أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (١٥)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

(ب)
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}.
إِنَّنا بإِزاء زعامات سخَّرت كلَّ شيءٍ من أَجلِ نَيلِ السُّلطةِ أَو التشبُّث بها، فقادت الحرُوب وأَثارت الفِتن وأَهلكت الحرثَ والنَّسل واستباحت الدِّماء والأَعراض،وكلَّ ذلكَ وأَكثر من أَجلِ أَن تمكُثَ في السُّلطةِ ولا تتركها بأَيِّ ثمنٍ.
فهذا الخليفة الثَّالث الذي تسبَّب تشبُّثهُ بالسُّلطة بفتنةٍ عمياءَ هي رُبما من أَكبر الفِتَن التي مرَّت على الأُمَّة والتي ولَّدت فِتنٌ تبِعتها سلسلة من الفِتن استمرَّتلقرونٍ طويلةٍ من الزَّمن وبسببِها تحوَّلت الخِلافة إِلى مُلكٍ عضُوضٍ بعدَ أَن جرَّأَ نهجهُ السُّلطوي بني أُميَّة للسَّيطرةِ على مفاصِل الدَّولة وعلى رأسِها الميزانيَّةالعامَّة فكان واليهُم على الكوفةِ سعيد بن العاص يقولُ [إِنَّ السَّوادَ بُستانٌ لِقُريشٍ] إِلى جانبِ أَنَّهُ جرَّأَ الطَّاغية مُعاوية على الخليفةِ الشَّرعي بكلِّ المقاييس أَميرُالمُؤمنينَ (ع) كما جرَّأَ غيره عليهِ، فكانَ نهجهُ السُّلطوي السَّبب المُباشر في إِضعافِ الخِلافةِ التي وصفها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {وَالاْمَامَةَ نِظَاماً لِلاُْمَّةِ، وَالطَّاعَةَتَعْظِيماً لِلاِْمَامَةِ}.
ويصِفُ حال السُّلطةِ (ع) والمهزلةِ والإِنحطاطِ الذي وصلت إِليهِ بقولهِ {وَلكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ [أَمْرَ ]هذِهِ الاُْمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً، وَعِبَادَهُخَوَلاً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً، فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ، وَجُلِدَ حَدّاً فِي الاِْسْلاَمِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الاِْسْلاَمِالرَّضَائِخُ، فَلَوْلاَ ذلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَتَأنِيبَكُمْ، وَجَمْعَكُمْ وَتَحْرِيضَكُمْ، وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَوَنَيْتُمْ}.
كلُّ ذلكَ على الرَّغمِ من التَّحذيرات المُتكرِّرة والنَّصائح الصَّادقة المُتتالِية التي قدَّمها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) لهُ ولكنَّها للأَسف لم تنفع فوقعَ المحذُور.
فمِن كلامٍ لهُ (ع) لمَّا اجتمعَ النَّاسُ إِليهِ وشكَوا ما نقمُوهُ على عُثمان وسأَلوهُ مُخاطبتهِ واستعتابهِ لهُم، فدخلَ(ع) على عُثمان فقالَ {إِنَّ النَّاسَ وَرَائي، وَقَدِاسْتَسْفَرُوني بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ، مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ،وَلاَ خَلَوْنَا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ الله(ص) كَمَا صَحِبْنَا.
وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلاَ ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ(ص) وَشِيجَةَ رَحِم مِنْهُمَا، وَقَدْ نِلْتَ مَنْ صَهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ.
فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ! فَإِنَّكَ ـ وَاللهِ ـ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمىً، وَلاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْل، وَإِنَّ الْطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ، وَإِنَّ أَعْلاَمَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ.
فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِاللهِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَي، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ،وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَاللهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً.
وَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(ص) يَقُولُ؛ «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالاِْمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلاَ عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى، ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِيقَعْرِهَا».
وَإِني أَنْشُدُكَ اللهَ أنْ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الاُْمَّةِ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ؛ يُقْتَلُ فِي هذِهِ الاُْمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلى يَوْمِ الْقُيَامَةِ، وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا،وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا، فَلاَ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً، وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً.
فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلِ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ}.
*يتبع..
٨ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠
لِلتَّواصُل؛
E_mail: nahaidar@hotmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat