المفاهيم بين التوطين والاستنساخ
زعيم الخيرالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زعيم الخيرالله

الافكار تقوم وَتُؤَسَسُ على مفاهيمَ ، وكذلك العلوم مُؤسَسَةٌ على مفاهيمَ ومُصطَلَحاتٍ ، لابُدَّ من تفكيكِها وفهمِها ، للولوج الى عوالمها ، ومعرفة تفاصيلها.
في البداية كان في ذهني ان يكونَ عنوانُ المقال (المَفاهيمُ بينَ التَبيِئةِ والاستنساخ) ، ولكنني عندما راجعتُ هذا المفهوم ، وجدت ان الدكتور (محمد عابد الجابري ) استخدمه في مقاربته لمفهوم الاصلاح ، ولعلّهُ هو اولُّ من استخدمَ هذا المُصطلح ، والاّ فانّي كنت افضّلُ مصطَلَحَ (التبيئة) ؛ لانّهُ يتناسبُ مع مصطلح الاستنساخ ؛ لان كليهما مصطلحان بيولوجيان ؛ ولهذا عَدَلتُ عنهُ .
مفهوم التوطين
--------------
المقصودُ بالتوطين هو : أَنَّ الافكارَ تنتمي الى وَطَنٍ ، ونَبَتَت في بيئةٍ معينةٍ ، وَنَشَأت في سياقات وشروط ثقافيّةٍ واجتماعيّةٍ خاصّةٍ ، ولها مرجعيّةٌ فكريّةٌ خاصّةٌ .اذا نقلناها الى وطنٍ اخر ، وبيئةٍ اخرى قد لاتؤتي ثمارها كما كانت في بيئتها الاولى ، وقد تكون عائقا للنهوض في البيئة الجديدة ، والوطنِ الجديد. فلا بدَّ ان نستنبَ هذهِ الافكارَ مع الوطنِ الجديدِ ونُخضِعَها للمرجعيةِ الجديدةِ ، والظروفِ والسياقاتِ والشروطِ الثقافيّةِ والاجتماعيةِ الجديدةِ .
مفهومُ الاستنساخ
----------------
مفهومُ الاستنساخِ يعني نقلَ الفكرة من وطنها الاصلي ، وبيئتِها التي تشكلت وتَكَوَنت فيها مع مرجعيتها وجذورها واصولها الفكرية ، دون النظر الى السياقات والشروط والمرجعية الجديدة . والاستنساخ ايجاد نسخ جديدة متماثلة مع المنشأ الاصلي ، كاستنساخ النعجة (دولي) .
نحن بحاجة الى توطين المفهوم ، وتبيئتهِ ، ودراسة تأريخهِ وتكييفه مع مرجعيتنا الثقافية فمفهوم الديمقراطيّة ، تتبناهُ معظم دولُ العالم ، ولكنها تخضعهُ للتوطين ، بما يتوافق مع شروطها ومرجعيتها ؛ حتى يكون هذا المفهوم مقبولاً في الوطنِ الجديد.
التجربةُ الاسلاميّةُ في ايران تبنت الانتخابات ، والاستفتاء على الدستور ، وهي اليات ديمقراطية ، ولكنّها كيفتها مع مرجعيتها الاسلاميّة ، واصحبت ممارسةً اسلاميّةً ، لايراها المواطنُ الايرانيُّ شيئاً لاينسجم مع ثقافته.
هناك من دعا في عالمنا العربيِّ الى استنساخ المفاهيم ، كطه حسين ، وسلاّمة موسى ، وغيرهم .... وهناك من دعا الى العلمانيّة ، دون النظر الى سياقاتها وظروفها التي تشكَّلَت فيها .
مُصطَلَحُ (الدولة الحضارية) ، مصطَلَحٌ يقبلُ التوطينَ ، والاستنبات في اوطاننا وتكييفه مع مرجعياتنا الفكرية .... ولايمكن استنساخه من دول حضاريّةٍ اخرى تختلفُ عنا في ظروفها النفسية والاجتماعيّة والثقافية ومرجعيتها الثقافية . نعم ، يمكن الاستفادةُ من تجارب الاخرين ، والانفتاح على كل الافكار والتجارب البشريّة .
والخلاصة : يمكن نقل المفاهيم من بيئاتها الخاصّة واوطانها وتجريدها من مرجعياتها الثقافيّة والفكريّة ، وتكييفها مع شروطنا النفسيّة والثقافيّة ومرجعيتنا الفكرية ؛ حتى لايكون الفكر المُستَنبَتُ نبتاً غريباً .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat