كورونا..... الوباء الجوال
شاكر عبد موسى الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شاكر عبد موسى الساعدي

تعرض أجدادنا الأوائل لكثير من الأمراض والأوبئة على مر السنين، كالسل، والطاعون، والجدري، و حصدت أرواح الآلاف منهم ، لكن مع التطورات التي شهدها عالم الطب استطاعت البشرية التوصل إلى علاجات ولقاحات لكل هذه الأوبئة، إلا أننا لاحظنا خلال السنوات السابقة انتشار الكثير من الأمراض والفيروسات التي لم نكن نسمع بها من قبل؛ مثل: أنفلونزا الطيور، أو أنفلونزا الخنازير، أو الايدز وسارس و الايبولا , ومن الأمراض التي سمعنا بها مطلع عام 2020 مرض الكورونا.
يقصد بمرض الكورونا العدوى الناتجة عن فيروس الكورونا باللغة الإنجليزية: Corona virus)) وهو : عبارة عن سلسلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب العديد من الأمراض التي تتراوح بين نزلات البرد الشائعة والأمراض التنفسية الحادة مثل السارس، وقد اكتشف المرض لأول مرة سنة 2012 في المملكة العربية السعودية، ويعتبر الأطفال وكبار السن ومن يعانون من أمراض المناعة وأمراض القلب الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
تاريخ مرض الكورونا :
يعود تاريخ أو معرفة ( فيروس كورونا ) إلى سنة 1937، إذ ظهر المرض على شكل عدوى تصيب الطيور بالتهاب في الشعب الهوائية التنفسية، ثمّ تطور الفيروس وأصبح يصيب الماشية والخيول والدجاج الرومي والقطط والخنازير والفئران والكلاب، ويعود اكتشاف أول حالة بشرية مصابة بفيروس كورونا إلى فترة الستينات من القرن العشرين ، وفي سنة 2012 نجح الدكتور (محمد علي زكريا ) وهو دكتور مصري متخصص بعلم الفيروسات بعزل فيروس كورونا من رجل متوفى وتمكن من رؤية الفيروس لأول مرة، ومن ثمّ ظهر مرض الكورونا في نهاية عام 2019 في مدينة ووهان الصينية .ليصيب أكثر من خمسة ألاف شخص ويقتل العشرات منهم قبل انتقاله ألينا.
هذا وكانت دول عربية قد أعلنت عن حالات إصابة بالفيروس مصدرها إيران، مما يثير مخاوف من أن تصبح إيران مركزاً لتفشّي الفيروس في المنطقة ومنها العراق .
الكورونا كارثة وبائية :
الشعب العراقي غير ملتزم بالإجراءات الوقائية أو الاحترازية فما زالت مناطق التجمع مفتوحة ومليئة بالمواطنين كالمولات والمقاهي والمطاعم بالرغم من صدور تعليمات بإغلاقها لمنع انتشار الفيروس لعدم وجود ثقافة الالتزام والثقة بإجراءات الحكومة وعدم وجود ثقافة الالتزام بالاجراءت الصحية كغسل الايدي ولبس الكمامات في الأماكن المزدحمة وانتشار عادات المصافحة والتقبيل خلال السلام والتحية واستمرار المناسبات والدعوات وحضورها رغم التحذيرات التي تصدرها الجهات المسئولة عن متابعة تطور وانتشار المرض, وعلى الرغم من شيوع استخدام وسائط التواصل بين العراقيين وامتلائها بالتوجيهات والإرشادات والبوستات والفيديوهات والرسائل التحذيرية حول المرض والتي تحث على الامتناع عن ممارسات معينة قد تؤدي إلى نقل المرض وتجنب الأماكن المزدحمة وتقليل الخروج إلى الأماكن التي يمكن أن تكون ملوثة بالفيروس ألا أن ذلك لا يخيفهم فمن تعايش مع الانفجار والمفخخات لن يخيفه مرض معدي.
ففي شهر واحد، أثار كائن مجهري الهلع في العالم كله، وأجتاح 158 دولة , وتطورت المواجهة إلى حالة تحد بين ما تمتلكه الدول المتقدمة من إمكانات طبية وتكنولوجية هائلة وما يمتلكه هذا الكائن العجيب من قدرة على التحايل والتطور بما يربك حتى الإجراءات الاحترازية التي تحول دون انتشاره. فتطور الخوف منه إلى هلع البشرية على كامل الكرة الأرضية .. المدارس والجامعات والنوادي والمطاعم والفنادق والمسابح تعطلت، والخطوط الجوية العالمية توقفت ... وتعرض قطاع السياحة العالمي لخسائر فادحة قدرت بـ 840 مليار دولار ، (لوفت هانزا الألمانية خسرت لوحدها 50بالمائة ).. حتى الشوارع صارت موحشة بعد إن كانت مكتظة بالناس، فتحول منظرها من الشعور بالفرح وحب الحياة الذي كان إلى توقع الشر والخوف من موت بشع حصل!.
الخرافات في عصر الكورونا :
وكانت أكثر الخرافات شيوعاً عند العراقيين فيما يخص كورونا هو أن حرق (الحرمل) في البيت يقتل الفيروس، فيما دعي بعض رجال الدين إلى الوضوء والاستغفار وقراءة دعاء عاشوراء والمعوذات، واستغلها الدجالون بكتابة الحرز والأدعية والتبخير التي تمنع الإصابة به، في حين إن احدث مختبرات العالم لم تستطع أن تصل إلى اكتشاف دواء يقتل هذا الوباء .
وهنالك سببان لميل العراقيين للتصديق بالخرافة، الأول : توالي الخيبات وتعرضهم لمشاكل ليس لها حل، فلجئوا للخرافة لأنها تخفف القلق وتخفض التوتر حين يحاصر الإنسان الجوع والمرض. والثاني : إن النظام السياسي (الإسلامي) أشاع التفكير الخرافي بينهم فهناك خرافة خلاصتها : إذا عصت عليك قضية عليك بـ (بالتسبيح )!, ومن المفارقات أن احد رجال الدين العراقيين المعروفين برر إصابة الصينيين بفيروس كورونا كونهم كفرة، وكأن الفيروس يعرف من هو مؤمن ومن هو كافر.. والمفارقة الأخرى أن رجل الدين هذا قد أصيب بفيروس كورونا,ومات ودفن في مدينته الجنوبية ولم يدفن في مدينة النجف الاشرف كما كان يحلم .
خسائر بشرية واقتصادية :
واليوم تتحدث خريطة الوباء أن هناك إصابة واحدة على الأقل في أغلب بلدان العالم! وأن إجمالي الإصابات العالمية وصل إلى (200) ألف إصابة ، منها 80 إلف إصابة في أوربا , والوفيات (6500)، وحالات الاستشفاء (57,463) طبقاً لآخر التقارير العالمية... فيما سجل العراق 164 إصابة و 11حالات وفاة , منها 10 إصابات في محافظة ميسان ووفاة واحدة , بعد غلق منفذ الشيب الحدودي مع إيران إلى أشعار أخر , ومنع التنقل بين المحافظات العراقية باستثناء الحالات الطارئة , و إعلان حالة الطوارئ في البلاد .
كما قام البنك المركزي العراقي بدعم جهود الحكومة لمكافحة هذا الوباء بمبلغ 2,5 مليون دولار , كذلك تبرع المصرف العراقي للتجارة بمبلغ 5 مليون دولار, ومصرفي الرافدين والرشيد بمبلغ 3 مليون دولار لدعم جهود وزارة الصحة العراقية , ودولة الكويت بمبلغ 10 مليون دولار.
وبسب هذا الوباء تراجع النمو الاقتصادي العالمي خلال العام / 2020 بأكثر من 10 بالمائة من الناتج المحلي , وانهارت أسعار النفط لأكثر من 30 بالمائة , مما دفع البنوك العالمية لتخفيض أسعار الفائدة على القروض الممنوحة , كسياسة تحفيزية لمواجهة الكساد وقلة السيولة المالية , كما قامت السعودية بضخ ما يقرب من 13 مليون برميل يومياً بدلاً من 10 مليون برميل يومياً, فأغرقت أوربا بالنفط , حتى وصل سعر البرميل إلى ما دون الـ 20 دولار نتيجة الفائض النفطي الحاصل في السوق العالمي البالغ 3,5 مليون برميل يومياً , على الرغم من أن السوق العالمية تستهلك 100 مليون برميل يومياً, فيما فقد أكثر من 25 مليون عامل أعمالهم حول العالم , ونصف الطلاب توقفوا عن الدراسة.
لقد انتظر هذا الشعب كثيرا حتى مل منه الانتظار والصبر، فانفجر في أول أكتوبر 2019 ليعبر عن ذاته وإحباطه ويأسه ممن يحكمون باسم الرب والدين والمذهب، فهل يا ترى سيصمد أمام كورونا السياسة والفيروس في بلد مثقل بالديون (23 مليار دولار قبل عام 2003 و 50 مليار دولار بعد عام 2003 كديون معلقة , وديون داخلية تقدر بـ 40 تريليون دينار عراقي ) !؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat