بين الإمام علي والسيد المسيح عليهما السلام
عبد الكريم العامري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الكريم العامري

إن تشكل شخصية المرء لا علاقة له بالجهود المسرحية التي يبذلها البعض ليبدو مختلفين عن سائر الناس، مع ذلك فهو يبرزه ويميّزه عن غيره؛ نظراً لأنه يهييء فرصة الظهور والنشاط لتلك الخصائص التي ينفرد بها دون سواه.. الشخص، إذ يركز على مهمته تلك، يغلب ألا يكترث لأمور أُخَر يهتم بها من حوله الناس، يبدو غيره بالقياس الى ما يحققه من فردية (عاديين بالأرقام) أو قد يبدو(شاذا) بينهم؛ لأن التنظيم السائد للأمور لا يتفق معه بطريقة أو أخرى، في الوقت نفسه نجد كلّ اهتمامه ينصبّ على ما يحاول تحقيقه لا على محاولة (الاختلاف)على العرف المألوف.
هناك جوانب ينبغي ملاحظتها:
الجانب الأول: كل اهتمام حقيقي يسير بعادات الملاحظة يشكلُ اتجاهاً معيناً، ولعل في حياة الإمام علي والسيد المسيح (عليهما السلام) مثالاً على ذلك؛ فقد ألهبهما التحمس لأمور خالفوا فيها المقاييس السائدة في عصريهما بدرجة جعلتهما يرَون ما لا يراه الآخرون؛ لم ينظروا الى العالم بأعين القياصرة، القساوسة، الرياضيين، الفنانين.. رأى عيسى النبي (ع) ملكوت الله في حبة خردل، أسنان كلب ميت، بيمنا الإمام علي (ع) في نملة لا أسلبها جُلب شعيرة.
نظر المسيح (ع) إلى بعض الصيادين، المساكين، الجدع، العرج، العمى (بطرس، يعقوب، يوحنا) رأى فيهم أناساً حملة رسالة لا يقلون في أهميتهم وإنسانيتهم عن سائر الناس، بينما علي (ع) رأى (بلال، سلمان، عمار، أبو ذر، صهيب)، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
وبعين ملؤها العطف والمحبة نظر المسيح (ع) الى شاب غني، لم يغبطه على غناه، إنما رثى لما سوف يلقاه من صعوبة في تقديم المهم على ما هو أقل منه أهمية وشأناً، بينما علي (ع) رأى في ملكية الشاب حلالها حساب وحرامها عقاب، استبشار الوارث أو الحادث. أكل عيسى(ع) ما خشن من العود البري، عارياً إلا من السترة، أما علي (ع) اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه الأخشن، ملبسه سمل قطيفة.
قال عيسى (ع): (من ضربَك على خدّك الأيمن أعطيه الأيسر)، شعار الإمام علي (ع): (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه). ينظر عيسى الى وجه أحد من الناس لم يكن يركز انتباهه على الأضواء والظلال على نحو ما يفعل المصور الفوتوغرافي، كانت دائرة اهتمامه تتصل بأعمق جوانب الحياة كمعلم ومرب، يتأمله علي (ع): (مسكين ابن ادم تؤلمه البقة، تقتله الشرقة، تنتنه العرقة).
الجانب الثاني: إن في القدرة تكمن أوثق الدلائل على صدق فكرة المرء عن نفسه أو زيفها الذي يحاول يوماً بعد آخر أن يفتعل شخصية ليست له، لابد أن يكون في غمرة القلق مدفوعاً ومسوقاً لا ملبياً ومقبلاً، بينما الشخص الذي يقبل على عمله في حرية، حماسة كلما سنحت له فرصة العمل إنما يبرهن أنه صاحب العمل، صانعه، مصدره.
الجانب الثالث: إن من جوانب عملية النمو السليم قدرة المرء على إحلال التنظيم الذاتي للنفس محل التنظيم المفروض عليها من الخارج الذي لا يكترث لشيء خارج نفسه لا يشعر بدافع نحو التحرر من التواكل، الركود، أو البذل.. قال علي(ع): (من كان همّه ما يدخل بطنه كانت قيمته ما يخرج منها).
الجانب الرابع: إن دائرة اهتمام المرء ومدى إخلاصه لموضوعه يحددان المصادر التي يشتق منها أنسه، سعادته، قوته.. يقول علي (ع): (لا تزيدني كثرة الناس الإ وحشة)، الدنيا طريقها موحش طويل، ليكن متاعك منها حسو الطائر.. هؤلاء يبحثون بين الأحياء من يشاركونهم في طعامهم وسمرهم، كذلك يبحثون عنهم بين من طواهم الموت يجدون فيهم الشهود اللذين لم يجردوا الحياة من زينتها، بل ارتداء فكرة الحب. إنها (الرسالة) التي تطبع شخصية الفرد بسمة معينة قد تكون غاية في التواضع، فحيث تكون الأبوة مثلاً (رسالة) لا يعمد الأب الى فرض مطامحه، معاييره، رجولته، قسوته، على طفله، قال الإمام علي(ع): (لا تقسروا أولادَكم على أخلاقكم فانهم خُلقوا لزمان غير زمانكم)؛ كذلك رب العمل التشريعي، السياسي، الإداري، التربوي، حيث تصبح إدارة العمل (رسالة) فان ذلك يتجلى في الطريقة التي ينظر صاحب العمل الى عماله.
قد يقصر صاحب الحال دون بلوغ المستوى الذي تؤهله له قدراته، إذا استهلك قلقه على نفسه كل قواه، وقام بينه وبين عالمه سدٌّ منيع قوامه سوء الفهم، مشاعر العداء النابعة من نفسه، فجعل تلك القدرات التي حباه بها الله سبحانه وتعالى كأن لم يكن لها وجود.. أصبح آخر من يمثل العقل المتحرر والروح الوثابة؛ لأن مشاعره المضطربة استعبدته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat