صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

واقعة فخ ، الطف الصغرى
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يمكن لقارىء حياة الإمام موسى بن جعفر ع قراءة تحليلية وقراءة جيدة للتاريخ أن لا يقف عند اسباب وأحداث ونتائج واقعة فخ ، هذه الثورة العلوية المهمة والتي قادها الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على خلفية المضايقة الشديدة التي مارسها بنو العباس على العلويين من ذرية الرسول صلوات الله عليه ، وخاصة في ايام الهادي العباسي الذي شدّد على العلويين و« ألحّ في طلب الطالبيين وأخافهم خوفا شديداً وقطع ما كان لهم من الأرزاق والأعطية » تاريخ‏ اليعقوبي ، ج‏ 2 ، ص 404 .
ومن جانب آخر ولّي المدينة رجلاً من أحفاد عمر بن الخطاب فشدّد هو أيضاً على الطالبيين وأساء إليهم ، قال اليعقوبي : فلما اشتدّ خوفهم اجتمعوا عند الحسين صاحب فخ وقالوا : أنت رجل أهل بيتك وقد ترى ما نحن فيه من الخوف ، فقال الحسين: إني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر ، فبايعه عدد كثير .

وتذكر بعض الروايات التاريخية ان المدينة سقطت على يد الثوار ثم توجهوا الى مكة حيث موسم الحج وعندما وصل خبر خروج الحسين إلى الهادي العباسي ، أمر وجوه العباسيين الذين قد ذهبوا إلى مكة للحج أن يتهيؤوا لمقابلة الحسين وأمّر محمد بن سليمان عليهم . فانطلق جيش العباسيين إلى المدينة فالتقي الجيشان يوم التروية ( 8 ذي الحجة ١٦٩ للهجرة ) في منطقة «فخ» شمال مكة بفرسخ ، وعُرض على الحسين الأمان ، إلا أنه رفض فبدأت الحرب وقتل الحسين وكثير من أعوانه كما اُسِر بعضهم وهرب آخرون .

لقد قُتل في واقعة فخّ نحو مئة نفر من ذرّية السيّدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وقُطعت رؤوسهم ، وسُبيت النساء والأطفال ، ثمّ أُرسلت رؤوس القتلى إلى الطاغية موسى الهادي ومعهم الأسرى ، وقد قُيّدوا بالحبال والسلاسل ، ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد ، فأمر الطاغية بقتل السبي حتّى الأطفال منهم على ما قيل ، فقُتلوا صبراً وصُلبوا على باب الحبس .

وروى المسعودي أن أجساد شهداء فخ بقيت ثلاثة أيام على وجه الأرض حتى أكلتهم السباع والطير ومن هنا وصفها الإمام الجواد (ع) بأنه لم يكن لأهل البيت (ع) بعد الطفّ مصرع أعظم من فخّ . وروي أن الإمام الكاظم (ع) كان يبكي شهداء فخّ ويبتهل الى الله بهلاك عدوهم ويدعو عليه بالويل والثبور والعذاب الأليم ، كما تكفّل اليتامى والاطفال والأرامل العلويات ..

ذكرها دعبل الخزاعي في قصيدته

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي نجوم سماوات بأرض فلاة
قبور بكوفان وأخرى بطيبة وأخرى بفخ نالها صلوات

ولنا على هذه الواقعة بعض التعليقات :

الأولى : نعرف منها مقدار الضغط الكبير الذي كان يمارسه بنو العباس على العلويين الى الدرجة التي يكون فيها خيار الثورة خياراً وحيداً للخروج من هذا الإرهاب والعنف الشديد رغم توقع مأساوية النتيجة وفضاعتها على القائمين بها وبما يشبه الانتحار ، حيث أخبرهم بذلك الامام الكاظم ع عندما جاء اليه الحسين يطلعه على ما يريد فعله ، فقال له الامام : ( يَا ابْنَ عَمِّ إِنَّكَ مَقْتُولٌ فَأَجِدَّ الضِّرَابَ فَإِنَّ الْقَوْمَ فُسَّاقٌ يُظْهِرُونَ إِيمَاناً وَيَسْتُرُونَ شِرْكاً وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أَحْتَسِبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عُصْبَة ) ..

الثانية : تُطلعنا هذه الثورة على المنهج الذي اتبعه الائمة اتجاه ثورات العلويين ، كثورة زيد بن علي ايّام الإمام الباقر ع وبعده ابنه يحيى بن زيد ، او ثورة محمد ذي النفس الزكية ايام الإمام الصادق ع علاوة على هذه الثورة ( فخّ ) ايّام الإمام الكاظم ع .. وهو منهج دقيق وحساس ، ففي الوقت الذي لا يمكن للائمة الاشتراك بهذه الثورات بشكل علني وصريح لعدم الإخلال بأهم وظيفة تحملّها الائمة ع وهي المحافظة على خط ومدرسة وإسلام اهل البيت ع ، نراهم عليهم السلام يخبرون قادتها بالمآل الذي سيكونون عليه ويترحمون على شهداء تلك الثورات ويحرصون على تسجيلها كصفحة واضحة لمظلومية هذا الخط الإلهي وعنجهية وطغيان اعدائهم ومناوئيهم .. فحافظت هذه الثورات على الفاصل الموجود بين خط الخلافة المحمدية وخط خلافة السقيفة ..

الثالثة : خسرت هذه المعركة في المشرق ولكنها ربحت دولة في المغرب ، وهي دولة الأدارسة التي أسّسها إدريس بن عبد الله الملقب بإدريس الأول بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله ، بعد أن نجا بنفسه من المذبحة الرهيبة في هذه الموقعة .. استمرت هذه الدولة قرابة قرنين من الزمن .. مدح الامام الرضا ع ابن ادريس ، ويسمى ادريس ايضا حيث ورد عنه ( رحم الله إدريس بن إدريس بن عبد الله ، فإنّه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم ، والله ما ترك فينا مثله ) مجالس المؤمنين ، للقاضي نور الله الشوشتري 2: 286 .
مما يشير الى اطّلاع الائمة على أحوال هذه الدولة ، وأن لها انعكاسات مهمة ، لعلّه تكون سياسية او اقتصادية او امنية او عقائدية على خط ومدرسة أهل البيت عليهم السلام ..

الرابعة : عندما نطّلع على علاقة الطالبيين بالإمام الكاظم ع واهتمامهم برأيه بكل خطوة يخطونها وحرصهم على استحصال وانتزاع الرضا والأذن بحسب ما تسمح به الظروف وخاصة أصحاب ثورة فخّ .. نستطيع أن نقول أن هذه الأحداث السياسية ، مواجهة السلطة وتأسيس الدولة في المغرب هي من أساليب وتدبيرات الإمام الكاظم ع بشكل وبآخر .. فتحسب لإمامته صلوات الله عليه .

الخامسة والأخيرة : من هذه الثورة وغيرها من ثورات العلويين نعرف مدى غليان الدم عند الطالبيين ومقدار كبريائهم وشجاعتهم اتجاه المظلومية التي يواجهونها .. في قبال منهج الصبر وتحمّل الأذى والتقية التي أجبروا عليها ائتماراً للائمة وحفاظاً على دين وشريعة جدهم صلوات الله عليه ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/18



كتابة تعليق لموضوع : واقعة فخ ، الطف الصغرى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net