صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (١٠)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}

يتجلَّى التَّمكينُ بالسُّلطة أَوَّل ما يتجلَّى بالإِدارة، وهي للأَسف واحدةٌ من أَعقد مشاكلِنا التي تُدمِّر مشاريعنا ومؤَسَّساتنا سواءٌ على الصَّعيد الفردي، الأُسرةمثلاً، أَو على صعيدِ الدَّولة.

ولذلكَ فإِذا أَردنا أَن ننجحَ في خلقِ فُرص التَّمكين يلزمنا أَن نخلقَ فُرص علمِ الإِدارة في مؤَسَّساتِنا.

الإِدارةُ النَّاجحة هي التي تُحقِّق أَعلى نسبةٍ من النَّجاحاتِ بأَقلِّ الإِمكاناتِ وبأَسرعِ وقتٍ، أَمَّا الفاشلةُ فبالعكسِ تماماً.

وفي تقريرٍ سنويٍّ صدرَ عن البنك الدَّولي عرَّفَ التَّمكينُ بأَنَّهُ العمل على توسيعِ قُدُرات وإِمكانات الأَفراد في المُشاركة والتَّأثير والتحكُّم والتَّعامُل مع المُؤَسَّساتالتي تتحكَّم في حياتهِم، إِضافةً إِلى تملـُّك إِمكانيَّة مُراقبة ومُحاسبة هذهِ المُؤَسَّسات.

هذا يعني أَنَّ التَّمكين والتَّنمية مُترابِطان بشكلٍ جذريٍّ وحيويٍّ، إِذ لا يُمكنُ أَن نتصوَّر أَيَّ نوعٍ من التَّمنية وعلى كلِّ المُستويات من دونِ أَن نستحضرَ ثقافةالتَّمكين القائمة على النَّجاحِ الإِداري أَوَّلاً.

فمثلاً؛ على صعيدِ إِدارة المُؤَسَّسات، الدَّولة أَو المُجتمع المدني، لا يمكنُ أَن نُحقِّقَ التَّنمية إِذا كانت السُّلطات مُتمركِزة بيدِ المُدير أَو الرَّئيس، فما لم يُمنح الأَفرادسِعةً من القُدُرات والإِمكانات للمُشاركةِ في القرارِ تحديداً، للمُشاركةِ بالتَّالي في الإِنجازِ والنَّجاحِ، لا يُمكنُ أَن نتصوَّرَ تحقيقُ أَيِّ مِقدارٍ من التَّنميةِ في المُؤَسَّسة،أَيَّة مُؤَسَّسة.

يظُنُّ البعض أَنَّ تمكينُ الأَفراد في المُؤَسَّسة نوعٌ مِن أَنواع إِنتزاع السُّلطات عن المُدير أَو الرَّئيس وهذهِ طريقةُ تفكيرٍ خاطئةٍ جُملةً وتفصيلاً، والعكسُ هوَالصَّحيح، فالمُؤَسَّسة، أَيَّة مُؤَسَّسة لا يُمكنُ أَن تتطوَّرَ وتضخَّ في جسدِها دماءٌ جديدةٌ وحيويَّةٌ مُضافة وطاقاتٌ خلَّاقة إِذا لم يُمنح الأَفراد أَدوات وظُرُوف التَّمكينللنَّجاح، لأَنَّ صِفة الخلاقيَّة والتَّجديد والتَّحديث في المُؤَسَّسة لا تنسجمُ وعقليَّة الإِستحواذ والخَوف من التطوُّر والذي لا يمكنُ أَن نتصوَّرهُ من دونِ منحِ الأَفرادفُرَصُ المُشاركة وتمكينهُم من الأَدوات والإِمكانات ليجدُوا شخصيَّتهُم فيندفعُوا للتَّطوير في إِطارِ فِكرة الخلاقيَّة والإِبداع والتَّجديد.

والتَّمكينُ للنَّجاحِ يعتمدُ الأَدوات على صعيدَينِ اثنَينِ؛

الصَّعيد النَّفسي [الرُّوحي] والصَّعيد المادِّي الملمُوس.

على الصَّعيد النَّفسي من خلالِ تهيِئة أَجواء الثِّقة بالنَّفس والتحلِّي بالصَّبر والتَّفكير بعقليَّة الفريق.

كما يتحقَّق ذلكَ من خلالِ تبديدِ الخَوف والتردُّد وعدم الإِقدام إِمَّا بسببِ تحاشي الثَّمن الذي يتطلَّبهُ كلَّ تجديد وتطويرٍ وتحديثٍ، أَو خَشية العِقاب في حالِالفشل.

على الصَّعيد المادِّي الملمُوس، فيتحقَّق بالأَدوات والظُّروف الماديَّة والقُدُرات المطلُوبة للتَّمكينِ من النَّجاح، فضلاً عن التَّحفيز والتَّشجيع والحث بكلِّ الطُّرق الماديَّةالمُمكنة وأَحياناً المطلوبة والضَّروريَّة.

وإِنَّ أَسوء أَسباب تدميرِ الإِدارة هوَ المُساواة بينَ المُحسنِ والمُسيء والنَّاجحِ والفاشلِ والذي دافعهُ الفساد الإِداري بالدَّرجةِ الأُولى.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) مُحذِّراً من ذلكَ {وَلاَ يَكُونَنَّ الْـمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لاَِهْلِ الاِْحْسَانِ فِي الاِْحْسَانِ، وتَدْرِيباً لاَِهْلِالاِْسَاءَةِ عَلَى الاِْسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ}.

إِنَّ المُدير النَّاجح يُقسِّم إِهتمامهُ ونظرهُ قِسمَينِ؛ فعينٌ على النَّجاح وعينٌ على المُوظَّفين، حتَّى لا يفلِت منهُ مُتميِّز ، كما لا يفوتهُ كسولٌ، ليُكافئ الأَوَّل ويُمكِّنهُ أَكثرَويُعاقبُ الثَّاني لينتبهَ أَو يرحلَ تاركاً مكانهُ لآخرَ يستحِق.

أَمَّا عندنا فالمديرُ يفعل العَكس، لأَنَّهُ يخافُ الصَّغير إِذا كبُر والضَّعيف إِذا اشتدَّ عودهُ والمُتدرِّب إِذا اكتسبَ الخِبرة اللَّازِمة، ولذلكَ فالفشلُ حليفُنا دائماً!.

وإِنَّ المُدير النَّاجح هو الذي يخلقُ فُرص التَّمكين لمرؤُوسيهِ دائماً ليضمِنَ الإِستمراريَّة في مُؤَسَّستهِ، وهذا ما يُطلق عليه بنظريَّة [تعاقُب الأَجيال] فإِذا لم يفعلذلكَ فستمُوتُ مؤَسَّستهُ بموتهِ.

فالمديرُ الذي يحتفظ بكلِّ ما يتعلَّق بالمُؤَسَّسةِ كأَسرارٍ يرفضُ أَن يفوِّضها لمرؤُوسيه يفشلُ في صناعةِ أَجيالٍ مُتعاقِبة، إِذ ستقِف عندهُ الأَجيال!.

ولذلكَ تتراكم عندهُم الخِبرة والتَّجربة فالإِستمراريَّة، ولا يحصلُ ذلكَ عندنا.

٣ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: nahaidar@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/04



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (١٠)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net