علامات الظهور: واقعها – قيمتها
الشيخ ليث الكربلائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث الكربلائي

أولاً: واقع علامات الظهور
السلبية التي ابتُلي بها بحث علامات الظهور هي أنها أصبحت حديثاً عاماً لا يخضع للضوابط العلمية، يخوض فيه الجميع رواية وتطبيقا من دون أي تثبت او دراية، مع أن الأعم الأغلب من هذه العلامات غير قابل للإثبات عند إخضاعها لمنضدة التشريح العلمي وإعمال مباضع النقد في أسانيدها ومتونها، فأغلب أسانيدها ضعيفة، وكثير من متونها مضطربة متعارضة فيما بينها ولئلا يكون الكلام محض شعارات وتنظير نأخذ نموذجا تطبيقيا لعلامة شائعة على الألسنة ألا وهي ظهور اليماني.
- روايات ظهور اليماني كنموذج تطبيقي:
مع كثرة الحديث العام الدائر حول اليماني ومعاركه وحقانيته على ألسنة الناس فإننا من الناحية العلمية لا نقطع إلا بقضية واحدة فقط وهي ان هناك يمانياً سيكون له أثر في تفاعلات وأحداث عصر الظهور أما سائر التفاصيل من معاركه والمناطق التي سيدخلها وغير ذلك فكلها لا يثبت منها شيء أمام النقد العلمي حتى كون اليماني على حق او على باطل أمر غير معلوم، لذا قال السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره حول روايات اليماني : " إن ما يثبت بها هو حركة اليماني في الجملة ، وأما سائر الصفات ، بما فيها كونه على حق ، فهو مما لا يكاد يثبت بالتشدد السندي " الموسوعة 1 /526 انتهى.
وقد يكون هذا كلاما صادماً للبعض لكنه الحقيقة المخالفة لما هو شائع بين الناس فلا نملك دليلا صحيحا على حقانية اليماني، - وبالمناسبة فإن الموسوعة المهدوية أفضل كتاب من حيث التعامل العلمي الصارم مع علامات الظهور من جهة إثباتها وإن كان دأب السيد طيّ المطالب بعدم بيان وجه الضعف في الغالب - .
ولأجل أن يتضح الأمر أكثر يمكن القول في بيان ما أجمله السيد أن الروايات الواردة في حقانية راية اليماني روايتان فقط هما:
1- رواية الشيخ الطوسي في الأمالي: ص661، بسنده الى هشام بن سالم عن الامام الصادق عليه السلام وفيها أن اليماني ممن يتولى الامام علي عليه السلام ولكن في سند هذه الرواية الحسين بن ابراهيم القزويني وهو مجهول لم تثبت وثاقته .
2- رواية الشيخ النعماني في الغيبة: 264، بسنده الى أبي بصير عن الامام الباقر عليه السلام وفيها أن راية اليماني من أهدى الرايات، ولكن في سندها الحسن بن علي البطائني ضعَّفه ابن الغضائري وقال الكشي فيه: كذابٌ ، ونُقل عن ابن فضال انه قال فيه: كذاب ملعون، وكيف كان فان القرائن على ضعفه وكذبه وعدم التعويل على حديثه متضافرة لذا انتهى السيد الخوئي قدس سره في المعجم الى تضعيفه وكذلك في سندها والده علي بن ابي حمزة وهو ضعيف أيضا إلا ان الحديث في هذه الطبقة مروي عنه وعن وهيب ابن حفص معا وهو ثقة فيبقى ضعفه من جهة الحسن البطائني .
وبهذا يتضح ما ذكره السيد الشهيد من أنّ حقانية اليماني غير معلومة وحتى لو افترضنا جدلا ان هاتين الروايتين صحيحتان فهما لا يفيدان غير الظن ولا عبرة بالظن في المقام .
هذا مجرد نموذج تطبيقي وإلا فإن تفاصيل أغلب العلامات الأخرى كالخراساني وتفاصيل حركة الرايات السود وتفاصيل معارك السفياني وغيرها كلها ليست أفضل حالا من روايات تفاصيل حركة اليماني .. فأغلب هذه العلامات لا يثبت منها بعد التمحيص العلمي غير عناوينها الكلية وبضعة تفاصيل في بعضها .
- الموقف من الروايات الضعيفة:
وتجدر الإشارة هنا الى أن ضعف الروايات لا يعني بالضرورة عدم صدورها إنما يعني عدم حجيتها في مقام الاستدلال فحسب وبالتالي فإن هذه العلامات الواردة بروايات ضعيفة يكون موقفنا منها ليس التكذيب وإنما إن تحقق مضمونها في مستقبل الزمان كان ذلك دليلا على صدقها وإن لم يتحقق مضمونها فليس علينا انتظار تحققه لأنه لا دليل لنا عليه وقد نبه السيد الشهيد على ذلك عند تعرضه لعلامة قتل النفس الزكية في الموسوعة: 2/ 506، ولاشك ان هذا الموقف فيما إذا لم يكن هناك أمارات على وضع الرواية أما إذا وجد ما يدل على الوضع كما في بعض تفاصيل حركة الرايات السود وبعض تفاصيل حركة الدجال أمكن تكذيبها بناء على ذلك .
ثانيا: أهمية علامات الظهور:
الذي لا شك فيه أن ظهور المصلح العالمي الذي تنتظره جميع الأديان تقريبا لن يكون حدثا عابرا بل له علامات سابقة عليه او مواكبة له يُعرف بها والروايات الواردة عن أهل البيت ع في أصل قضية العلامات متواترة - كأصل لا كتفاصيل - ومن حق الناس ان يتطلعوا الى معرفتها لأهميتها التي يمكن ايجازها بأنها: تمثل عند تحققها محطات لتجديد الأمل وبعث الروح في نفوس المنتظرين وكل من ينشد دولة العدل الإلهي، كما أن بعض هذه العلامات هي بمثابة فتن يُغربل ويمحص فيها الناس فلابد من معرفتها لتهيئة النفس لاجتياز امتحانها، كما يستفاد من بعض الروايات ان هذه العلامات بمثابة إشارة للمؤمنين للتهيؤ للدولة الالهية بما يساعد على اقامتها، ويُضاف الى ذلك ان تحقق هذه العلامات والإخبارات الغيبية يعمل على ترسيخ العقيدة في النفوس وقد تحقق بعضها فعلا فيما مضى من الزمان.
ومن كل ذلك يتضح ان دعوى تسخيف البحث في العلامات ليست في محلها، ولكن اباحة الكلام في هذه العلامات والتمسك بغثها وسمينها من دون مراعاة الضوابط العلمية هي الأخرى خطوة غير صحيحة فتحت الباب على مصراعيه للأدعياء وأصحاب النفوس المريضة في استغلال هذه الثغرة للتلاعب بعقول الناس ودينهم .
هذا كله من جهة البحث الإثباتي لعلامات الظهور وأما جهة تطبيقها على الأحداث فتلك لعمري هي المزلقة الكبرى والتي سأقف عندها في مقال قادم بإذنه تعالى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat