إن من أهم مقومات الحياة هو كيفية اضاءة المكان والبحث عن الوسائل الكفيلة بذلك فلقد كان السومريون القدماء يعتمدون في بنائهم على عمل مداخل للضوء وخاصة ضوء الشمس حسب قياسات خاصة، فقد كشفت عمليات التنقيب عن قصور ومعابد تضاء اضاءة كاملة في ساعات النهار من خلال نوافذ وممرات ضوئية خاضعة لعملية اسقاط الضوء وانتشاره في المكان. والى امد قريب كنا نشاهد بعض المباني القديمة وقد انيرت من الداخل وكأن فيها مصادر حديثة للإنارة، إن هذا كله يتم لحين غروب الشمس اما عند المساء تتم عملية ايقاد مستلزمات الانارة المتعارف سابقا، فقبل النهضة الصناعية واكتشاف الكهرباء كانت كل الوسائل بدائية لا تتعدى مستلزمات الاضاءة البسيطة مثل (اللالة والقنديل والفانوس واللمبة) وغيرها من الوسائل البسيطة.
ولكن اصرار الانسان على التطور ومصارعة العيش رغم صعوباته جعله يتفنن ولو بتلك الوسائل البسيطة لجعل حياته اكثر بهجة وسعادة. ان وسائل الاضاءة البسيطة تكاد تكون موجودة في كل البيوت. اما في البيوت الكبيرة والديوانيات والأماكن العامة فكانوا يستخدمون (السراج) وهو مصباح كبير يعمل بالزيت ذو اضاءة شديدة. وكذلك يستخدمون الثريات الزيتية التي تملأ بالزيت وتشعل وبذلك ينبعث منها ضوء قوي يبدد ظلمة ذلك المكان. وهنا قصة طريفة عن تلك الثريات: روي أن هارون الرشيد امر ببناء قصر كبير له على نهر دجلة وجعل فيه من الحدائق والنافورات ووسائل الراحة ما يسر الناظر وجعل للقصر كذلك غرفا كثيرة ذات نوافذ عديدة وعلقت امام كل نافذة ثريا كبيرة فعند اضاءتها جميعا يكون قد ضرب الضوء على النوافذ ومن ثم على نهر دجلة فتبدو دجلة وكانها في عرس وعندها يعرف البغداديون ان خليفتهم قد اسهر ليله هذا في ذلك القصر. اما بالنسبة للشوارع والازقة والحواري فتكون عملية اضائتها بالفوانيس الخاصة بذلك حيث تكون الدولة هي المسؤولة عن مصاريف وادامة هذه الفوانيس حيث يعين لذلك عمال خاصون بانارة الازقة والشوارع والحواري ويسمى هذا العامل (بالنقاط) حيث يقوم بتزييت الفوانيس الموضوعة في تلك الأماكن العامة فهي غالبا ما تكون معلقة في بدايات الطرقات وفي انحاء متفرقة من الازقة فيقوم بتنظيفها وتزييتها واشعالها في ساعات العصر قبل حلول الظلام، أما تلك الفوانيس فهي عادة ما تكون كبيرة وذات أبواب ومحاطة بالزجاج للحفاظ عليها وحمايتها من الامطار والاتربة والرياح.. وهذه الفوانيس تسمى بفوانيس (ابو الكنتور) فعند اضاءتها تصبح المدينة مع شوارعها وازقتها وكانها شعلة من ضياء وبذلك تتبدد ظلمة الليل الموحشة. وعند الصباح يرجع (النقاط) حاملا سلمه الخشبي ليطفىء تلك الفوانيس ومن ثم تهيئتها للعمل عند المساء.
وهناك امثال شعبية كثيرة حول اهمية الضوء وعدم الاستغناء عنه ومنها (خلي من عشاك على ضواك) اما خير مثال على اهمية النور والضياء هو قوله تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) الرعد/16. وكذلك قول رسول الله محمد (ص): (لقد جاء الإسلام ليخرجكم من الظلمات الى النور). إن الشرك بالله وكل الاعمال الشريرة الخبيثة قد وصفها الله ورسوله الكريم بالظلام بينما وصف الايمان بالله وكل اعمال الخير بالنور، وهذا خير وصف وتشبيه فالنور هو الابصار والحياة والخير. ان كثيرا من الأقوام السالفة قد عبدت مصادر الضوء ومنها الشمس والقمر والنجوم وكذلك النار اعتقادا منهم ان النور الذي يبدد الظلمة ووحشتها هو الله. وهذا قصور في تفكيرهم فأن الله عز وجل هو نور السماوات والارض الذي بنوره الوهاج الساطع يقضي على ظلمة الشر والاشرار وعلى كل حال فأن النهضة الكبيرة باكتشاف الكهرباء احدث ثورة في كيفية الاضاءة وتطور مصادرها وتقنياتها فأصبح الناس اليوم ينعمون بهذه النعمة الكبيرة التي كانوا محرومين منها في الماضي فجزى الله خيرا كل من يريد ان ينور الناس ويسعدهم.
محمد عبد الجليل
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat