ينبغي أن يُرى ماذا قال عقلُ الكلِّ وكلُّ العقل، فليس عند أحد ٍخبرٌ أيُّ يومٍ هو هذا، ويوم ماذا، ويوم مَن، ومعرفته تتوقف على هذه الأقسام الثلاثة.
 
والأفضل أن نستعين به هو صلى الله عليه وآله، حيث ينقل شيخ المحدثين الصدوق في الأمالي روايةً نتعرض لقسم منها: عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله: يَوْم غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ أَعْيَادِ أُمَّتِي.
 
هذا جواب السؤال الأول، وههنا تظهر خصوصيّة نفس الزمان، فنسبة عيد الشهر الذي دُعيَ الناس فيه إلى الله، وأوجَبَ عليهم فيه الصيام، نسبته إلى هذا العيد نسبة الفاضل إلى الأفضل.
 
لقد جعل الله تعالى البيت للإسلام علَمَاً، وللعائذين حَرَماً، وأوجب حَجّه، وهو الحجّ الذي: اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِهِ المُطِيفِين‏، ثم جعل لَهُ عيداً هو عيد الأضحى، فكانت نسبة هذا العيد ليوم الغدير نسبة الفاضل للأفضل، هذا قسمٌ مما يتعلق بنفس الزمان.
 
أما ما هو ذلك اليوم؟ هنا يعجز العقل.
قال صلى الله عليه وآله: وَهُوَ اليَوْمُ الَّذِي أَمَرَنِي الله تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِ بِنَصْبِ أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَلَماً لِأُمَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ اليَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ الله فِيهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ وَرَضِيَ لَهُمُ الإِسْلَامَ دِيناً.
 
في الكلمة الأولى تتحيَّرُ كلُّ العقول، لأنّ فَهمَ المطالب ليس بسيطاً، والرواية غير الدراية. يوم ماذا؟ ههنا ثلاث مطالب: وَهُوَ اليَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ الله فِيهِ الدِّينَ، فينبغي معرفة الدين، ومرجعنا القرآن الكريم: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾‏، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلاَمُ﴾.
 
ذلك الإسلام الذي هو الدين عند الله، بلغت عظمته حَدَّ أن يكون هذا الدين دعاء إبراهيم بعد مقام الخلَّة وبناء الكعبة، ودعاء إسماعيل بعد الذبح العظيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾.
 
مثل هذا الدين مِن أوَّله إلى آخره كان ناقصاً، وأصبح كاملاً بكلمةٍ واحدة، ما كانت تلك الكلمة؟
 
الَّذِي أَمَرَنِي الله تَعَالَى ذِكْرُهُ: كلمات النبي صلى الله عليه وآله في مواضع خاصة لها حسابها، أكمَلَ دينه بماذا؟ بأن أمرني، هو الآمِرُ وأنا المأمور، مَن الآمر ومَن المأمور وما هو متعلق الأمر؟ بفهم هذين الطرفين يُفهَمُ الطرف الثالث، ليس المأمور إبراهيم ولا موسى ولا عيسى عليهم السلام، أولئك كلُّهُم دون هذا المتعلَّق، المأمور هو الشخص الأول في العالم، ومتعلَّقُ الأمر: أَمَرَنِي الله تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِ بِنَصْبِ أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَلَماً لِأُمَّتِي.
وما هي الغاية؟ يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي.
هنا سِرُّ كمال الدين، فقد كانت بعثةُ كلِّ الأنبياء ناقصةً وتمت بالخاتم صلى الله عليه وآله، وكان نزول الكتب من صحف آدم إلى إنجيل عيسى عليه السلام ناقصاً وتَمَّ بالقرآن.
كذلك رسالةُ أعظم الرسل وصاحب أكمل الكتب أيضاً كانت ناقصةً وأكملت بعليٍّ عليه السلام، هكذا يُفهَم المطلب، لماذا؟ وما برهانه؟
 
النبي صلى الله عليه وآله معلِّمُ الكلّ، إمامُ كلّ الأنبياء، والقرآن كتابه، لكن، هل يكون مِثلُ هذا الكتاب كاملاً أم ناقصاً دون مُبَيِّن؟
هذا الكتاب الذي هو ثمرة وجوده هل يكمل دون مُبَيِّنٍ ومُفَصِّلٍ؟ دون مَن يميِّزُ المحكمات عن المتشابهات، والعام عن الخاص، والمطلق عن المقيد، والعزائم عن الرُّخَص، ودون مَن يبيِّن بُطونَه وتخومَه، وهو الكتاب الذي لا يُدرَك قعره.
 
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾، فمَن هو الذي يستخرج كلَّ شيءٍ من هذا الكتاب؟
 
وتكون النتيجة: أنَّهُ لو لم يكن هذا اليوم لكانت بعثة كل الأنبياء من آدم إلى الخاتم كلُّها ناقصة! ولَكَان نزول كلّ الكتب من الصحف إلى القرآن ناقصاً: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
 
وتصل النوبة: إلى يوم من هو؟
ثُمَّ قَالَ‏ صلى الله عليه وآله: مَعَاشِرَ النَّاسِ: لقول كلماته يرتَجِفُ القلب، قبل أن تصل النوبة لفهمها!
ابتداء الكلام: مَعَاشِرَ النَّاسِ، فطرف الخطاب عمومُ الناس إلى يوم القيامة.
 
إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ: القيامَةُ هنا، عليٌّ مني وأنا من علي، ماذا في هذه الجملة؟ فَكِّروُا جيداً.
لهذه الدائرة قطبٌ، والقطبُ بلا دائرةٍ لا معنى له، وقام صلى الله عليه وآله هنا بعملٍ تتم فيه الحجة على العالم، هو صلى الله عليه وآله في الوسط، وعليٌّ عليه السلام حولَهُ مُحيطٌ به، فَكِّروُا في اللفظ جيداً لتصلوا للمعنى.
 
إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي: عليٌّ في الأول، وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ: عليٌّ في الآخر.
إنّ عُصَارة عمر ابن سينا كتاب الإشارات، وله إشارةٌ في الإشارات، وفي تلك الإشارة بحثُ الإنيّة، ما هي الإنية؟ ماذا يعني أنا؟
هذه يدي وهذه رجلي وهذه عيني وهذا رأسي، لكن أنا شيءٌ آخر، عليٌّ مني: مِن تلك الإنيّة وُجِدَ عليّ، هذا المطلب الأول.
والكلمة الثانية: إنيّتي أنا من عليّ، ماذا يعني هذا؟ هنا حيرة الكمل.
 
خُلِقَ مِنْ طِينَتِي: وهذا المطلب الثالث.
وَهُوَ إِمَامُ الخَلْقِ بَعْدِي: كلُّ الخلائق مأمومةٌ، وهو الإمام حصراً.
يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ سُنَّتِي: وهذا المطلب الخامس.
 
وَهُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ: هل فهمتم ماذا يعني أمير المؤمنين؟ اقرؤوا سورة (المؤمنون) وانظروا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾، مثل هؤلاء أميرهم علي بن أبي طالب عليه السلام.
 
﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، المؤمن أعزُّ من الكبريت الأحمر، وعليٌّ أمير هذا الجمع.
 
وَقَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَيَعْسُوبُ المُؤْمِنِينَ، وَخَيْرُ الوَصِيِّينَ، وَزَوْجُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ: بَيَّنَ صلى الله عليه وآله كل الخصوصيات النَّسَبيّة والحَسَبيّة والسَّبَبيّة، وأنّ يوم الغدير يومُ مِثلِ هذا.
 
وخَتمُ الكلام مهمٌ، من أين بدأ وأين يختم؟ بدأ من هنا: إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي، هذه البداية وشروع المطلب، وأما ختم الكلام فقوله صلى الله عليه وآله: وَأَبُو الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ.
هذه ثلاث كلمات: أيّ يوم؟ ويوم ماذا؟ ويوم مَن؟
 
فمَن كان اليوم يومه، ليس قابلاً للإدراك بتلك البساطة.
نختم الكلام بما ورد في تفسير القمي: أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ هُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام.
وَسُئِلَ عَنِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أَعْلَمُ؟ أَمِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ؟
فَقَالَ: مَا كَانَ عِلْمُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ عِنْدَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَأْخُذُ البَعُوضَةُ بِجَنَاحِهَا مِنْ مَاءِ البَحْر.
 
هذا هو عليٌّ، عليٌّ مَن عنده علم الكتاب، ومَن كان عنده عِلمٌ مِنَ الكتاب يحضر عرش بلقيس، وكان مستعداً لإحضار الجبال، فسئل الإمام عن المقايسة بين آصف وسليمان وداوود وكلُّهم عندهم علمٌ من الكتاب، وبين من عنده علم الكتاب.
 
إنّ نِسبَتَهم إلى مَن عنده علمُ الكتاب من جهة الفضل بهذا المقدار، فما عندهم قطرةٌ وما عند عليِّ عليه السلام تمام البحر.
 
من كتاب (أنوار الإمامة) ص297.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/28



كتابة تعليق لموضوع : الغدير كعليٍّ.. عصيٌّ على الإدراك! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net