صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 11 ) وقفة عند ايتين
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عند ملاحظة الايتين 57 و58 من سورة يوسف (عليه السلام) نجد ان القران الكريم يطوي اربعة عشر سنة من تاريخ خروج يوسف (عليه السلام) من السجن دون ان يتحدث عن كيفية تجاوز يوسف (عليه السلام) لمشكلة القحط، وما  هي طبيعة التحديات التي عاشها في بلاط الملك المصري، وما هي مواقف المصريين منه، انما يتحول مباشرة من لقاءه (عليه السلام) مع الملك الى مجيئ اخوة يوسف (عليه السلام) الى مصر طلباً للطعام، ومن هذا يمكن ان نستفيد عدة امور:
1.  ان القحط لم يقف عند حدود مصر بل تعداها الى بلاد الشام حيث كان يسكن ال يعقوب (عليه السلام)، ولولا ذاك ما كان اخوة يوسف (عليه السلام) ليتركوا بلدهم الى مصر طلباً للطعام.
2.  ان القران الكريم لم يركز على طريقة العمل الاداري، ولا على طبيعة التحديات الاجتماعية او السياسية التي ولدها تصدي يوسف (عليه السلام) للمنصب، اي ان المنهج في سورة يوسف كان التركيز فيه على يوسف (عليه السلام) واخوته، واما الاحداث الاخرى التي لم تكن بينهم فان القران الكريم لم يتطرق اليها الا بالقدر الذي له علاقة بالربط المنطقي للاحداث، فلم يحدثنا القران الكريم عن طبيعة العلاقة بين اخوة يوسف الا على نحو الاشارة الى وحدة موقفهم تجاه يوسف (عليه السلام)، ولم يتحدث عن حياة يوسف (عليه السلام) في مصر الا بقدر الاشارة الى تسلسل الاحداث البعيدة التي ادت الى التغيير الذي طرأ على حياة يوسف (عليه السلام) حتى وصل الى المقام الذي حقق لقاء يوسف (عليه السلام) بإخوته بعد سنين طويلة، وبالتالي فان التركيز في السورة الشريفة على الاطر التي لها علاقة بحديث يوسف (عليه السلام) واخوته، لما في هذه القصة من عبر مهمة على الانسان ان يلتفت اليها في مجمل شؤونه.
3.  ان تخطي سورة يوسف (عليه السلام) لأحداث كثيرة في عالم الادارة والتركيز فيها على الاحداث الخاصة بآل يعقوب (عليه السلام) يكشف عن ان جزئيات العمل الاداري والفني متروك لتطور الانسان وقدرته على استكشاف موارد الطبيعة، وان الله تعالى جعل في الانسان قدرة على التطور والابداع من خلال الاستثمار الامثل لطاقاته العلمية في سبيل تنظيم شؤون حياته، وان يد الغيب تدخلت في جملة من الموارد لدفع حركة الاستكشاف نحو الامام منها مثلا الانة الحديد لدواد (عليه السلام) وتسخير المخلوقات لسليمان (عليه السلام) وتطوير طريقة خزن المحاصيل التي قام بها يوسف (عليه السلام)، فاليوم نجد حديث عن لغة الحيوانات وطريقة تعايشها والقوانين التي تحكمها وسبل التفاهم التي تجري بينها وكان هذا ظاهرا في اطلاع سليمان (عليه السلام) على منطق الطير وفهم كلام النملة، وحديث حمل الريح لسليمان (عليه السلام) الذي ربما كان له دور في تحريك ذهنية العلماء للطيران عبر الهواء بعد تمكنهم من معرفة القوانين التي تسمح بذلك، وليس بعيداً عن ذلك ما يقوم به بعض اصحاب الرياضات من خوارق للعادات، فالنتيجة ان الله تعالى اذن للانسان باستغلال موارد الطبيعة التي احاطت به، وجرى ذلك الانتقال العلمي الكبير على يد البشر الذين اكتشفوا جملة من اسرار الطبيعة وتنامت نظرياتهم العلمية في الجانب المادي حتى بلغت التطور مستويات عظيمة، والحال مستمر في ادامة التطور فكل يوم تشهد البشرية انجازات جديدة بفعل استغلال الانسان للمواهب التي افاضها الله عليه.
ما بعد الفراق
بعد سنين طوال عاش يوسف (عليه السلام) فيها ظروفاً مختلفة وذاق فيها الواناً متنوعة من تقلبات الدنيا وعدم استقرارها، مواجهاً تلك المصاعب وحيداً فريداً الا من رعاية الله وحفظه وعصمته له وحمايته اياه، عاش يوسف (عليه السلام) مرارة كيد الاخوة وتآمرهم ومحاولتهم ازهاق روحه لا لشيئ الا انهم حسدوه على حب ابيه له، وتلوى تحت سوط الرق لان حقد اخوته عليه دفعهم الى بيعه كعبد ابق وهو ابن كرام الخلق على الله، تقلب في لياليه وامضى نهاره على مرارة فراق ابيه اقدس خلق الله على الارض وتجرع قسوة فراق اخيه ظلماً وعدواناً، وكل ذلك كان سببه اخوته، اخوته الذين لم يصدر منه بحقهم اساءه الا ان الله اختاره عليهم ووهبه مالم يهبهم، واليوم وبعد فراق سنين طوال يقف اولئك الاخوة العاقون بين يدي يوسف (عليه السلام)، الذي لم يعرفوا عنه شيئاً منذ ان باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين، لم يدر في خلدهم ان محبوب ابيهم بعد طول جهاد وصد لشياطين الانس قد مهد الله له السبل حتى اصبح عزيز مصر، انه درس لبني الانسان ان تقادير الله ماضية مهما حاول البشر ان يعمل على ايقافها وان ما بني عليه الانسان من عَجَل لن يغير التقدير.
يبين القران لنا جزء من الحدث ويسدل الستار عن جزئيات كثيرة في هذا اللقاء، لم يخبرنا القران الكريم عن مشاعر يوسف (عليه السلام) تجاه اخوته عندما رآهم، وما الذي جاش في صدره هل مر في خاطره محاولة قتلهم اياه ورميه في البئر وبيعه على السيارة، ام جال في فكره ايام الصبا في ارض كنعان وفيض حب ابيه، هل غلا في قلبه مرجل الشعور بالمظلومية لما قاموا به تجاهه ام هاج في وجدانه الشوق والحنين لما تقتضيه عاطفة الاخوة، هل كان يوسف (عليه السلام) يلتقي جميع من يأتي لشراء الطعام من مصر من غير ابناء ارضها ام ان اللقاء كان خاصاً بإخوته، وهل لقاءه بهم كان بتدبير منه (عليه السلام) ام انه وقع صدفة، كل هذه الامور وغيرها اسدل القران الكريم عنها الستار، وبين لنا شيئاً واحداً ان يوسف (عليه السلام) عرف اخوته، بينما لم يعرفه اخوته :
﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ 
التمهيد لمجيئ بنيامين
وكما لم يخبر القران الكريم كيفية لقاء يوسف (عليه السلام) بإخوته، لم يبين ايضاً كيف ان يوسف (عليه السلام) اظهر لهم معرفة وجود اخ لهم من ابيهم لم يأتوا به معهم، فهل استقبلهم يوسف (عليه السلام) استقبالاً خاصاً واستضافهم في محل خاص واستدرجهم ليتحدثوه عن منطقتهم وارضهم وابنائهم واخبار ابيهم وموقعهم الاجتماعي بين الكنعانيين، ام ان الذي قام بذلك بعض ثقاته  كي لا يثير الريبة في قلوب اخوته في كيفية معرفته بوجود اخ لهم لم يأتوا به معهم، لم يتطرق القران الكريم لهذه الجزئيات، واختصر هذا اللقاء المفعم بالاحداث بطلب يوسف (عليه السلام) من اخوته ان يأتوه باخيهم والا فانه لن يكيل لهم الطعام مرة اخرى:
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ 
نعم ربما يستفاد مما حكاه القران الكريم من قول يوسف (عليه السلام) ﴿وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ ان اخوته كانوا في ضيافته، وانه احاطهم بعناية خاصة، جعلت طلبه اليهم في ان يصطحبوا اخاهم معهم في المرة القادمة امراً ليس شديد الاستغراب، وان يكن التهديد بمنع الكيل عنهم في المرة القادمة يثير في اذهانهم الاستفهام عن هذا الالحاح الشديد:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ﴾ 
هذا المجمل من التعاطي الايجابي من عزيز مصر تجاه بني يعقوب (عليه السلام) شجعهم في ان يعدوه بأنهم سيراودون عنه اباه، وهذا يكشف انهم حدثوا يوسف (عليه السلام)  ـ او المكلف من قبله باستنطاقهم ـ بأن يعقوب (عليه السلام) شديد التعلق بأخيهم وانه لا يسمح له بالابتعاد عنه.
اخوة يوسف (عليه السلام) وفي ظل الكرم والحفاوة التي قوبلوا بها، والوفرة في الطعام التي نالوها، اذ تشير الايات الكريمة الى الانصاف في البيع وعدم استغلال حاجة الناس الى الطعام ﴿ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ﴾ مضافاً الى الحفاوة والاكرام والضيافة، هذا يشير الى ان بني اسرائيل عادوا الى ابيهم بأكثر مما يتوقعون، وكل هذا كان من مبررات محاولتهم اصطحاب اخيهم معهم في السفرة القادمة.
﴿ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ 
وقد عزز اكرام يوسف (عليه السلام)  بني يعقوب (عليه السلام) بإعادته اموالهم اليهم دون علمهم حيث وجدوها في رحلهم، موقفهم في التشديد على ابيهم في ارسال اخيهم معهم الى مصر لغرض الامتيار، وخشيتهم من منعهم من الحصول على الطعام فيما اذا نفذ عزيز مصر وعيده لهم، بمنعهم الكيل.
﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾                                                                                                                                             لمتابعة المقالات على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط                                                                                                                                                                                                                  https://t.me/abdulsettaraljabbiryploticalstud


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/03



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 11 ) وقفة عند ايتين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net