صفحة الكاتب : زعيم الخيرالله

 السُّجُونُ في حياةِ الامامِ الكاظِمِ (ع)
زعيم الخيرالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 اصبحَ السَّجنُ اليومَ عقوبَةً من العُقوباتِ المتعارفِ عليها في دُوَلِ العالمِ .. ولكن في الدول المستبدةِ يُعَدُّ الرأيُ جريمةً يُعاقِبُ عليها القانونُ ؛ ولذا تجد معظمَ سجناءِ هذهِ الدولِ ، هم سجناءُ رايٍ . ويُمارَسُ في هذه السجونِ ، صنوفا من الوان التعذيبِ ، التي يتُمُّ فيها امتهانُ السجينِ ، وانتهاكُ كرامتهِ .
اولياءُ الله تعالى ، حين يوازنون بين الضغوط التي تُمارَسُ عليهم لينحرفوا ، والسجن ؛ فانهم يفضلون السجن ، فهذا يوسف النبي (ع) ، يقول فيما حكاه عنه ربُّهُ :
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ). يوسف: الاية : 33.
وكانت حالةُ النَّبِّيِّ يونس (ع) في بطنِ الحوتِ اشبهَ بسجنٍ متَنَقِّلٍ ، ولكن وهو في ظلمات بطن الحوت ، وفي ظلمات البحر ، وفي ظلمات الليل ، كانَ يُسَبِّحُ اللهَ ، يقول الله تعالى :
(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ). الصافات: الايات:(143-144). وكان الامام الكاظم (ع) قد سأل الله تعالى ان يفرغ له مكانا لعبادته:
(اللهم إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد) .
السجن والاثار النفسيّة على السجين
---------------------------------
السجن من العوامل التي تترك اثارا سلبيةً مُدَمِّرَةً على حياةِ السجينِ ، فقد اجرى فريقٌ من الباحثين من معهد علم الجريمة بجامعة كامبرج حواراتٍ مع مئاتِ السجناء ، انتهوا الى ان : ( عقوبة السجن الطويلة تُغَيِّر شخصياتِ السجناء الى ابعد حد . ويصعب اعادة تأهيل السجناءِ الذين قَضَوا فتراتٍ طويلةٍ في السجن ، ويصعب كذلك ادماجُهم في المجتمع بعد اطلاقِ سراحهم ) . وذكر باحثون : ان السجينَ يُصاب بملازمة مابعد الحبس ، وهي : مجموعة من الاعراض التي تظهر على المفرج عنهم ، منها عدم الثقة بالاخرين ، والارتياب بهم .
اغلب الافكار المتطرفة هي نتاج السجون ، فافكار التكفير والهجرة تشكلت في السجن ، وتفسير سيد قطب (في ظلال القران ) ، كتب في السجن ، وكذلك افكاره المتطرفة التي وسمت المجتمعات الاسلامية بانها مجتمعات جاهليّة ، كالافكار التي في كتابه : (معالم في الطريق ) وهذا الكتاب كتب ايضا في السجن . 
وانا لااقول : انَّ كلَّ ماكتبَ في السجون ، كان فكراً متطرفاً ، فالشهيد الاول كتب كتابه (اللمعة الدمشقية ) في السجن ، وكان كتابا في الفقه الاستدلالي ، ولم يكن كتابا متطرفاً .
ابن تيمية كان عنيفا في سجالاته مع العلامة الحلي ، وكان عنيفا في حواره مع الاشاعرة والصوفية ... ولعلّ السجون المتكررة ، كانت عاملاً من العوامل التي شكلَّت شخصيته العنيفة .
هناك شخصيات كنيلسون مانديلا الذي سجن طويلا ، سجن مايقارب (27) سنة من السنوات العجاف مع الاشغال الشاقة ، وخرج من السجن متسامحاً ، لم يمارس مع البيض مامارسوه معه من عنصرية وكراهية . على عكس موغابي الذي سجن لمدة (10) سنوات ، خرج منها معبأً بالكراهية ؛ فصادر الاراضي التي يملكها البيض ووزعها على السود ، وصاحب هذه الحملة خطاب كراهية ضد البيض ؛ مما ادِّى الى انهيار الاقتصاد ، وتراجع العملة المحليّة .
القيادة الحقيقية للامام الكاظم (ع)
-------------------------------
القائد الحقيقي ، هو القائدُ الذي يمتلكُ صفاتِ القيادةِ الذاتيّة ، فهو قائد مؤثرٌ في كل الظروف والمواقف . والقائد الزائف ، هو الذي لايمتلك مؤهلات ذاتية للقيادة ، وانما قيادته تعتمد على امور خارج ذاته . فهو قائد يعتمد على اجهزة القمعِ والمُخابرات ، والجيوش ، ولو سقطت هذه الامور يبدو هذا القائد تافها قزما ... هكذا كان الامر مع فرعون الذي ادعّى الالوهية ، ولكنه حين الغرق توسل باله موسى وهارون ، وسقط عنه كبرياؤه وغروره . وهكذا رأينا صداماً في المحكمة يفجر ، ويسب ، ويشتم ... وهكذا رأينا القذافي الذي منح نفسه القاب ، قائد المسلمين ، وصاحب النظرية العالمية الثالثة ، كل هذه الالقاب والنياشين انهارت ، وظهر القذافي على حقيقته قزما تافها يتوسل بمن امسكوا به ، ويسترحمهم .
الامام الكاظم (ع) رغم قسوة سجونه ، وتعددها ، وتعدد سجانيه وجلاديه ، كان مؤثراً وهو في سجنه . كان يقود الناس بسمته وهديه ، وعبادته . الجارية التي ارسلوها لتغريه وجدوها ساجدة متضرعة بربها ، هذه هي القيادة الحقيقية .
سجون الامام عليه السلام ، كانت ظلماتٍ ومطاميرَ ، لايعرف فيها الليل من النهار ... وكان الامام (ع) يصلي على اصوات السجانين . ولكنها لم تحوله الى كائنٍ عنيف ٍ يتفجر حقداً . كان على اتصال بقواعده الشعبية ، ولكنه لم يطلب من اتباعه ، وبعضهم احتل مواقع قيادية في الدولة العباسية .... لم يطلب منهم الثورة والاطاحة بهارون الرشيد ودولته ... انه الشخصية المعيار ... التي على ضوء معياريتها الدقيقة ، نضبط سلوكنا .... انه الامام ، المعيار . سلام الله عليه في يوم مولده ، ويوم استشهاده ، ويوم بعثه حيا ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زعيم الخيرالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/30



كتابة تعليق لموضوع :  السُّجُونُ في حياةِ الامامِ الكاظِمِ (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net