صفحة الكاتب : حميد الحريزي

رواية ((سلالم التــــــــــــــــــيه ))
حميد الحريزي

معزوفة  سرد شعري  ، تكشف وجه القبح ، وتمزق شرنقة الوهم

 

 ((ماذا ستفعلين ؟؟

اصرخ اقبع في قمة سلالم الهدير / ارتد  الى مكامن  القوة، اتلفع بموطن الوهن ))

 انتظري ي ي ي ي ...

يطبق الزعيق على كل الانحاء ، يسيل رصاصا يتكاثف ، يتصلب نوارس تحلق في صفحة السماء، تسير على خطوط ، او سكك بيضاء))ص107

هكذا يختتم مهدي ازنين روايته ((سلالم التيه)) في حين يبدأها في الصفحة الاولى

((تساير قطعانا من نعاج بشرية ،مسوخ الاصباغ والتصنع  توائم تنافر جمالا فطريا في خطوط مللامحها ، ترفل في مروج تفوح منها انوار بهيجة ، تعطر واقعا ينتأ من ثنايا الزمن))ص7.

هكذا قادتني سلالم مهدي ازبين وسط شعر سردي او سرد شعري هذا اذا افترضنا ان للتيه سلالم .هنا يوحي العنوان  بالوهم  والضياع  لحياة اشخاص تأسرهم شخصية الديكتاتور ..

(( تتوكأ على عكاز من شعر متعب ، يتهدل عباءة بلون خجول .. ذيل حصان هائج ينشد الهرب ...)) الخ من الصور الشعرية والروائي يأنسن الكلمات ويهبها روحا  وسلوك ، ويصطاد المفردات بصنارة من ذهب  من اعماق بحر اللغة  ألمترامي فتبهر حروف الكلم  فتعلق في سبابة قلمه فرحة مطاوعة ترتدي حلة الجمال والكمال  ، كم يخرج لؤلؤة من  محارة مغمورة لتنتظم ضمن قلادة الجمل المنسابة في نهر السرد الدافق بالحياة والمعنى .

تتضمن الرواية درسا سيكولوجيا ، ونموذجا لمسخ الانسان ذاته وتماهيه مع صورة البطل الاله  والقائد المخلص .

((نحول)) طفلة تعيش في كنف عائلة تقدس القائد ، تتملقه  تؤهله  ، تعبده ، هو المثل الاعلى للانب المؤدلج ، والأم التي ترى فيه الفارس الذي لا يدرك ...تتزين  بصوره جدران الدار  ، وتضمه ساعات المعاصم   وقلائد الصدر ..

المدرسة التي تعلم حب القائد  وتربي الجيل على عبوديته ، رمز القوة ، الشجاعة ، البطولة ، الكرم ، صانع المعجزات وخالق الاساطير  ، المحاط بالهيبة والشموخ والعظمة في فعله وكلامه في نومه ويقضته ، الذي فاقت اسماؤه اسماء  وأوصافه اسماء وأوصاف  الله الحسنى

ما ان تبلغ النضج الجسدي حتى يكون ديدنها الاقتراب من معبود ، تكلمه ، تحتضنه ، تخدمه ، تعطيه كل ما يسره ويسعده ...

تحصل على فرصة المواجهة ، تقدم فرائض الطاعة  وتمنيات  اللقاء  حد الاستعباد  والذوبان عند اقدام  الحبيب ، تفوز بموعد، تطير فرحا  وفخرا  ومباهاة  وسط حشد من الرفاق القرود فقد منحها  العظيم صك العظمة  ومن عليها يفيض من هيبته  وعظمته  وهاهي قاب قوسين او ادنى من عرش الاله  لا بل من ملامسة  الاله ذاته ، وبقدر ما يقترب اليوم الموعود ،تحف بها السعادة   وتنثر  في طريقها الزهور  وتغني لها الطيور ،انها الاجمل ، انها حبيبته الاله وحبيبته المختارة ...

تزف  روحها قبل جسدها للاله في يوم اللقاء ، عد طول ترقب  وانتظار  يصطحبها الاله رفقة غجريةمشعشعة  بمظاهر الابتذال  والغنج الرخيص ، مشبعة بعطر البداوة والشبق ، تدخل قصر الجواري المدجج بالشوارب الكثة والزيتوني الاشن ، طاولات تضج بالكؤوس الذهبية وقناني الويسكي مختلفة الماركات المتاهبة لمنح النشوة  للاله  ...

تفور  دهاليز انوثتها انهار الرغبة ، تزعق اهات الشبق المكبوت المدخرة  للاقتران بالإله في معبد العشق ، فهي البغي المقدس في زقورة الرب المعبود .

يوميء للغجرية ، يغيبان في دهاليز  القصر ، تتحرق شوقا وغيرة لايكبتها سوى انه الاله ولا مرد لرغبته وهو مالك الاسرار  وله الفعل والارادة والخيار  يقرب من يشاء ويبعد من يشاء .

يهشم على راسها امل اللقاء حين ينصرف دون ان يبادلها حتى نظرة وداع ناهيك  عن الاعتذار ، فالاله لايعتذر  وما على العبد الا التوسل بالمعبود .

يصرفها الزيتوني على امل الاتصال بها حين  يشاء الاله ..

تغسل وجهها ببصاق اهماله مرتدية قناع الامل بلقاء جديد  ، فالالهة لا تخلف وعودها ولابد ان يأتي اليوم الموعود .

تمسك بحبل الامل بالتعرف على الابن الاكبر للإله ، فيراودها عن نفسها  ، ترفع بوجهه ورقة الحصانة  الموقعة بقلم الاله ،  ولكي يثبت الابن انه اله ونصف  دبر لها   شياطين العرش  فراش الاغتصاب ممزقا  صك الحصانة  هازئا بتصابي الوالد كاسرا ومحطاماً   نهجه باحتكار  الجواري  لصالحه  وحده  وان  لا شريك له  في امتلاك البلاد والعباد ..

تخذلها  مظلات الهبوط بتدبير من شياطين  الاله الاصغر ...تسقط مرمية على ارصفة احد الشوارع ، تعود للوعي في المستشفى  متحسسة اللزوجة بين فخذيها ، يستشيط  الوالد الرفيق غضبا   يتوعد ويزبد ويرعد ، تصر هي على تسجيل الحادث  ضد مجهول  ، يبتلع الرفيق  الاب زبد غضبه  ووعيده بعد ان علم بالفعل والفاعل !!

تحاول صديقتها الاقرلاب والأعز  ((نورس))  ، الانسانة المثقفة الواثقة من نفسها الجريئة التي تحاول ((نحول)) ان تكون مثلها ، عسى ان تتمكن من نزع قشرة الزيف  والتباهي  والأبهة الفارغة التي  مرغها الذئب الصغير بالوحل ...

نجحت ((نورس)) من اعادتها الى الحياة من جديد   ورمي الماضي ورائها  وممارسة حياتها   بشكل طبيعي .

ولكن يد القهر السلطوي تغيب ((نورس)) في غياهب المجهول دون ان تعثر لها على اثر هي وعائلتها  ، في حين  يسائل  ازلام السلطة ((نحول)) حول طبيعتها علاقتها بنورس وإذا تعرف عنها .

بعد وعكة وقيء تخبرها الممرضة  في المستشفى بأنها حامل ... الذئب الصغير   الاله الابن نفخ من روحه وأنفاسه القذرة في رحمها  فأودعها  روحا ،  يسقط الخبر  على راسها سقوط الصاعقة على هشيم  اشواك جافة  فيشعل حريقا  مدمرا في ذاتها  المدحورة  فيغلي في دماغها  سؤال :-

((الان ماذا تفعلين ؟؟))

اما انا  سأحاول  ان اتخلص من سحر السرد الشعري لمهدي ازنين  لانتقل الى   فصل التحليل الموضوعي لإحداث الرواية وشخصية نحول  حيث اراد الكاتب ان يظهرانا شخصية المراهقة  المشبعة بثقافة  حب القائد ضمن محيطها العائلي والمدرسي والإعلامي المنافق ، فتقع فريسة لحب موهوم  يرضي تطلعها لتكون الاقرب  للقائد الاله .. كعشق الشاة للذئب ، وقد تجسد ذلك من خلال تصرف المعبود وتفضيله العاهرة الغجرية على العاشقة الولهانة  لأنها  توافق ذائقته المتدنية وبيته  الهابطة  معى جل احترامنا لإنسانية الغجر ، نرى انهم ايضا ضحية مجتمعات القهر والاستعباد والطبقية والتراتبية الاجتماعية المقيتة ..

ثم تقودها اوهامها الساذجة ومرضها  يعشق الاله  للتعلق بولده الذئب الصغير  كوسيط مرجو لايصالها لمعبودها  فيقوم هذا  بافتراسها ولم  يقم أي وزن لوالده المتصابي والذي يحاول ان يكون المفترس الوحيد الاوحد .

كما يظهر الروائي  واقع الدونية والنفاق  والقردنة لدى ((الرفاق)) من زمرة الزيتوني وخنوعهم لسيدهم ومعبودهم ، وأوهام بعضهم حول عدالته وإنسانيته وترفعه عند افتراس عبيده ومواليه  كما هوحال ((الرفيق)) والد ((نحول)) الذي كتم صوته  كأي ديوث حينما علم بالفاعل ...

توصيف وتعريف   بواقع الحال المؤلم في مجتمع   يقاد من قبل  حزب شمولي   لابل من قبل  شخص فرد تفرد  بالقرار  والتحكم بحياة الناس ومصائرهم  بأرزاقهم   وشرفهم وكرامتهم  ، كشف قناع الزيف والوهم  لقطعان من الاتباع  عشاق العبودية  والمذلمة.

لمح ولم يصرح الروائي للنهاية المأساوية لنحول  بالانتحار غرقا في نهر دجلة  للخلاص من  الفضيحة  وماتعرضت له من  القهر  والإذلال  نتيجة  اوهامها  وطموحها الزائف ، وهو درس بليغ لكل من يعلق  الامال بالسعادة والحرية والانعتاق  على يد الانظمة الشمولية  والطغاة   المتالهين .

لسنا بحاجة للتعريف بأسلوب   مهدي ازبين السردي المتميز بالاختزال والتكثيف  واللغة الرصينة والأسلوب السردي الرصين والحبكة المحكمة . فرواية  ((سلالم التيه)) اضافة  قيمة للسرد العراقي والعربي ، رغم انها ليست الاولى  من سلسلة ابداعات   الروائي  (( مهدي علي ازنين )).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد الحريزي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/01/14



كتابة تعليق لموضوع : رواية ((سلالم التــــــــــــــــــيه ))
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net