همْسٌ من النهرين
د . منهال جاسم السريح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . منهال جاسم السريح

من نعمِ الله سبحانه وتعالى أن جعل للعراق نهرين خالدين هما دجلة والفرات، فهما ديمومة للحياة والخصب والنماء.. وهما من رموز هذا البلد المعطاء، فأرض بلاد الرافدين وأرض السواد وبلاد ما بين النهرين مسميات تؤكد الارتباط التأريخي والحضاري والبيئي لهذه الأرض بالنهرين العظيمين.
فمنذ اكثر من سبعة الآف عام شيد الانسان العراقي على ضفافها أقدم حضارة عرفتها الإنسانية، وما زال يستمد منها كل مصادر القوة والديمومة والبقاء من اجل الحياة. لذلك فان الحفاظ عليها يستوجب العمل على التخلص من عوامل التلوث والإهمال والتخريب، وهي مسؤولية تاريخية ووطنية تقع على عاتق الجميع، حكومة وأفرادا ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني..
وفي هذا المضمار يبرز الدور الذي تلعبه المنظمات والجمعيات غير الحكومية في مراقبة التلوث ومصادرها التي تصب في مياه النهرين، والبحث في الوسائل الكفيلة بمعالجتها والحد من تراكم الأملاح والمواد الصلبة، ومخلفات المصانع الكيمياوية والصناعية والمصادر الجرثومية التي تلقى منها.
يهتم العالم اليوم بترسيخ مبادئ الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية كأساس للتنمية المستدامة والتي لابد وان تشارك فيها المجتمعات، وتدعم مساندتها الحكومة بالسياسات والقوانين التي تضمن للمجتمعات بيئة نظيفة تتم من خلالها التنمية ولاتعيق مسارها بل تؤكده .
ان الواقع البيئي الراقي والمتطور في أية دولة يمثل تفعيلا لدور الحكومة والمواطن في الحفاظ على البيئة والتعامل العقلاني مع الموارد الطبيعية والابتعاد عن كل ما يضر البيئة. وان هذا الهدف لايتحقق الا بتفعيل المسؤولية المشتركة بين الحكومة والشعب أفرادا وجماعات. اذ ان خلال اي ظرف بالتزامه يؤدي الى تعثر مسيرة البناء البيئي للدولة وخاصة من قبل الشعب بمختلف شرائحه لأن الحكومة ومهما اضطلعت به من دور فاعل لاتستطيع ايجاد واقع بيئي متطور في غياب الشريك الاخر المتمثل بالشعب.
ولما كان الحفاظ على البيئة من التلوث لابد أن يأتي بناء على القناعة الشخصية والالتزام الحكومي والمجتمعي بضرورة تغيير انماط السلوك والاستهلاك في كل من الدول المتقدمة والنامية على السواء فقد استوجب ذلك تنمية المشاركة المجتمعية الواعية بما يجب عمله من قبل افراد المجتمع بكل شرائحه لانقاذ ما يمكن انقاذه من التدهور الملموس في البيئة، والذي ادى الى تلوثها بحيث اصبح من الصعب اصلاحها او اعادتها الى ما كانت عليه. ولا ننسى دور دول الجوار استنادا الى قاعدة الفهم المشترك والمصلحة العامة بين بلدان حوض نهري دجلة والفرات.
ان ذلك يتطلب ايضا التنسيق بين الدوائر المعنية ذات العلاقة مع وزارة البيئة في شرح وعرض المشاكل البيئية المتراكمة التي يعاني منها بلدنا العزيز، اضافة الى استثمار طاقات مختلف الخبراء في مجالات البيئة وبالاشتراك مع الجمعيات العلمية في المجتمع مع الدوائر التخصصية.
ولابد لوسائل الاعلام المختلفة وخاصة المرئية ان يكون لها حضور في المجال البيئي من خلال برامجها المنوعة في ايجاد واقع بيئي متطور في العراق، وان يكون جزءا من رسالتها، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تفعيل دورها في خلق مواطن يتمتع بالمواطنة البيئية، ويضع الاهتمامات البيئية ضمن اولويات حياته رغم التعقيدات التي تعتري ظروف حياته. لاسيما وان مشكلة تلوث المياه تلامس حياة المواطن بشكل مباشر، وان تلوث مياه الشرب فعلا لايقل خطورة عن اي عمل ارهابي قد يحصد ارواح العشرات بل المئات من الأبرياء..؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat