صفحة الكاتب : د . عبير يحيي

إضاءة ذرائعية على كتاب ( أدب الطفل وقيم البناء )  للباحث والأديب المصري د. صلاح شعير
د . عبير يحيي

 للأدب أهمية كبيرة في حياة الأطفال, فهو المتعة والتسلية والمعرفة والثقافة والوسيلة الإدراكية لفهم الواقع المحيط بالطفل بكل أبعاده المكانية والطبيعية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية, والأداة المثلى لبناء وتطوير ملكة التخييل عند الطفل, ما يساعد على فهم الحالات الشعورية الإنسانية والعاطفية والقيم الجمالية والأخلاقية, إضافة إلى ما تدخله اللغة من مؤثرات تنمّي الحس الجمالي والموسيقي والأدبي عند الطفل, وما تؤسسه من ثروة لغوية متنامية في عقل الطفل, وما ترفدها به بشكل دائم بطريقة التغذية الراجعة, بالألفاظ والأساليب والمحاكاة, والتي تمكّن الطفل من فهم الأدب بطريقة غير شعورية نتيجة لتأثره بها.

ومن الطبيعي أن ينعكس بناء الطفل كفرد ناشئ, ونواة لمجتمع كبير, على هذا المجتمع, من خلال تنشئته تنشئة سوية وسليمة, فالمجتمع السوي أساسه نشأ سليم, لذلك كان لابدّ من أن تخضع أساليب التنشئة للعديد من الدراسات النفسية والتربوية والعلمية والتكنولوجية والتقويمية, بغاية الحصول على أفضل النتائج.

 وإدراكًا لأهمية أدب الأطفال كوسيلة وأداة هامة في نهضة المجتمع تمّ الاهتمام به وتطويره على كل المستويات, بما يتلاءم مع التقدّم والتطوّر الفكري والتكنولوجي المعاصر, فلم يعد هذا الأدب مقتصرًا على الحكاية التقليدية والتلقين القيمي والتربوي والأخلاقي المباشر, بل تنوّع كثيرًا وخضع لتصنيفات عديدة مدروسة نفسيًا وأيديولوجيًا وبيولوجيًّا حسب المراحل العمرية, بدءًا من المراحل العمرية الأولى, إلى مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية, ثم مرحلة المدرسة الابتدائية والإعدادية وصولًا إلى مرحلة المراهقة, فلكل مرحلة أشكالها الأدبية التي تخاطب طفل المرحلة.  

لذلك يعتبر أدب الطفل من أكثر أنواع الأدب شساعة وتشعبًا, فهو أدب متعدّد المجالات, ومتغيّر الأبعاد, وذريعة هذا التغير تعود إلى تنوّع المادة الأدبية فيه بين نثر وشعر ومسرح, ووسائل عرضها عبر شعر أو قصة أو حكاية مكتوبة, أو عبر تمثيليات وأفلام مصورة أو مسموعة, أو عبر مسرحيات مشخّصة, ويعود هذا التغير أيضًا إلى المادة العلمية والوسائل المقدّمة فيها إمّا عن طريق المعلوماتية أو الاستفسارات والأسئلة والمسابقات التلفزيونية أو الإذاعية أو الرقمية, يضاف إلى نوع المادة تعدّد المرحلة العمرية  والسن الموجه إليها هذا الأدب.

في معرض هذا البحث تحديدًا, أقام الباحث والأديب د. عماد شعير بحثه على منهج علمي تطبيقي, بدأه بمقدمة عرض فيها ملخص البحث رابطًا بين جودة المضمون في الأعمال الأدبية المقدمة وبين قيم البناء في أدب الطفل, يقول :

تشير نماذج الأعمال الأدبية التي سوف يتم عرضها إلى أن جودة المضمون وقيمة البناء في أدب الطفل هي أهم رسالة تنويرية في هذا النوع من الأدب .... لأن الأمم التي تهتم بالصغار هي التي تستطيع صياغة المستقبل بكوادر مؤهّلة للبناء, حيث تتكامل البرامج التربوية, والتعليم, مع أدب الطفل من أجل إعداد أجيال تتمتع بسلامة الصحة النفسية, والاتزان الفكري والقدرة على التفكير العلمي....

 وثم طرح السؤال الجوهري الذي سيكون محور القسم التطبيقي :

هل الإبداع العربي الموجّه للطفل يواكب حركات الإبداع على مستوى العالم من حيث المضمون, وقيم البناء التي تستهدف تشكيل الوجدان وإثراء الوعي لدى المتلقي الصغير؟

البحث فعليًّا مقسم  إلى قسمين:

1-    نظري تناول فيه محدّدات أدب الطفل.  

2-    وعملي تطبيقي قدّم فيه دراسات تطبيقية على بعض الأعمال المكتوبة في أدب الطفل عربيًّا وعالميًّا, حيث اختار نصوصًا أدبية صدرت في مصر من عام 2013- 2017 ما عدا نص واحد صدر عام 1991

أما محتويات الدراسة ككل فهو يعرضها في  ثلاث فصول:

الفصل الأول: محددات أدب الطفل.

الفصل الثاني : أدب الطفل في مصر.

الفصل الثالث : أدب الطفل في روسيا- فرنسا -  ألمانيا.

أتناول في هذا المقال الفصل الأول الذي:

أكد فيه الكاتب على حقيقة أن الأسرة هي الحاضنة الأولية والأساسية للطفل, تأتي بعدها المدرسة التي تمتلك الإمكانيات المادية والمعنوية, وتعتبر البنية الأساسية والمركزية في التنشئة, ومن ثم يأتي الاهتمام بأدب الطفل على مستوى العالم ليعزز في وجدان الطفل الفكر الإيجابي الذي غرسته المؤسستان السابقتان.

وقد اعتمد الباحث عدّة تعريفات لتحديد مفهوم أدب الطفل, أجملها بالتعريف التالي:

 بأنّه كلّ ما يكتب للأطفال من قصص ومسرحيات وكتب مصورة ورسومات, وكل ما يسمعه أو يشاهده الطفل من برامج إذاعية أو تلفزية وأغانٍ  وأناشيد وما إلى ذلك.

كما أشار الباحث إلى أن لأدب الطفل عدّة أهداف, تتناول نواحٍ عدّة, منها الناحية الثقافية والروحية والقومية والعقلية والترويحية وكلّ مامن شأنه أن يسهم في بناء شخصية الطفل, وتكوين المعايير السليمة. وأشار إلى أن للمضمون الجيد  شرطان هما:

-         أن يناسب مستوى الطفل, ومراحله العمرية

-         وأن يصاغ بطريقة غير مباشرة تستهوي الطفل.

ثم تناول بالبحث موسعًا العلاقة بين الأدب وعلم النفس, مستعرضًا النشأة التاريخية للكتابة, مؤكدًا أنها علاقة موغلة في القدم, تثبتها الحكايات الملحمية والأسطورية, وملقيًا الضوء على الخصائص السيكولوجية لكل مرحلة من مراحل النمو لدى الإنسان منذ بدء تشكّله. مستعرضًا أهم النظريات في تقسيم مراحل النمو النفسي الاجتماعي, وهي تقسيمات عديدة تبعًا للمبادئ والمقاييس المعتمدة من قبل المنظّرين, ليخلص منها الكاتب إلى نتيجة: أن المرحلة 12- 15 سنة هي مرحلة يكتمل فيها الإدراك العقلي, وهو إدراك تنقصه الخبرة, وعليه يكون هذا السن هو الفارق العمري بين الكتابة للطفل والكتابة للراشدين.

أشار الباحث إلى أهم مقومات العمل الأدبي القصصي الناجح للأطفال, والتي لا تختلف عن مقومات أي عمل قصصي أو أدبي عام, مضافًا إليها خصائص معينة تخصّ أدب الأطفال, وعرض لها بشكل موسع. كما عرض لأهم الأشكال الأدبية المقدّمة للطفل, وتأتي القصة القصيرة في مقدمتها, وركّز على أبرز الموضوعات المتناولة فيها, قصص الأساطير والخرافات, قصص الحيوان, القصص الشعبية, القصص التاريخية, البطل الخارق, البطولات الوطنية والدينية, المغامرات, القصص البوليسية, الفكاهية, الخيال العلمي, والقصص الواقعية. مبرزًا أيضًا أهمية التقنيات الفنية والبصرية للغلاف والصور وترتيبها ضمن المتن الحكائي, وأهم النصائح الواجب اتباعها في مجال الإخراج الفني والطباعي, ما يضمن تسويقًا جيدًا للكتاب, عرض لموضوع العقيدة الدينية والقيم التربوية والأخلاقية, وأهمية الخيال في المضمون, وأسلم الطرق في الطرح, وربط البيئة المحيطة بالمحتوى القصصي, ثم ألحّ الكاتب على ضرورة تجديد الموضوعات بما يخدم القيَم التقليدية التي تنتمي للمجتمع التراحمي, وأخرى معاصرة تنتسب للمجتمع التعاقدي, تستوعب القيم الكونية الجديدة.

ختامًا :

رأيي الشخصي, والذي يمليه علي منهجي النقدي الذرائعي أن الكتابة للطفل هي أصعب أنواع الكتابة وأكثرها تعقيدًا, لأنها تلعب على وتر الطفولة, وعقلية الطفولة, وقدرة الكاتب الناضج على إقناع طفل, والعيش في عقله, وفي وجدانه, والوقوف على أهوائه وميوله, بمعنى أوضح أن يتبع الكاتب استراتيجية التفكير بعقل طفل, يعرف ما يحب وما يكره, وأن يمتلك القدرة على تقمّص سلوك الطفل, أي أن يطبٌق استرتيجية التقمّص الطفولي, وهي من أصعب أنواع التقمّص النفسي, ينظر في سلوك الطفل حيال ألعابه, يراقب تصرفاته, ويرصد بأيّيها يلعب وأيّها يقصي ويهمل, وهذا ما تقوم به شركات الألعاب الكبيرة للوقوف على رغبات الطفل واختياراته وما يروق له, لاختيار خطوط إنتاجها وضمان نفاذها في أسواق البيع دون أن تتعرض لخطر الكساد, وهذا ما ينطبق تمامًا على أدب الطفل الجيد, بذريعة أن يضمن الكاتب (كمنتِج) مقبوليّة الطفل (كمستهلك) لعمله الأدبي ( كسلعة جيّدة), وعلى ذلك يكون الخيال ( كأسلوب) والغرائبية ( كموضوع, يمكن إدراج كل القيم التربوية والأخلاقية عبره), والعفوية والبساطة والسطحية الطافية في اختيار اللغة ( ألفاظًا وتراكيب) من أهم المقومات التي يبنى عليها نجاح أدب الطفل ذرائعيّا, ودونها تأتي المقومات الأخرى.  

منجز مبارك للدكتور صلاح شعير يستحق الإشادة والتقدير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبير يحيي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/21



كتابة تعليق لموضوع : إضاءة ذرائعية على كتاب ( أدب الطفل وقيم البناء )  للباحث والأديب المصري د. صلاح شعير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net