صفحة الكاتب : زعيم الخيرالله

المَهْدَوِيَّةُ وَعَقْلَنَةُ الأُسْطُورَةِ
زعيم الخيرالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كَتَبَ الدكتور عبدالله بن نافع الدَّعْجانيُّ كتابَهُ الذي عَنْوَنَهُ :(عَقْلَنَةُ الأُسْطُورَةِ ،الْغَيْبَةُ الكُبْرى نَمُوذّجاً) . ادَّعى المُؤَلِّفُ أَنَّ كتابَهُ يُعَبِّرُ عَنْ قراءةٍ نَقديّةٍ للتناقُضِ المَنْهَجِيِّ في أُصولِ عقيدةِ الأثني عشرية . ولم أَجِدْ في هذا الكتابِ قراءةً نقديَّةً لتناقضاتٍ منهجيّةٍ لعقيدة الشيعةِ الاثني عشريّة ، بل وجدتُ فيهِ تشويشاً واضطراباً وخلطاً بين المناهج .
المُؤَلِّفُ يَرُدُّ عقيدَةَ الغيبةِ الكُبرى ومجملَ القَضِيَّةِ المَهْدَوِيَّةِ الى أُصولٍ غُنوصِيَّةٍ بأَدَواتٍ عِرفانيّةٍ . وفي هذا السِّياقِ يقولُ الكاتبُ 🙁 عقيدةُ الغيبةِ الكُبرى نَشَأتْ في ضوء الفلسفةِ الغُنوصِيَّةِ بأَدواتِها العِرفانِيَّةِ ، لتحبسَ نَفسَها بينَ فلسفتينِ فلاهي بالتي استقت صورتها العرفانيّةَ ولاهي التي وصلتْ للصورةِ البُرهانيَّةِ المَنْشُودَةِ ). (1)
ويعتبرُ الكاتبُ أنَّ تناقُضَ الشيعةِ هو بسببِ محاولتهم الجمع بينَ المنهجِ البُرهانيِّ العقليِّ وبينَ قضاياهم الاسطوريّةِ الناتجة عن المنهجِ العرفاني ؛ وذلك عن طريق تسويغِ اُُصُولِهم العرفانيّةِ بالطريقةِ العقليّةِ البُرهانيّةِ ، وكانت تلكَ مُهِمَّةُ الاصوليينَ منهم .(2) ، وقد هاجمَ الكاتبُ فكرةَ الظاهر والباطن مُدَّعِياً ان الشيعةَ الاثني عشريّة ابتدعوها لتسويغ قضاياهم العرفانيّة .(3)
وفكرةُ أَنَّ العقلَ الشيعيّ عقلٌ غُنُوصيٌّ عِرفانيٌّ ليستْ من مبتدعات افكار الكاتب بل كان فيها ناقلاً أميناً لما قاله محمد عابد الجابري الذي عرَّفَ العرفان بأَنَّهُ : ( نظامٌ معرفيٌّ يَدَّعي حصولَ المعرفةِ بلا واسطةٍ عقلِيَّةٍ أوحِسِّيَّةٍ أَونَقلِيَّةٍ عبرَ طريقٍ باطِنِيٍّ سِرِّيٍّ خَفِيٍّ ، من خلالِ الكَشْفِ والالهامِ ).(4) ، وكأَنَّ الجابريَّ حصر طُرَقَ المعرفةِ بالعقل والحِسِّ والنقلِ ولاقيمةَ معرفيّة لأيِّ طريقٍ آخر . الوحي والالهامُ طريقان للمعرفة يكون الطريقُ اليهما هو القلبُ وليس الحس ولاالعقل ولاالنقل. وفي هذا السِّياقُ يرى الدعجاني العِرفانَ شعوراً ذاتِيّاً غارقاً في الخيال.
يقول الدعجاني: (فالعرفانُ يُقصي المعطياتِ الموضوعيّةِ الحِسِّيَّةِ ، والمُعْطَياتِ العقليَّةِ ، ويعتمدُ على مُعطياتِ الشُّعورِ الذاتيِّ الغارقِ في الخَيالِ ).(5) ، ولكنَّ القرانَ الكريمَ أكَّدَ على قيمةِ المعرفة الحاصلةِ عن طريق الالهام كما في حالة أُمِّ موسى ومريم عليهما السلام . يقول الله تعالى :(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). القصص: الاية: 7 . فهي لم تتردد في هذا الالهام والقت وليدها في اليم وتركته بين الامواج المتلاطمة ، لانَّ هذه معرفة حقيقية مصدرها القلب .وكذلك الحال مع مريم عليها السلام ، كما في قوله تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا). مريم: الاية: (17).فمريم عليها السلام شاهدت المَلَكَ واخبرها انه رسولُ ربِّها لِيَهَبَ لها غُلاماً زكيّاً ، وهذا ليس خيالاً وانما هو معرفةٌ حقيقيّةٌ مصدرُها القلب.
ارجع الدّعجانيُّ كلَّ المعارفَ والعقائدَ الشيعيّةَ الى الغنوص . وفي كتابه المذكور أرجعَ الغيبةَ الكبرى الى الغنوص الذي استخدمت فيه ادوات العرفان ؛ في حين أَنَّ الغيبةَ حادِثَةٌ تأريخيّةٌ يُرجَعُ في اثباتها الى النقل ، وليست مسأَلَةً عقليّةً حتى يرجع في اثباتها الى العقل كمسألَةِ ( اجتماع النقيضين محال) ، ولاهي قضية حسيّة حتى يرجع في اثباتها الى الحس ، كما نشاهد امام اعيننا غليان الماء عندما يصل الى درجة الغليان 100% ؛ ولاهيَ قضيّةٌ تجريبيّةٌ ؛ لتكونَ التجربةُ المختبريّة هي الحَكَمُ كما في قضايا العلوم التجريبيّة ؛ولذلك فهو يخلط بين المناهج ويشوش على القارئ .
اعتبر فكرة الظاهر والباطن فكرة ابتدعها الاثناعشرية ليُسَّوغِوا قضاياهم العرفانيّةَ ، في حين ان كلَّ نصوصَ اللغة فيها ظاهر وباطن ، والظاهر يحتاج الى تفسير ، والباطنُ يحتاجُ الى تأويل . وحتى اهل الحداثة تحدثوا ان للنصِّ اللغَويِّ طبقاتٍ ، واهل الشعر تحدثوا عن شعرٍ رمزيٍّ لاتظهرهُ العبارة ، والمفسرون من المتصوفة تحدثوا عن التفسير الاشاري ، والاصوليون تحدثوا عن النص والظاهر والمُؤول . والله تعالى يقول:( ومايعلم تأويله الاالله ....) .
ثمَّ تحدث عن الاصوليين ومحاولاتهم في عقلنة العرفان ، وخص منهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر بأَنَّهُ حاولَ عقلنةَ أُسْطُورَةِ المهدويةِ وغيبةَ الامام المهدي . وناقش الكاتب ماطرحه السيد الشهيد محمد باقر الصدر في استدلاله على الفكرة المهدويّة بالامكان الفلسفي والمنطقي والامكان العلمي والامكان العملي ، وقال : بانه لاملازمة بين الامكان كحالة ذهنية والوجود الخارجي ، امكان وجود الامام المهدي ذهناً لايستلزم وجوده الخارجي ، فكثيرٌ من القضايا يمكن للذهن ان يتصورها وهي لاوجود لها في الخارج كتصور جبلٍ من ذهب ، فهو مجرد تصورٍ ذهني لاوجود له في الخارج. في حين انَّ السيِّد الصَّدر استدل على الفكرة المهدويّة بالامكان الفلسفي والمنطقي والعلمي والعملي . ولم يستدل على شخص الامام المهدي (ع) بهذه الامكانات بل استدلَّ عليها بالرواياتِ التي رواها المسلمون جميعاً سنَّةً وشيعةً وبلغت مايقارب الستة الاف حديث . يقول السيد الشهيد الصدر : ( هَبْ أَنَّ فَرَضِّيَّةَ القائِدِ المُنْتَظَر ممكِنَةٌ بكُلِّ ماتستطِنُهُ من عُمُرٍ طويلٍ ، وامامةٍ مُبَكِّرَةٍ ، وعنايةٍ خاصّةٍ ؛ فانَّ الامكانَ لايكفي للاقتناعِ بوجوده فعلاً ....) (8). فلايرد ماتوهمه الكاتب من اشكالٍ على السيِّد الشهيد ؛ لانه كان يتحدث عن فرضية القائد المنتظر ، واما على المصداق الخارجي للمهدوية فقد استدل عليها بالروايات الكثيرة التي تثبت هذه القضيّة .
مصادر البحث
-------------
1-عقلنة الاسطورة ، الدكتور عبدالله بن نافع الدعجاني ، ص 2.
2-نفس المصدر السابق .
3- نفس المصدر السابق ، ص 46 .
4- بنية العقل العربي، محمد عابد الجابري ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، ط 7 ، 2004م ، ص 254-374 .
5- عقلنة الاسطورة ، د. عبدالله بن نافع الدعجاني ، ص 15.
6- سورة القصص : الاية: 7.
7- مريم : الاية: 17 .
8- بحث حول المهدي ، ص 83 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زعيم الخيرالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/09



كتابة تعليق لموضوع : المَهْدَوِيَّةُ وَعَقْلَنَةُ الأُسْطُورَةِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net