صفحة الكاتب : فاضل حاتم الموسوي

مـــا لكــم وللنــــاس
فاضل حاتم الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     من إخلاص الإنسان نحو دينه ومعتقده يجعله متحمساً لنشره وإقناع الآخرين به , ويجعل من هذا الاندفاع  نوعا من أنواع  المكاسب والوفاء تجاه ذلك المعتقد . والحقيقة انه مما ابتلي به المجتمع الإسلامي وجود نزعه تعصبيه عند البعض  تريد أن تعرض قناعاتها على الآخرين طوعاً أو كرهاً . ومن المعلوم أن الذي يريد فرض رأيه بالقوة إنما هو نوع من الاعتراف بالفشل مقدماً وتصريح بعدم قدرته على إقناع الناس واستقطابهم لما يعتقد هو به  كذلك أنه ابعد ما يكون عن روح الإسلام الذي رفع شعار الحرية الفكرية , قال تعالى :﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ ي  (البقرة :256). وقال تعالى أيضا :﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾  .(الغاشية :  21- 22) . فيصرح القران الكريم أن الناس أحرار في اتخاذ معتقدهم الديني و الفكري ولا يوجد جهة مخولة من الله بمحاسبة الناس على ذلك , ويكون دور الأنبياء والرسل هو التذكير والحوار المفتوح وليس السيطرة والهيمنة الفكرية على من لا يقبل الدعوة , قال تعالى : ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾. (النساء:80) .

   كذلك لا ينبغي لمن يعتقد بصحة  وصواب رأيه أن يُجبر الآخرين على اعتناق ذلك الرأي ومن يرفض فله الحرية في ذلك , عن ثابت بن سعيد قال : قال أبو عبد الله (ع) : يا ثابت : ما لكم وللناس , كفوا عن الناس ولا تدعو أحداً الى أمركم , فو الله لو أن أهل السماوات وأهل الارضين  اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يُريد الله ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه , ولو أن أهل السماوات وأهل الارضين اجتمعوا على أن يضلوا عبداً يُريد الله هدايته ما استطاعوا أن يضلوه, كفوا عن الناس ولا يقول احد: عمي وأخي وابن عمي وجاري , فان الله إذا أراد بعبدٍ خيراً طيب روحه , فلا يسمع معروفاً إلا عرفه, ولا منكراً إلا أنكره , ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره .(الكافي :ج1: ص165). ومفاد الرواية  أن الإمام الصادق(ع)  يدعو الى الانفتاح والحوار مع الآخرين بالوقت نفسه يمنع شيعته من التدخل في عقائد الناس والجدال معهم مما يسبب نزاعاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً لما له من أضرار وتخريب الوضع الاجتماعي ومن المؤسف جدا أن تسود حالات الصرع الطائفي       المذهبي في المجتمع الإسلامي الذي يعتمد على دستور يعترف بوجود التنوع ويُوصي أتباعه بحسن التعامل مع المخالفين لهم في الدين ما لم يكونوا معتدين قال تعالى :﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.  (آل العمران :25)

    إن الله تعالى تكفل يوم القيامة سيقضي في هذه الاختلافات والقضاء فيها قال تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أ (السجدة :25 ) ويقول علماء التربية أن الطفل يكتسب أنماط حياته وعاداته ومعتقداته من الأسرة التي يتربى بها ,  وهذا ما رأيناه في كل الأزمان      والعصور وبتناقله جيل عن جيل بالوراثة والتربية وقد أشار الإسلام الى هذه الحقيقة الاجتماعية , ورد عن ابن عباس (رض) أن رسول الله (ص) قال : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه . (مجمع الزوائد: ج7 : ص218) . وكذلك قوله تعالى :﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ (الزخرف : 22)  , وعندما يكبر ذلك الطفل ويصبح شاباً لا يحب أن يكون شاذاً عن ذلك الجو, وان كانت بعض تلك الاعتقادات أو الممارسات غير مقتنع بها . فتكون هناك أجواء الرضا العام لكل فئة من فئات المجتمع بما لديها من عقائد وآراء , فلا يسمحون لأي شخص أن يعيب عليها أو ينتقص منها لأنها حينئذٍ تولد انعكاسات غير طيبة على تركيبة المجتمع , وهو ما نبه إليه الإمام الصادق (ع) أتباعه بقوله : لا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب , أن الله عز وجل قال لنبيه (ص) (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) وقال : أفأنت تكره الناس , فان الناس اخذوا عن الناس , وأنكم أخذتكم عن رسول الله (ص) ولا سواء , وإنني سمعت أبي يقول إذا كتب الله عز وجل على عبدٍ أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه الى وكره . ( بحار الأنوار : ج65: ص209) . ولأن أغلب الجدال يكون الغرض منه المغالبة والمعاندة مما يُولد الخصومة  والابتعاد عن طريق الحق والهداية فيكون وجهاً من جوه مرض القلب والعياذ بالله .

   وختاماً نستطيع أن نقول أننا بهذه الرؤيا سوف نؤسس الى أجواء الوئام والسلام داخل المجتمعات المتنوعة , وندفع خطر التمزق والتناحر الذي يؤدي الى الصرع المذهبي والاحتراب الطائفي عن المجتمع المسلم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاضل حاتم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/04



كتابة تعليق لموضوع : مـــا لكــم وللنــــاس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net